أحمد ورانيا.. حلم قُتل قبل أن يولد
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

أحمد ورانيا.. حلم قُتل قبل أن يولد – حكايا في زمن الحرب
“كان الأمر أشبه بحكم بالإعدام… كنتُ أفضل الموت على أن أفقد أطفالي دون أن ألتقي بهم أبدًا”.
هذا ما قاله أحمد جربوع (30 عامًا) بصوت يختنق، بعد سنوات من انتظار تحقيق حلمه وزوجته رانيا محمد (26 عامًا) بالإنجاب.
أحمد ورانيا من سكان مدينة رفح، تزوجا منذ عام 2017، وبسبب مشاكل صحية، لم يتمكنا من الإنجاب طبيعيًا. ومنذ 2018، بدأ الزوجان رحلة علاج طويلة وشاقة، تنقّلا خلالها بين العيادات المختصة في قطاع غزة، وخاضا محاولات متعددة من التلقيح الصناعي، أنفقا خلالها مدخراتهما البسيطة، وكل ما يملكانه من أمل.
وبعد سنوات من المعاناة، نجح الأطباء أخيرًا في استخراج عينتين قابلتين للزراعة. كانت رانيا على وشك الخضوع للعملية، حين باغتتهما الحرب. وفي لحظة، دمّر صاروخ إسرائيلي العيادة التي احتضنت أملهما، بما فيها خزانات النيتروجين التي كانت تحفظ جنينيهما.
لقد خسر الزوجان شيئًا لا تلتقطه الكاميرات: حلمًا صغيرًا نمى في أنبوب، كان يمثل مستقبلهما، لكنه لم يُمنح حتى حق المحاولة.
أجنة تحت الركام
في غزة، حيث يواصل الموت التهام الأرواح والأحلام منذ أكثر من 640 يومًا من الحرب الإسرائيلية، ارتقى ما يقارب 58,000 شهيد، وتحوّل نحو 1.5 مليون إنسان إلى مشردين بلا مأوى أو أمان. وبين صرخات القصف وضحكات الأطفال المعلقة على حبال الأمل، ثمّة جروح لا تُرى في الصور، وأحلامٌ تُقتل قبل أن تولد.
فالحرب .. لم تكتفِ بتوسيع حدود المأساة، بل أعادت تشكيل اللغة نفسها. مفرداتٌ جديدة ظهرت لتعكس حجم الفقد الذي يعجز العالم عن احتوائه. من بينه Wounded Child, No Surviving Family (WCNSF) اختصار يُطلق على طفل جريح بقي حيًا بعد القصف، لكنه فقد عائلته كاملة. كما برز مصطلح “الجنين الشهيد”، في إشارة إلى الأجنّة المجمدة في عيادات الخصوبة التي دُمّرت تحت القصف، وماتت قبل أن تُمنح حق الحياة.
هذه ليست المصطلحات لغوية فقط، بل شواهد دامغة على واقعٍ يُستهدف فيه الإنسان من جذوره… حتى قبل أن يُولد.
عيادات الخصوبة تحت النار
في ديسمبر 2023، استُهدف مركز “البسمة” للتلقيح الصناعي في غزة بقذيفة إسرائيلية، ما أسفر عن تدمير أكثر من 4,000 جنين ونحو 1,000 عينة من البويضات والحيوانات المنوية، كانت محفوظة في خزانات النيتروجين.
وبحسب تقارير صحفية دولية، شكّل هذا الهجوم ضربة قاسية لمئات الأزواج الذين رأوا في هذه العينات الفرصة الأخيرة لتكوين عائلات، ووصفه بعض المراقبين بأنه “جزء من حربٍ ممنهجة على حق الفلسطينيين في الإنجاب”.
أحمد ورانيا.. حلم قُتل قبل أن يولد
جريمة إبادة بحق الحياة
اللجنة الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة وصفت استهداف مراكز الإنجاب بأنه سلوكٌ “يُراد به منع ولادة الفلسطينيين”، ويُعدّ من أعمال الإبادة الجماعية وفق اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948.
كما سجّلت منظمات حقوقية، بينها “Justice For All”، أدلة بهذا الشأن لدى المحكمة الجنائية الدولية، مطالبةً بفتح تحقيق في هذه الجرائم.
في غزة، لا تُستهدف الأجساد فحسب، بل يُقصف المستقبل، ويُنتزع من أرحام الأمهات قبل أن يرى النور. قصة أحمد ورانيا ليست استثناءً، بل جزء من معاناةٍ كبرى يعيشها آلاف الأزواج الذين فقدوا فرصة تشكيل أسرة، في زمن تُقصف فيه حتى الحياة المحتملة.
ورغم ذلك، لا تزال غزة تنبض. من بين الأنقاض، تتسلّل الحياة، حاملةً معها تحديًا أبديًا: لن تُكسر الإرادة، ولن يُمحى الحلم، حتى وإن دُفن تحت الركام.