إضراب المعلمين وحفظ ماء الوجوه
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
كتب: تحسين يقين:
في كل مرة نتناول هذا الموضوع، تتداعى أسئلة كثيرة، وانفعالات أكثر، لكن دوماً تنتهي إلى التساؤل عن المسؤولية والدور؟
لذلك، ومن منطلق تلك المسؤولية، فإنه تصبح لكل كلمة معنى وقيمة، وأمانة. الكلمة هنا فعل يقود لحل نبيل وعادل.
في البدء، لعلنا نتفق على لغة خطاب يقوم على الاحترام، والتفهم، من منطلق حرصنا جميعاً ليس فقط على الأطفال، وعلى مسيرة التعليم، بل على السلم الاجتماعي والاستقرار بشكل عام؛ حيث يتمثل التعليم في أكثر الخدمات أولوية.
على مدار أسبوعين، يتحول السؤال من البحث عن حلول، عن جدل التمثيل، وكأننا سالمون من التشظي والانقسام. هناك ما يدعونا للإنقاذ، ولندع الملامة ثانياً وثالثاً، فسيكون لها وقتها.
بقليل من الكلمات، وبالتحلي بالمسؤولية، فإن مطالبة المعلمين بوضع الزيادة المتفق عليها، على قسيمة الراتب، كشرط للعودة إلى الصفوف، مطالبة منطقية.
الوعد، وعد الحكومة دين عليها، مبدأ يمكن التعامل معه، في ظل ما نتوقعه من الحكومة من عمل سياسي في الدرجة الأولى:
– تأسست السلطة الوطنية في ظل تعاقد دولي، عليه تحمل مسؤوليته خاصة في مجال التمويل.
– بدل المطالبة بوقف الاقتطاعات المالية غير الشرعية التي تقوم بها دولة إسرائيل المحتلة، ينبغي إلزام هذه الدولة المحتلة بالمساهمة بتأمين حاجات الشعب الذي يعيش تحت احتلالها، بمعنى أن إنفاق السلطة الوطنية على أسر الأسرى والشهداء، إنما ينبع من التزام إنساني طبيعيّ جداً، بمد يد العون للأسر المحتاجة.
هذا هو عمل الحكومة، الذي يجب أن يكون مع الولايات المتحدة والاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وإلا لم كان كل هذا الفعل السياسي الذي واكب تأسيس السلطة الوطنية؟
بالتوازي، من الطبيعي أن تتحمل الحكومة المسؤولية كونها وقعت اتفاقاً مع المعلمين، وكان من السهل عليها حفظ حق المعلمين، لتضاف الزيادة إلى ما تبقى لكل معلم من دين، والفرج سيكون قريباً.
أما المعلمون، فعليهم، كأعضاء هيئة عامة، أن يوحدوا جهودهم تحت مظلة شرعية، بعيداً عن النزق والانفعال والعناد، حتى يكون لأي تحرك معنى قانوني، ولعل التدرج في الفعل النقابي أمر مهم وأخلاقي وقانوني. بمعني صريح على الاتحاد كجهة رسمية إيجاد طريقة تحفظ ماء الوجوه جميعها، في ظل نوايا حسنة للحراك، في ظل مبدأ متفق عليه وهو الإجماع على وجود حل كريم.
والاتحاد جهة نقابية رسمية، وهو وإن كان لحركة “فتح” فيها نصيب، كحزب حاكم أو قريب جداً من الحكم، فإنه لا المعلمون والمعلمات من “فتح” يقبلون هذا التشظي، كما لا يقبلون بقاء الوضع على ما عليه، كذلك فإن من الحكمة التعامل مع الأزمة بما يجمع المعلمين على الحركة لا النفور منها، ونحن مقبلون على انتخابات لا بد أن تجري في يوم قادم، ينبغي أن نحسب حسابه.
من جهة ثانية، فإن الجهات الحكومية: وزارة المالية، ومجلس الوزراء، والرئاسة، هم جهة واحدة من حيث المضمون، لأن سيادة الرئيس عادة، بعد أن يترك للحكومة فرصة التعامل مع الأزمة، فإن توجيهاته عادة ما تحمل الحل المرضي، والحق أن السيد الرئيس يهتم فعلاً بحفظ ماء وجوه المعلمين وكرامتهم، لذلك فإن هناك خطاً أحمر فيما يخص احترام المعلمين، بصرف النظر عن الأجسام المطالبة، لأن من الحكمة التعامل مع أي تجمع من حيث عدد المنضمين لنداءاته يصبح مهماً، في سياق الدعوة إلى مأسسة الجسم النقابي ودعمه بل والحرص على استقلالية إبداعية.
كل يوم يمضي خسارة لنا جميعاً، لأن الخسارة لا تقتصر على المنظومة التعليمية، بل على المنظومة جميعها، وهي تؤثر سلباً على الوضع السياسي المشتبك مع الاحتلال، وعلى الأرض.
العناد صفة خاسرة غير مفيدة، لا بد من احترام جهات التدخل، والإصغاء لها، لأنه في النهاية هناك عودة إلى العمل، لذلك ومع احترامي لرأي المعلمين، فإن الحكمة لربما تقتضي العودة إلى العمل الآن، وسيكون ذلك أمراً يقدره المجتمع، والظن بل الاعتقاد، أن الحكومة ستجد حلاً مرضياً، وإن لم تقم بذلك، فستتدخل الرئاسة، ولذلك دلالات سياسية مهمة، سيكون من الأولى والأهم أن تعالج الحكومة أمرها.
المعلمون هم كل من في المدرسة والمديريات ووزارة التربية، بل إن وزير التربية في أي بلد في العالم هو المعلم الأول، ومن هنا، فإن طرق الحكمة واضحة في إدارة الأزمة. التعليم منظومة واحدة وجسم واحد، وخندق واحد، لا يمكن القبول بأي فعل ينتقص من وحدة الأسرة التربوية، والتي هي بالفعل في العالم كله تشكل أهم أسرة ننتمي لها جميعاً، وهي حاضنة الأطفال: “أبناؤنا وبناتنا أكبادنا تمشي على الأرض”.
لا نحتاج الكثير من الكلام، عندما تكون خطوة واحدة تكفي للحل.
وفي ظل هذا كله، في ظل وقف الإضراب، ينبغي البدء الفعلي في التفكير المسؤول في أمرين فيما يخص إدارة المال العام:
الأول: مراجعة ما تم اقتصادياً منذ العام 1994، وما مرّ به الوطن من تطورات، وتحولات جاءت أساساً من السياسة الاقتصادية، حينما تم ظلمنا اقتصادياً في إتباعنا لسياسة السوق المرتبط بوضع ما سمي وحدة ضريبية بين الأرض المحتلة عام 1967، التي تشكلت السلطة الوطنية على جزء منها، ودولة إسرائيل التي ما زالت فعلياً دولة احتلال قائمة هنا.
لم يعد مقبولاً أن نشتري المنتج نفسه بالمال نفسه، في حين يكون الدخل المالي للفلسطيني في أرضه المحتلة جزءاً من أجزاء الدخل المالي للإسرائيلي.
ولن يكون أبداً من الحكمة القبول بزيادة عدد العمال الفلسطينيين داخل المستوطنات في الضفة الغربية، وداخل إسرائيل.
أما الأمر الثاني: فكل موظف وليس فقط المعلم، هو مواطن يعيش هنا وأسرته، وعليه من الواجبات المالية ما عليه، والتي تشبه الموظفين أكانوا من صغار الموظفين أو الكبار، وعليه، فإن العدالة تقتضي مستقبلاً، خصوصاً للموظفين الجدد، أن يتم عمل جدول رواتب عادل منصف، فمن يقبل به يتحمله، فلا يمكن في ظل وضع احتلال زيادة الامتيازات دون أمر ضروري، وسيكون لكل مقام مقال، أي مراعاة الوضع الوظيفي لنا جميعاً، لتقليل الفجوات في الراتب، لأن تلك الفجوات تزيد حالة عدم الرضا.
وهنا، من الممكن البحث عن وسائل تعين الموظفين المتلقين رواتب غير كافية، من خلال:
– فتح الجمعيات الاستهلاكية.
– تأسيس صناديق كصندوق دعم التعليم الجامعي لأبناء الموظفين وبناتهم.
– التفكير في إسكان المعلمين والموظفين، بقروض طويلة.
والظن أن الخبراء والخبيرات يملكون أفكار مهمة تساعدنا جميعاً في عبور الأزمات، لكن في ظل البعد كل البعد عن تشتت ثقافة غنم السمار!
شعب عريق ومناضل، هو شعبنا، ويمكننا إن أردنا فعلاً ليس حل مشكلة قائمة فقط، بل فعل سياسات اقتصادية تكون فعلاً وقائياً لكل مشكلة يمكن أن تظهر. وحتى ذلك الوقت ينبغي العودة إلى تقوية الصفوف، أينما كانت. ليس لنا إلا سد الصفوف، ونحن في طريقنا إلى التحرر والاستقلال القريبين.
حفظ ماء وجوهنا جميعاً، ليكن هذا هو المنطلق.