مقالات الخامسة

أكرم عطا الله: بين نتنياهو وبينيت

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

ليس من السهل تأبين بنيامين نتنياهو، ذلك القط ذو الأرواح السبع في عالم السياسة، فقد مات أكثر من مرة ولكنه عاد من جديد، مات عام 99 عندما أطاح به إيهود باراك في ولايته الأولى بعدما صعد نجم نتنياهو السياسي لأول مرة في الأربعينيات من عمره كأصغر رئيس وزراء، وبدا حينها أنه تحطم وما زلت أذكر كيف وقف على المنصة ليتلو خطاب هزيمته ويعلن انسحابه من رئاسة الحزب، ومات مرة أخرى عندما شكّل شارون «كاديما» ليترك نتنياهو مع حزب محطم ولكنه في كل مرة كان يفاجئنا ويعود من الموت.
لا يؤبّن نتنياهو إلا عندما يكفن بالسواد ويدفن في مقبرة السياسة، التي يبدو أنها فتحت لاستقباله بعد هذا المشوار الطويل الذي امتد لربع قرن، بدأه بالتحريض على اغتيال رابين صانع «أوسلو»، ليقترب من نهاية حياته السياسية محطماً ما تبقى من «أوسلو» التي أقسم اليمين الإسرائيلي على إسقاطه. وبعد أن ظل في الحكم كأطول رئيس وزراء لإسرائيل لاثنتي عشرة سنة متواصلة، استل خلالها كل أدوات المكر والدهاء ليبقى بعد أن أشعل كل نيران الكراهية، ليس فقط بين العرب واليهود، بل إن ثلاثة من أقرب مساعديه هم من يسقطونه عن العرش: ليبرمان الذي كان مدير عام مكتبه، وكذلك بينيت الذي كان أيضاً مدير مكتبه، وساعر المقرب له، هؤلاء كرهوه بجدارة بعد أن صفعهم جميعاً، والآن اتحدوا ليعيدوا له الصفعة وهم يتجهزون لكتابة خطاب تأبينه.
لم يكن رجلاً سهلاً، وأعترف أنه أذكى مَن مر في تاريخ سياسيي إسرائيل، كيف تمكن طيلة هذا الوقت أن يمشي بين حبات المطر دون أن يبتل، وفي كل مرة كنا نتابعه كأنه انتهى ولكنه يتمكن من خداع الجميع والعودة، وآخرها قبل أكثر قليلاً من عام عندما تمكّن بيني غانتس من الحصول على أصوات تؤهله لتشكيل الحكومة، وشهدنا كيف تمكّن نتنياهو من خداعه واحتوائه وتحويله إلى خرقة بالية، وإلقائه عندما حان دوره لتسلّم رئاسة الحكومة. كان ساحراً لم يتوقف عن إخراج أرانب من أكمامه.
وكما قال فولتير: «تستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت، وأن تخدع كل الناس بعض الوقت، لكن لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت». هذا ما حدث لنتنياهو بعد ربع قرن من العمل السياسي لم يكن خلاله في جعبته غير الخديعة، تمكّن بمهارة ألا ينكشف بسرعة، ولكن هناك لحظة الحقيقة. ومع نهاية تقترب منها الرحلة، لا يزال مصراً على الإنكار، إلى الدرجة التي جعلت أفيغدور ليبرمان في اجتماع لحزبه يقول: «إنه غير واثق أن نتنياهو سليم نفسياً 100 بالمائة ومؤهل لتولي رئاسة الحكومة»، فهو لم يصدق بعد، متلبساً فكرة لويس الرابع عشر «أنا الدولة والدولة أنا»، وأن الملك سينزل من العرش إلى البرش «مخدع السجناء».
لقد قلب نتنياهو الطاولة على رأس الفلسطينيين وحوّل الحياة إلى جحيم، ليس فقط في السياسة، بل على المستوى الإنساني البسيط؛ عندما أعادهم للتفكير في أشيائهم الإنسانية الأولى، وجعل السياسة والحقوق الوطنية تبدو ضرباً من الخيال. لقد أفقر الضفة الغربية وحولها إلى سجون معزولة، وحاصر قطاع غزة وشنّ ثلاث حروب مدمرة، ففي كل بيت في غزة ثأر مع نتنياهو وقصة إنسانية، وطفل رحل عن العالم على صدر أمه، وعريس ينتظر عروسه بين الركام، وحبيبة تنتظر حبيبها عائداً من المعركةـ وأمّ تعد اللحظات لعناق ابنها، وقصص مأساوية كلها صُنعت لأن الذئب كان يتجهز للانتخابات في كل مرة على سيرة من المآسي.
لا يعني ذلك أن رئيس الوزراء القادم ومدير مكتبه السابق، نفتالي بينيت، أقل بشاعة مما ظهر به نتنياهو، بل إن تصريحاته التي أدلى بها خلال مسيرة العقد السابق، الذي بدأ فيه مشواره السياسي، لا تقل ضراوة ووحشية عن سابقه، بل إن نتنياهو يمكن أن يوصف بأنه يسارياً مقابل وريث «المفدال» وهو حزب المستوطنين الذي أصبح «البيت اليهودي» ثم أصبح «يمينا»، وإذا كان نتنياهو لم يطلق على نفسه لقب اليميني، فإن وريثه يتفاخر بيمينية عنصرية وليدة التيار الاستيطاني.
الآن يتقدم رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية «يشع» ليترأس وزارة إسرائيل. ماذا يوجد أكثر من هذا ومن سخريات السياسة في إسرائيل، أن نتنياهو كان يخشى المفاوضات مع الفلسطينيين خوفاً من تفكك حكومته؛ لأن بينيت سيتركها مع أول جولة فتسقط، هو «لا يعتبر الضفة الغربية محتلة، بل يعتبرها جزءاً من إسرائيل لسبب بسيط أنه لم تكن هناك يوماً دولة فلسطينية، وأن هذا الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يمكن حلّه، وأن إقامة الدولة الفلسطينية تعني الانتحار، وأنه لن يقدم على الانتحار حتى لو ضغط عليه العالم كله».
هو خليط من القومية والدين، وفي إسرائيل الأمر كذلك؛ لأن القومية تستمد ثقافتها وهويتها من الدين، وهنا ما يجب أن يلفت نظر العالم، بأننا سنكون حين تمر الحكومة في الكنيست أمام رئيس وزراء يرتدي القبعة الدينية ومستوطن، بل كان زعيم المستوطنين، وتلك قصة يمكن الاستفادة منها في الدعاية الفلسطينية بجزئياتها الأولى، أن رئيس وزراء إسرائيل هو ممثل تيار الاستيطان الذي يعتبر في القانون الدولي جريمة حرب، والثانية أن رئيس وزراء إسرائيل رجل ديني في زمن العلم والتقدم والديمقراطية.
لا يمكن المفاضلة بين اثنين عنوان المباراة بينهما كانت أيهما أشد تطرفاً، لكن المهم أن يسقط نتنياهو؛ فهو الرجل الداهية الذي تمكّن من تطوير اقتصاد إسرائيل، ووضعها في مصاف العالم التكنولوجي، وإغلاق كل منافذ التسوية وتطويع أو تطبيع العالم العربي. سيرة حياته التي قرأتها توحي بأنه رجل شديد الذكاء والجديّة، ومن المهم للفلسطينيين أن رجلاً ذكياً كان يقف أمامهم، وربّما مَن سيأتي بعده سيكون من الهواة. هذا أقل شراً.. المهم أن يُهال التراب على بنيامين نتنياهو….!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى