مقالات الخامسة

تمارا برو: جدل الأسلحة البيولوجية في الحرب الروسية الأوكرانية

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

مع تفشي فيروس كورونا المستجدّ كثر الحديث عن السلاح البيولوجي، وأن الفيروس التاجي نشأ في المختبرات. ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عاد الحديث مجدداً عن هذا السلاح حيث تراشقت موسكو وواشنطن الاتهامات حول تطوير الأسلحة البيولوجية إذ اتهمت روسيا الولايات المتحدة الأميركية بأنها تدير برنامجاً لتطوير أسلحة بيولوجية في أوكرانيا كاشفة عن أن واشنطن قد خصصت 32 مليون دولار لنشاط مختبرات عسكرية أوكرانية في كييف وأوديسا وخاركوف، كما خصص البنتاغون مليونا و 600 ألف دولار لدراسة انتقال الأمراض من الخفافيش إلى البشر بأوكرانيا وجورجيا. بالمقابل نفت الولايات المتحدة الأميركية ذلك محذرة من أن الهدف من هذه الاتهامات الروسية قد يكون التحضير لإمكان أن تستخدم القوات الروسية أسلحة بيولوجية في أوكرانيا. فقد قال الرئيس الأميركي جو بايدن ان الاتهامات الروسية بأن كييف تمتلك أسلحة بيولوجية وكيميائية زائفة، وهذه علامة واضحة عن أن بوتين يفكر في استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وأنكر الرئيس الأميركي أن تكون لدى الولايات المتحدة أسلحة كيميائية وبيولوجية في أوكرانيا. بينما نفى نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، ما وصفها بـ”مزاعم الرئيس الأمريكي جو بايدن بوجود أسلحة بيولوجية أو كيماوية لدى موسكو لاستخدامها في أوكرانيا”.

إن اتهام روسيا للولايات المتحدة الأميركية بتطوير مختبرات بيولوجية بالقرب منها ليس بجديد، فقد اتهمت موسكو في العام 2018 واشنطن بأنها تدير مختبرات بيولوجية في جورجيا وأوكرانيا، مما يشكل تهديداً على أمنها وينتهك الاتفاقيات الدولية. كما أعربت في العام 2020عن قلقها من نشر واشنطن للمختبرات البيولوجية حول الصين وروسيا دون أن تكشف عن طبيعة هذه المختبرات.
لقد كانت المختبرات البيولوجية الأميركية محط جدل لاسيما خلال السنوات الأخيرة بعد ازداياد ظهور فيروسات جديدة. فقد أشارت الصحفية البلغارية Dilyana Gastandzhicva في تقرير بعنوان “أسلحة البنتاغون البيولوجية” أن علماء الحرب البيولوجية يختبرون ـــ تحت غطاء دبلوماسي ــــ فيروسات من صنع الإنسان في مختبرات البنتاغون في 25 دولة حول العالم. ويشير التقرير إلى أن “تمويل برنامج المختبرات الحيوية الأمريكي يتم من قبل وكالة DTRA العسكرية( وكالة الحد من التهديدات الدفاعية) ، بموجب برنامج تبلغ ميزانيته 2.1 مليار دولار، يشمل برنامج التعاون البيولوجي المشترك مع جورجيا وأوكرانيا وبعض الدول في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأفريقيا. وأشار التقرير إلى أن لدى DTRA عدد من المشاريع لدراسة مسببات الأمراض العسكرية على الخفافيش كجزء من برنامج التعاون البيولوجي المشترك (CBEP). وهذا ما يقودنا الى تصريح الدبلوماسي الصيني الذي اعتبر أن الجيش الأميركي قد يكون وراء تفشي فيروس كورونا المستجدّ.
وأضاف التقرير بأن أحد المختبرات الأميركية يقع في خاركوف وقد توفي 20 جندياً أوكرانياً في العام 2016 خلال يومين بسبب انفلونزا الخنازير وتم نقل 200 آخرين إلى المستشفى. وبعد عدة أشهر من نفس العام توفي 364 شخصاً بسبب الانفلونزا في أوكرانيا (81.3 ٪ من الحالات كانت بسبب A (H1N1) pdm09، وهي سلالة تسببت في جائحة إنفلونزا الخنازير عام 2009).
يُعرف السلاح البيولوجي بأنه أحد أنواع أسلحة الدمار الشامل يتألف من كائنات حية أو ما تنتجه من سموم تستخدم عمداً لاحداث الموت أو العجز في الإنسان والحيوان والنبات. ويستخدم السلاح البيولوجي للتسبب المتعمد في نشر الأوبئة بين البشر وفي تدمير البيئة من ماء وهواء وتربة، وضد المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والتي هي لبّ اقتصاد بعض الدول. ويستخدم أيضاً خلال النزاعات المسلحة والحروب كوسيلة لقتل العدو أو جعله عاجزاً عن القتال، كما أنه أداة لتنفيذ الاغتيالات السياسية. وهناك العديد من الميكروبات والسموم، التي يمكن استخدامها كأسلحة بيولوجية، بعضها معروف منذ قديم الأزل كالطاعون، والجدري، والكوليرا وغيرها، وبعضها حديث أو تم تطويره جينياً. وفي السنوات الأخيرة شهدنا أنواعاً جديدة من الفيروسات كانفلونزا الخنازير وانفلونز الطيور والسارس وايبولا وزيكا وأخيراً وليس آخراً فيروس كورونا أو Covid 19 . وقد اختلفت وجهات النظر والآراء حول كون هذه الفيروسات هي من صنع البشر أو أن مصدرها طبيعي كالحيوانات البرية.

أما من الناحية القانونية فإن استخدام هذا السلاح واستحداثه وتطويره وانتاجه محظّر بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني وبروتوكول جنيف لعام 1925 الذي يحظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها والوسائل البيولوجية. ومنذ 50 عاماً وقّع العالم على اتفاقية الأسلحة البيولوجية ( 1972 التي دخلت حيز النفاذ في العام 1975) غير أن القوى العسكرية الكبرى لا تزال تحتفظ بهذه الأسلحة سراً وتقوم بتطويرها في مختبراتها، ومنها دول منضمة إلى الاتفاقية، مستفيدة من عدم وجود جهة تنفيذية تراقب مدى التزام الدول بتنفيذ الاتفاقية أو تجبرهم على الشفافية الكاملة بشأن دراساتهم ومشاريعهم في هذا المجال. وأيضا تسمح الاتفاقية بحفظ، أو اقتناء، أو انتاج كميات معينة من العوامل البيولوجية أو التكسينات، للأغراض السلمية، هذا يعني أنه يمكن للدول أن تلجأ إلى اقتناء هذه العوامل، بحجة الاستخدام السلمي، ومن ثم تحولها فيما بعد للاستخدام العسكري طالما لا توجد جهة تقوم بمراقبة تقيد الدول الأطراف بأحكام الاتفاقية. لقد جرت عدة محاولات خلال المؤتمرات الاستعراضية لاتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، التي تنعقد كل خمس سنوات، للوصول إلى بروتوكول دولي يهدف إلى التحقق والمراقبة، تحديداً لوضع نظام تفتيش يفرض الإعلان عن أي نشاط ذي صلة بالحرب البيولوجية، غير أن هذه المساعي اصطدمت بعوائق كثيرة، فالولايات المتحدة الأميركية رفضت مشروع البروتوكول خلال اجتماع فريق الخبراء الحكوميين المخصص عام 2001 بسبب تخوفها من استخدامه في الإضرار بالبرامج البيولوجية الدفاعية الأميركية، وفي التجسس الصناعي على شركات الدواء الأميركية معتبرة أنه يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي. لقد أعطت الاتفاقية ألحق لأطرافها في تقديم شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في حال انتهاك أحكامها. وينبغي أن تتضمن كل شكوى جميع الأدلة الممكنة لإثبات صحتها، غير أنه من الصعوبة بمكان الحصول على هذه الإثباتات لأسباب سياسية، أو أسباب أخرى. ومن ناحية أخرى متى ما وجد مجلس الأمن أن هناك تهديداً للسلم والأمن الدوليين فله أن يتخذ إجراءات تحت البندين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة ، ولكن العقبة الأساسية تتمثل في أنه يمكن لأعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة استخدام حق النقض (الفيتو ) لحماية أنفسهم ومن ينتهك أحكام الاتفاقية.
في ظل تزايد تبادل الاتهامات حول استخدام السلاح البيولوجي من المحتمل أن يتم استخدام هذا السلاح واتهام القوات الروسية كما حصل في سوريا عندما استخدم السلاح الكيميائي واتهم النظام السوري بذلك . ومن المؤكد أن موضوع الأسلحة البيولوجية وأسلحة الدمار الشامل سيكون ضمن الملفات التي سيناقشها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى أوروبا وعقده قمة دولية لحلف شمال الأطلسي وقمة مجموعة السبع.
وما بين تبادل الاتهامات حول امكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل في الحرب الروسية الأوكرانية يبقى المدنيون هم كبش المحرقة والذين يدفعون الثمن غالياً جراء حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
حاصلة على دكتوراه في القانون الدولي وباحثة في شؤون الأسلحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى