مقالات الخامسة

كوميديا سوداء

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: عبد  الغني سلامة: 

قيادي حمساوي، يحمل لقب أستاذ دكتور، وهو وزير سابق ونائب سابق، كتب على صفحته: “قامت وزارة الحكم المحلي في غزة مشكورة بترتيب مجالس بلدية لأكثر من عشرين مدينة فلسطينية (داخل الـ 48) من بينها يافا والجدل من بين أبناء العائلات التي كانت تسكن المدينة، وهي بصدد استكمال مجالس باقي المدن حتى تقلل الفوضى وتضبط الحياة أثناء وبعد التحرير”.
والأخ من شدة حماسته نسي حرف الميم في كلمة المجدل، ووقع في عدة أخطاء لغوية، وهذا ليس موضوعنا.. ولن نناقش مسألة الاستخفاف في منح الدرجات الأكاديمية العليا، ولا التأكيد على مقولة “ليس كل من نال شهادة عليا مثقفاً”، بل وليس شرطاً أن يكون “بيفهم..” فقد سبق استعراض مقولات متهافتة لاثنين ممن يحملون لقب بروفيسور، وهما أيضاً من غزة، حين تهجموا على فرقة فنية محلية جاءت للتضامن مع أطفال مصابين بالسرطان، وصوروا الأمر على أنه هجوم على الإسلام، ومؤامرة على المجتمع وقيمه، وتدمير الأسرة…إلخ.
مشكلتنا مع الأخ البروفيسور ليست في تهافت مقولته، المشكلة أنه قيادي، وممن يؤخذ برأيهم، وممن يحرضون المجتمع، ويؤثرون على الرأي العام، والكثير من الشبان يعتبرونه مثلاً أعلى، وقدوة، وقائداً “عنجد”.. وممن يشاركون في صناعة القرار، مع بقية زملائه الذين يحكمون قطاع غزة.. وهؤلاء شئنا أم أبينا جزء من شعبنا، ويعكسون صورة قضيتنا أمام العالم، وبحكمهم لغزة فهم يؤثرون بشكل حاسم وكبير على مكانة القضية الفلسطينية والوضع السياسي الفلسطيني، ومسارات تطور الأحداث.
و”البوست” الذي نشره على صفحته لا يمثل رأيه الشخصي وحسب، بل هو يتحدث عن نشاط رسمي قامت به وزارة الحكم المحلي في غزة، وبالتأكيد تطلب الأمر سلسلة اجتماعات ونقاشات وأوراق عمل.. يعني المسألة تمثل العقل القيادي الذي يحكم القطاع منذ 15 سنة.
وقد سبق لقيادة حماس أن نظمت مسابقة لتصميم منبر للمسجد الأقصى لوضعه بدل المنبر الحالي بعد التحرير، كما نظمت وزارة الأوقاف في غزة مسابقة “إمام المسجد الأقصى بعد التحرير”.. وفي وقت سابق أقام ناشطون من غزة مسرحية تصور سيناريو تحرير القدس، شارك فيها إسماعيل هنية شخصياً، حين دخل من بوابات تحاكي بوابات القدس، ومن خلفه جموع المؤمنين تكبّر وتهلل!
لا اعتراض عندي على هذه المسابقات والمسرحيات إذا كانت موجهة للأطفال في سياق التعبئة الوطنية ورفع المعنويات وتعزيز الإيمان بحتمية النصر.. وربما كان لدى قيادات حماس خطة مستعجلة وسرية للتحرير، أو تصور أو معلومات عن قرب وشيك جداً لهزيمة الاحتلال، أو قناعة مطلقة بأن هذا اليوم بات قاب قوسين أو أدنى.. جميعنا نتمنى ذلك اليوم، ومجيئه بأسرع وقت.. لكن مشكلة قيادات حماس والطريقة التي يفكرون بها أنهم خائفون من الفوضى التي ستحكم عمليات التحرير، وقلقون من إمكانية نشوء اضطرابات ما بعد التحرير، يعني صعوبة العثور على من يخطب في الأقصى يوم التحرير، أو صعوبة دخول الأفواج المنتصرة من بوابات القدس، أو عدم القدرة على تنظيم انتخابات للمدن الفلسطينية المحررة.. وتلك مشاكل كبرى ينبغي اجتراح حلول عبقرية لها منذ الآن.. والمسألة لا تحتمل التأجيل.
طبعاً، هذا يعني أن أوضاعنا اليوم خالية من الفوضى والتعقيدات، وأنّ قيادات حماس حلت جميع مشاكل غزة، وبما أننا معتادون على الانتخابات، فمن غير اللائق ألا نجهز قوائم انتخابية لمدن الداخل، بل إن هذه القوائم لن تخضع لأي انتخابات، فقد تم اختيار أبناء العائلات منذ الآن.. حتى لا نضيع وقتاً في ترشيحات وقوائم وتصويت وإعلان نتائج.. إلخ.
من غير اللائق التهكم، والقول إن غزة لا تستطيع تصدير حبة بندورة دون الخضوع لشرط إسرائيلي سخيف، وهو عدم وجود “القُمع”.. وإن لا أحد يستطيع عبور حاجز قلنديا دون تصريح إسرائيلي.. هذه معاناة شعبنا، وليست موضوعاً للتندر.. لكن تصريحات وسلوك بعض قادة حماس تتجاوز الكوميديا السوداء، والبيضاء.
في السياق ذاته، إليكم هذا الإعلان الذي انتشر على وسائل التواصل: “اجتمع بعد صلاة المغرب عدد من العائلات السادة الأشراف الغزية في ديوان الشيخ ()، وذلك لتشكيل نقابة للسادة الأشراف، أو رابطة تضم العائلات الشريفة التي تسكن قطاع غزة، وذلك لتعريف الناس بحقوق السادة الأشراف والقيام برعايتهم، وطرح الشيخ () أهداف الرابطة وتمت مناقشتها، مع أكثر من 33 عائلة مجتمعة في الديوان، وتم الاتفاق على عمل احتفال للإعلان عن تأسيس الرابطة (أو النقابة) للسادة الأشراف، حيث سيتم تجميع جميع العائلات الشريفة لتنضوي تحت سقف الرابطة وتشكيل مجلس إدارة ولجنة تحقيق النسب تضم علماء أهل خبرة”.
لن نستعرض الأخطاء الإملائية وأخطاء الصياغة اللغوية كما وردت في الإعلان، فإذا كان “البروفيسورية” يقعون بتلك الأخطاء، فهل نستكثر على مخاتير وشيوخ عشائر هذا الحق!؟
يقول الصديق رياض عواد: “هناك محاولات جادة لفكفكة المجتمع الفلسطيني في غزة وإقصائه عن نسيجه وبعده وأصله الوطني، تمثلت بضم بعض عائلات غزة إلى قبائل في الدول العربية المجاورة، ومحاولة إيجاد ما يسمى نسب الإشراف ليست بجديدة، لربطها مع عائلات تدعي أنها من الأشراف منتشرة في الدول العربية، والهدف الحقيقي لهذه المحاولات هو هدف سياسي”.
قد يكون هذا صحيحاً.. ولكن برأيي الموضوع هبل داخلي، أي هو تخلف محلي، ومع أني لا أؤمن بنظرية المؤامرة لكني لا أستبعد توجيهات من جهات خارجية، أو على الأقل (وهذا مؤكد) أعداؤنا يستفيدون من هذا الهبل، ويوظفونه خير توظيف.. وبالذات التهديدات بتدمير إسرائيل، وزلزلة الأرض تحت أقدامهم، والجاهزية لتصدير صواريخ لأي دولة عربية تريد تطوير قدراتها العسكرية!
وبالعودة إلى “عائلات الأشراف”.. والتي ستضيف بعداً جديداً للقبلية: عشائر شريفة، وعشائر عادية، وكأنَّ العشائرية الموجودة لا تكفي! وبحاجة إلى المزيد من التخلف! والطريف في الموضوع هذا المزج العجيب بين التراث والحداثة؛ أي تجميل البنى الاجتماعية المتخلفة بمصطلحات حداثية؛ فعشائر الأشراف ستمتلك نقابة.. والنقابة عادة تكون لقطاع مهني، أو لطبقة اجتماعية.. وهذا ابتكار جديد لم تسمع به الأعراب من قبل.. أم أن الموضوع لا يتعدى البحث عن ألقاب فخمة ومستحدثة تنافس سيل الألقاب المتدفق في هذا البلد المنكوب؟
متشوق لمعرفة ما هي حقوق السادة الأشراف؟ وماذا يعني القيام برعايتهم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى