مقالات الخامسة

عماد الأصفر: المسؤول العاطل بيجيب لابنه المسبة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

لا يشعر المسؤول بكبير تأنيب ضمير حين يحصل ابنه او ابنته على منصب رفيع دون وجه حق، وحتى لو شعر بوخزة ضمير فانه سيكون قادرا على تجاوزها سريعا، من اجل عيون الغزال الذي هو ابنه، او الغزالة التي هي ابنته.

لا يشعر بذلك، بل انه مستعد للمحاججة والمناطحة بان هذا حقه، سيقول انه ضحى وقدم وعرض حياته للخطر، سينسى كلامه السابق عن التضحية من اجل الشعب والاجيال،

سيقول ان أولاده درسوا في أحسن الجامعات وحصلوا على اعلى الدرجات، سينسى ان هذه الأفضلية تحققت أيضا على حساب الشعب ولم تكن متاحة امام الآخرين من أبناء الناس العاديين، حتى لو كانوا متفوقين أيضا،

سيقول ان أولاده دخلوا السلم الوظيفي من اوله وحصلوا على الترقيات بشكل نظامي، سينسى ان التعيين من أصله ما كان سيحصل لولاه او لولا اسمه، وان خريجين آخرين لم يحصلوا عليه، وان من حصل عليه لم يحصل على الترقيات المطلوبة بذات السرعة الصاروخية او القرارات الاستثنائية، وما اكثرها.

سيسير المسؤول وسيطلب من ابنه الغزال او الغزالة منقطعة النظير ان تسير على مبدأ “الشعب ينبح والقافلة تسير” او على مبدأ “داري على شمعتك تقيد” او على مبدأ “واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان” سيصمون اذانهم عن الفيسبوك وانتقاداته وسيغلقون عيونهم امام نظرات الازدراء، وسيبتعدون عن أصحابها وسيقربون إليهم أناسا آخرين لا يحملون هذه النظرات، بل يضعون كتفا معهم في جعل المبررات السابقة مسائل مسلم بها.

سيقول المسؤول انه لو لم ينخرط في الثورة لكان اليوم مليونيرا، او مواطنا في دولة اجنبية مستقرة، يستطيع أولاده فيها ان يمارسوا حياتهم ورفاهيتهم، وسيقول ان غيره من أبناء الشعب حصل عليها، ولكنه حرم نفسه منها، سينسى طبعا ان ذلك كان خياره وأننا لم نرجوه ولم نطلب منه ان يختاره.

سيقول المسؤول أشياء كثيرة عن عدم كفاءة الآخرين، عن قلة اخلاصهم، وعن اخذهم لحقوق دون حق ونيلهم لمكتسبات لا يستحقونها، سيقول أشياء عن شهادات مزورة، وعن درجات علمية غير مستحقة ورغم ذلك فقد جرى الاعتراف بها تسهيلا على أصحابها من ذوي الحالات النضالية الاستثنائية، سيقول كلاما كثيرا غير مقنع سيقول هراء كثيرا يدينه ولا يبرر افعاله.

من بين ما سيقوله المسؤول ان الواسطة والمحسوبية موجودة في كل مكان موجودة في القطاع الخاص وفي العمل الأهلي وليس فقط في الحكومة، وان وجودها في الحكومة غير مقتصر على ذوي المناصب الرفيعة بل يشمل أيضا الفئات الأدنى، وان عدد المستفيدين من الواسطة والمحسوبية يكاد يكون مساويا لعدد العاملين الإجمالي،

وبعد هذا كله، بعد هذا السيل من المبررات غير المقنعة سيضرب المسؤول امثلة عن معارضيه وسيجتهد للبرهنة على انهم ليسوا افضل منه بل أسوأ منه بكثير، سيتحدث عن معارضين اصبحوا اثرياء، وآخرين حصلوا على جنسيات، وامتلكوا في الخارج تجارة وعقارات، سيتحدث عن ارتباطات خارجية وولاءات،

في نهاية اليوم سنجد ان الجميع فاسد، وان المسؤول عن الفساد ليس السيد المسؤول المبجل، بل الشعب، فالشعب ماهر في افساد قيادته، وماهر في الحصول على الاستثناءات، وفي التكسب من خلال الواسطة والمحسوبية.

في نهاية هذا اليوم سنكتب هذا البوست، في نهاية اليوم سنقرأه، في نهاية اليوم سنهز رؤوسنا، وفي الصباح سنقرأ اخبارا عن تعيين فلان او فلانة سنبحث عن اسم والده، قبل شهاداته، عن منصب وسمعة والده قبل كفاءته، سنقارن تعيينه بتعيينات أخرى لأبناء مسؤولين آخرين لنصدر حكما متسرعا بان فساد فلان اقل من فساد علان، ثم سنقارن بين فساد فلان وعلان بفساد اخرين لا يتوقفون عن المطالبة بمكافحة الفساد. ورفع أصواتهم في مواجهة وفضح الفاسدين.

أخيرا ومع الاعتذار لمحمود درويش
كلنا في بحر الفساد ماء.

وكلنا في مواجهة الفساد جيش فاشل يحترف الادعاء والتبرير والتظاهر ويجيد التغاضي، ويتقن استخدام النسبية، ويحترف الإضاءة هنا والتعمية هناك، ويحسن رعاية مصالحه الخاصة، ويتقن غاية الاتقان ممارسة التعهير، وصنع الانطباعات ومجافاة الحقائق، …… مهما اجتهدنا في البحث لن نجد في تاريخنا شخصا واحدا كان خاليا من تهم الفساد، ولن نجد كذلك فاسدا واحدا تمت معاقبته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى