العدوان الإسرائيلي يلقي بظلاله على اقتصاد الضفة
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
شبكة الخامسة للأنباء- غزة
إلى الثلث، تراجع دخل المواطن الفلسطيني أيهم عودة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويوما بعد يوم يفقد جزءا من هذا الدخل أمام ظروف اقتصادية صعبة تعصف بالفلسطينيين ولا سيما بالضفة الغربية المحتلة.
وكونه سائق سيارة أجرة تأثر عودة بشكل أكبر، خاصة في ظل إغلاقات الاحتلال للطرق الرئيسية والفرعية، وعزله مدن الضفة عبر مئات الحواجز العسكرية المختلفة، فصار التنقل صعبا، فضلا عن التكلفة العالية جراء غلاء الوقود والأعطال التي تصيب مركبته بفعل الطرق الوعرة.
ومن نحو 35 دولارا يوميا، تراجعت حصة عودة (43 عاما) إلى الثلث أو أقل بعد الحرب، ويقول للجزيرة نت إن ذلك فاقم وضعه الاقتصادي سوءا، “والأخطر أن الالتفاف عبر طرق فرعية بات يهدد حياتنا بسبب اعتداءات جنود الاحتلال والمستوطنين”.
تقشف وشد الأحزمة
عودة الذي ينحدر من مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية يعيل أسرة تضم 5 أفراد. لجأ إلى تقنين كبير بمصاريفه، ويقول إن همّه بالدرجة الأولى توفير قدر ما يستطيع من ثمن الماء والكهرباء وأجرة المنزل والمقدرة جميعها بأكثر من 400 دولار شهريا.
ويضيف عودة “قللت مشتريات كثيرة، واقتصر الأمر على الضرورات، وأرجأت التزامات أخرى للمستقبل ككسوة الشتاء والفرش المنزلي وغيرها الكثير”.
ويأتي تدبير عودة وتقليل نفقاته في ظل غلاء فاحش، إلى جانب نسبة بطالة تجاوزت 24% في مجموع القوى العاملة في فلسطين، وفقر قفز عن حاجز 29% في المجتمع الفلسطيني، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
بدوره، أعاد ماجد حمدان (41 عاما) -الذي كان يعمل داخل الخط الأخضر– حساباته جيدا مع دخول الحرب، وأعلن دخوله وأسرته حالة “تقشف وشد الأحزمة”.
وكواحد من آلاف العمال الذين أوقفت إسرائيل دخولهم إليها منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، يواجه حمدان ظروفا اقتصادية صعبة، وتحاصره التزامات مالية كبيرة بفعل قروض ترتبت عليه أثناء تشييده منزله.
وبينما يسعى حمدان منذ بدء العدوان لإيجاد عمل بديل، لجأ آخرون ومنهم عمال الضفة، الذين ضاقت أحوالهم وأنهي عملهم، لافتتاح مشاريع صغيرة كأكشاك بيع المشروبات الساخنة، والباردة، والأطعمة الشعبية، وغيرها.
قطاع مهم
ويعتمد نشاط الضفة الغربية الاقتصادي بشكل كبير على قطاع العمالة داخل الخط الأخضر، إذ يقدر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين تعدادهم بأكثر من 190 ألفا، ومن ثم فإن تسريح إسرائيل لهم يتسبب بخسارة شهرية تقدر بمليار و250 ألف شيكل (313 مليون دولار).
كما يسهم قطاع الموظفين العامين -الذين يعدون 140 ألفا- بشكل آخر في تحريك عجلة الاقتصاد وبشكل كبير أيضا، غير أنهم ومنذ عامين يتقاضون رواتبهم منقوصة بنسبة 80% فقط، بسبب ضائقة مالية تمر بها السلطة الفلسطينية، وقدرت هذه الرواتب بـ 3.7 مليارات دولار عام 2022.
في وقت يعد القطاع الخاص وما يوفره من مشاريع تستوعب آلافا من العمال سبيلا آخرا للفلسطينيين وتنشيط اقتصادهم، وينظر إليه الآن ورغم عقبات كثيرة باعتباره الأمل لاستيعاب مزيد من العمالة بظل هذه الظروف الصعبة.
وهناك مخاوف حقيقية تواجه الفلسطينيين ولا سيما بالضفة الغربية، إذ يرى المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني رجا الخالدي أنها بفعل الحرب على غزة، وأبرزها تردي الوضع الاقتصادي بشكل عام، وبالتالي التخوف من الاستثمار أو حتى الإنفاق فيه.
أموال المقاصة
ويشير الخالدي أيضا إلى أموال المقاصة، وهي ما تجنيه إسرائيل من ضرائب على البضائع الواردة للفلسطينيين بحكم سيطرتها على المنافذ البرية والبحرية ووفق اتفاق مع السلطة مقابل عمولة 3%، والتي تراجعت بسبب انخفاض الاستيراد الفلسطيني واقتطاع الاحتلال منها، وتراجع المساعدات والمنح الخارجية، وتجميد دول أخرى دعمها مع بدء الحرب.
ويتحدث المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني عن حلول سريعة أهمها الاعتماد على الذات لتوفير العمل والإبقاء على تشغيل وإنتاج الصناعات المحلية والمطلوبة للسوق، والعودة للزراعة، إضافة لعملية التكافل والتضامن الاجتماعي.
ويضيف الخالدي أن المطلوب من الحكومة أن تُبقي على عجلة الرواتب دائرة، وبالتالي تعزيز عملية الإنفاق وضخ القليل من السيولة بالسوق، وهذا هو الشيء الأكثر قدرة للحكومة على تنفيذه رغم عقبات كثيرة، ويمكنها أيضا توجيه السياسات وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص لخلق مشاريع تستوعب هذا الكم.
ويقول إن بعض الحلول ليست آنية، وتنفيذها يحتاج إلى أشهر وسنوات، لكنها تخلق استثمارا فعالا في ظل “ما نعيشه من اقتصاد حرب تقتل بغزة، وتعزل وتغلق بالضفة”.
وبشأن القطاع المصرفي وما يمكن أن تقدمه الحكومة وحتى مؤسسات الإقراض من تخفيف عن المواطنين بتأجيل دفع التزاماتهم أو إعفائهم، أوضح المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، أن القطاع المصرفي متين، ولكن وبعد فترة معينة، وإذا لم تتوقف الصدمة، فإن المخاطر ستزيد كون أن هذا القطاع مدين للناس وللحكومة معا.
خيارات محدودة
وفي رحى الحلول التي قدمها الخالدي تدور أطروحات أستاذ الاقتصاد بجامعة بيرزيت نصر عبد الكريم، جماهيريا أو رسميا، لكنها تبقى حسب قوله “خيارات محدودة وضيقة أمام جسامة الأضرار والتداعيات، ولدى سلطة عرجاء أصلا”، وفق تعبيره.
شعبيا، يقول عبد الكريم إن الخيارات الفردية تبقى أوسع خاصة مع وجود بعض المدخرات لدى الناس، ومصادر دخل أخرى لدى غالبهم، إضافة للتكافل والتعاضد الاجتماعي، والعودة للعمل بالأرض ومشاريع الاقتصاد المنزلي، “لكن يبقى الخطر بسرعة استنفاد هذه الخيارات”.
ويضيف أنه لا ينتظر من حكومة السلطة أن تقدم شيئا، فهي أصلا لا تدفع رواتب كاملة لموظفيها، كما أنها تعتمد لحد كبير على أموال المقاصة التي تقتطع منها إسرائيل منذ سنوات، وهددت مؤخرا بخصم حصة غزة منها، وهو ما أثار حفيظة السلطة، وهددت بعدم استلامها كلها.
وتقدر أموال المقاصة الفلسطينية، بأكثر من 750 مليون شيكل (188 مليون دولار) شهريا، ولكنها تقتطع منها نحو 250 مليون شيكل كإجراءات عقابية للفلسطينيين، لا سيما عوائل الأسرى والشهداء.
ويضيف أن الحكومة يمكن أن تتجه لمد العون للعمال عبر برامج إغاثية مؤقتة، والتعاون بالشراكة مع القطاع الخاص لتوفير وظائف عبر برامج عمل مختلفة ولو مؤقتة، وفق المصدر نفسه.
كما يمكن مطالبة القطاع المصرفي إرجاء ديونه المستحقة على المواطنين عبر تسوية الشيكات وبطاقات الائتمان وغيرها.