مقالات الخامسة

اللاسامية غلاف الذكرى…

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

سهيل كيوان

تنتشر تهمة العداء للسّامية، وتتفاقم طرديًا كلّما أوغلت الحكومة الفاشيّة في إسرائيل في جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يستدعي توجيه انتقادات لها حتى من أقرب أصدقائها. فقد اتّهم نتنياهو حلفاء إسرائيل التقليديين: فرنسا، وبريطانيا، وكندا، بتشجيع اللاسامية، لمجرّد أنّهم أعلنوا رفضهم لما يجري في قطاع غزة، وضرورة وقف الحرب، وذكروا وجوب حلّ الدولتين للشعبين.

هذه الدول الصديقة لإسرائيل تجد نفسها محرجة أخلاقيًا أمام تحرّكات شعبية في بلادها، تُعرب عن غضبها وتتظاهر ضد جرائم الحرب التي يرتكبها النظام الفاشي في إسرائيل على رؤوس الأشهاد.

اعتبرت الخارجية الفرنسية أقوال نتنياهو تشهيرًا بفرنسا، حليفة وصديقة إسرائيل المُخلصة منذ تأسيسها حتى اليوم.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

ظهر مصطلح “العداء للسّامية” أول مرة عام 1879 بقلم صحافي ألماني يُدعى فيلهلم مار.

عُرف العداء للسّامية في أوروبا بأنه التمييز ضد اليهود في شتى المجالات، بسبب دينهم وأصلهم العرقي.

وشمل العداء للسّامية ترويج دعايات ضد اليهود وتصويرهم على أنهم مصدر الشر، وممارسة العنف اللفظي أو الاعتداء على أماكن العبادة اليهودية، والاعتداء اللفظي أو الجسدي على يهود لكونهم يهودًا.

تُهمة اللاسامية أصبحت مبتذلة، وتحوّلت إلى أداة تستخدمها الفاشية التي تحكم إسرائيل لتجريم وقمع وترهيب أي صوت ينتقد أو يهاجم ممارسات الاحتلال، سواء حرب الإبادة أو وصف النظام بأنه نظام أبرتهايد. حتى أنّ تهمة العداء للسّامية صارت توجّه إلى يهود، وحتى إلى صهاينة وقادة في جيش الاحتلال، تجرّأوا على رفع أصواتهم وإعلان موقف ضد قتل المدنيين الأبرياء، وخصوصًا الأطفال، وضد سياسة التجويع التي تُعتبر جرائم حرب واضحة المعالم، ولا بدّ من محاكمة كلّ من يمارسها ويتواطأ معها.

تعريف العداء للسّامية يذكّر بالاعتداءات المنهجية على المساجد، وفي أحيان كثيرة على الكنائس، والاعتداءات الجسدية على سائقي الحافلات والمستجمّين العرب في الأماكن العامة.

وهذا يحيل إلى هدم أكثر من ألف مسجد في قطاع غزة منذ بداية الحرب الحالية، بحجّة وجود مقاتلين فيها، وإلى إحراق مساجد في الضفة الغربية وتدنيسها، وبثّ تسجيلات من مكبّرات الصوت فيها تتخلّلها الشتائم والكلام البذيء الموجّه للسكان، أو بث أغانٍ عبرية من مكبّرات المساجد في الضفة الغربية بعد احتلالها وتدنيسها.

الفرق بين العداء للسّامية وبين انتقاد أو مهاجمة السياسات الإسرائيلية واضح، إلا أن قادة الحركة الصهيونية والفاشيين منهم، الذين يدعون ويمارسون إبادة الشعب الفلسطيني وحتى أطفاله ونسله، يربطون بين انتقاد إسرائيل وساستها، وبين العداء لليهودية ولليهود.

مقولة حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة بحسب القانون الدولي، صارت لاسامية، وهدفها – حسب ادعائهم – إبادة اليهود ودولة إسرائيل.

يربط قادة إسرائيل يهود العالم بسياساتهم، رغم أن هناك يهودًا يرفضون تعريف أنفسهم كصهاينة، ولا يرون في دولة إسرائيل وسياستها ممثلة لهم، ويفصلون بين أن تكون يهوديًا وبين أن تكون صهيونيًا، وحتى بين أن تكون صهيونيًا معتدلاً مستعدًا لحلّ وسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبين أن تكون فاشيًا يدعو لإبادة الفلسطينيين.

الحرديم لا يعترفون بدولة إسرائيل الحالية، لأنها من صناعة حركة سياسية هي الصهيونية، أما إسرائيل التي ينتظرها الحرديم، فهي التي سيقيمها الله، لا الجيش ولا الحركات السياسية.

الصهيونية حركة سياسية فضفاضة، فيها متطرّفون وفاشيون، وفيها معتدلون، وفيها ما يُسمّى اليسار الصهيوني، وهنالك صهاينة من غير اليهود، وأعدادهم في أميركا تفوق عدد كلّ يهود العالم. ومثال ذلك الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، الذي أعلن صهيونيته، وقال: “ليس بالضرورة أن تكون يهوديًا كي تكون صهيونيًا”. هذا يعني أن الصهيونية فكرة وأيديولوجيا لا تخصّ اليهود وحدهم، فقد تجد عربًا وفلسطينيين صهاينة كذلك، يكنّون عداءً للفلسطينيين، ويتبنّون الفكر الصهيوني بقناعة.

في استطلاع رأي نُشر مؤخرًا، جاء فيه أن نسبة 82% من الإسرائيليين يؤيدون طرد الفلسطينيين وتهجيرهم بالقوة من وطنهم، وهذه أعلى درجات اللاإنسانية. هذا الفكر يفوق اللاسامية في قذارته وانحطاطه.

وكي لا تحتكر الصهيونية العنصر السامي، نذكّر أن أكثر الشعوب السامية عددًا في هذا العصر هم العرب، ومنهم الفلسطينيون. وأكثر اللغات السامية انتشارًا هي العربية. وإلى جانب العرب، يوجد شعوب سامية أخرى في العصر الحالي، منهم: اليهود، السريان، الآراميون، الكلدان، الآشوريون. وفي العصور القديمة: الكنعانيون، ومنهم الفينيقيون، والنبط، والسبئيون، والحميريون، والمعينيون.

كلما استفحلت جرائم الفاشية الإسرائيلية، ارتفع صراخهم بمقولة “العداء للسّامية”. الفاشيون يريدون إبادة وتهجيرًا بصمت دولي وعربي، ومن غير أي معارضات، حتى ولو كانت بأصوات أصدقاء إسرائيل من أوروبيين وأميركيين وعرب وغيرهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى