تقارير

بيوت العزاء في غزة.. بين أداء الواجب و المواساة.. والأثقال المادية على كاهل الأسر

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

تقرير خاص| محمد كمال وشاح

أصبحت بيوت العزاء في فلسطين وما يرافقها من عادات وتقاليد تُثقل كاهل أهل المَيت لتتنادى الأصوات مؤخراً لتجنب هذه العادة و إقتصار العزاء بالمتوفّى على المقبرة فقط.


وترتبك مشاعر أهل المتوفى، خاصة في الساعات الأولى، بين مشاعر الحزن ومتطلبات وإجراءات ومراسم وتكاليف الدفن والعزاء الباهضة.


تكاليف العزاء المُرهقة في الوقت الراهن


تكاليف العزاء في فلسطين تعتبر مرهقة للمواطنين، حيث تشمل تكاليف الطعام والمشروبات والتحضيرات الأخرى مثل “استئجار الكراسي، والعاملين في صب القهوة، والمُعرش، والتمور الفاخرة” واستئجار صالات لإقامة بيت عزاء فيها. كما أنه يجب على العائلة التي لديها حالة وفاة تحمل تكاليف الدفن، والقبر، والتكفين.


كما يقوم أصحاب بيت العزاء بتحمل تكاليف باهظة وهي تقديم طعام الغذاء لكل المعزيين لمدة ثلاثة أيام متواصلة والذي يقدر عددهم بالمئات من المواطنين ويضطر أهل المتوفى للإستدانة ” الدَين” لكي يلبوا تكاليف العزاء.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك تكاليف أخرى مرتبطة بالعزاء، مثل مكوث عدداً من أقرباء المتوفي لثلاثة أيام في ضيافة بيت العزاء وهذا يزيد من الضغط المادي على العائلة.


ويضيف المواطــن محمود إبراهيم 32 عاماً، والذي توفي والده قبل عامين، أن تكاليــف العزاء أرهقته مادياً كونه الوحيد المُعيل لأهله بعد وفاة والده.


ويؤكد أحمد أن تكلفــة إقامة بيت العــزاء، بلغت نحو ثلاثة آلاف دينار أردني، توزعت ما بين أجرة قبر ، وأجرة معرش وكراســي لمــدة ثلاثة أيام متواصلة وقهوة وتمور، والغداء فقط تكلفته نحو “2000 دينار أردني”.


ويقول أحمد موسى 36 عاماً، إن تكلفة إقامة بيت العزاء لم تشــكل له أزمة مالية كبيرة، كونه أخبر الناس عند دفن شقيقته بأن تقديم واجب العزاء فقط بعد صلاة العصر واقتصرت المصاريف على القهوة والتمر فقط، دون تقديم الطعام للمعزيين.



بيوت العزاء تحولت لمجالس لقاء


يتوافد الأهل والجيران والأصدقاء.. يقدمون التعازي، ويشاطرون أهل الميت أحزانهم.. بعضهم يأتي مدفوعاً برغبة صادقة للتخفيف من وطأة المصاب، أو لتقديم المساعدات اللازمة، التي يحتاجها أهل المتوفى في تلك الأيام العصيبة.. وبعضهم يأتي لنيل الأجر.. وبعضهم للتخفف من واجب لا بد منه.. ولرفع العتب.. ومع ذلك، وجود هؤلاء جميعا ضروري.. فأهل الميت يكونون في حالة صدمة، ويحتاجون من يواسيهم.


ويتحول بيت العزاء في الكثير من الأوقات إلى مجالس للنقاشات في السياسية والإجتماعية، وتحليلات الأوضاع السائدة داخل المجتمع.

وفي أيامنا هذه أصبح بيت العزاء مكانٌ للقاء الأصدقاء والمعارف والأقرباء نتيجة الإنشغالات اليومية التي تحول دون ملاقاة الناس لبعضهم دون نكرانٍ للقيام بواجب العزاء”.



بدأت طقوس العزاء بالسجائر والقهوة


كان الفلسطينيون في العقود الماضية، يوزعون «السجائر والقهوة» على الضيوف المعزيين في حينها، وقراءة القرآن الكريم وسط الحضور في بيت العزاء.

حيث كان الجيران في حينها، يحضرون الطحين وأصناف متنوعة من الطعام إلى البيت الذي فيه العزاء في خطوة منهم لمساعدة جيرانهم والتخفيف من عبء تكاليف العزاء.

وبعد ذلك استبدل القراء وبدأت عادة تشغيل سماعات مكبرات الصوت بالقرآن الكريم، وفيما بعد تلاشت بسبب عدم إنصات المعزيين داخل بيت العزاء لصوت القرآن.



حلول بديلة لتخفيف عبء العزاء الثقيل


إلتزام المواطنين المعزيين بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف فيما يخص مراسيم العزاء.


حيث علمنا الدين الإسلامي أن العزاء هو واجب على المؤمنين، وذلك لتحقيق تماسك الأمة والمجتمع و لكن ما نراه اليوم من مظاهر للعزاء فليس له أصل في المذاهب الأربعة وليس من الدين، بل يعتبر مكروها وإبتداعاً لما فيه من التثقيل على أهل الميت و تجديد الحزن وشغلهم مع ما هم فيه من شغلة الخاطر بموت القريب.


والإحتذاء بما تقوم به دول شقيقة في نفس الموقف وله أثر اطيب على المجتمع و تماسكه، إذا كان فيها تخفيفاً عن العائلات المكلومة.


وتحتاج الأسر المفجوعة إلى دعم ومساعدة في هذه المُصيبة المؤلمة، ويجب تقليل التكاليف عن طريق تغيير بعض العادات و الإستغناء عن بعض المظاهر التي لا حاجة لها والتركيز على الأساسيات، فيمكن مثلاً تحديد موعد محدد للتعازي بدلاً من الإطالة في فترة العزاء.


فيمكن أن يأتي من يرغب بالتعزية فالوقت المُعلن عليها مسبقاً، لتقديم العزاء اللفظي بدون توزيع أي أنواع من الطعام، ويمكن أن يكون ذلك في المسجد أو في المنزل، أي مكان يختاره أهل الميت، دون أن يكون في ذلك إسراف و إضاعة للمال. فالأحياء أحق وأولى بالأموال التي تُصرف في العزاء.


ويُضيف الشاب «عاهد العصار» من وسط قطاع غزة، أن بيت العزاء مُكلف للغاية، نظراً للظروف الإقتصادية الصعبة في القطاع، إضافة إلى أنها مُبتدعة ويُصبح المواطن في مُصيبتين ألا وهي وفاة ذوي القربى له وتكاليف العزاء.

ويقول عاهد الحل الأمثل لهذه الظاهرة الغير محمودة، هي إقامة بيت عزاء في المنزل والأهم عدم تقديم “طعام الغذاء” كونه مُكلف، واقتصار تقديم التعازي في ساعات مُحددة .


ولهذا الأسباب، فيجب علينا جميعاً دعم ومساندة العائلات الذي لديها حالة وفاة، بكافة السبل والوسائل المُتاحة، وذلك لتخفيف العبء المالي عنهم، وتمكينهم من إقامة عزاء ملائم.


وفي النهاية، يجب أن نتذكر أن العزاء ليس مجرد مناسبة اجتماعية، بل هو تعبير عن التضامن والمشاركة في حزن الآخرين، وأن الأهم هو توفير الدعم النفسي والعاطفي للعائلة المكلومة، وهذا لا يتطلب تكاليف مادية كبيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى