مقالات الخامسة

ثوب الفرح فوق رماد الحرب

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتبت: سهر دهليز

في مدينة اعتاد أهلها أن يودّعوا أحبابهم أكثر مما يستقبلون الأفراح، وتحت سماء خيمت عليها الطائرات بدلًا من الزغاريد… اختارت غزة أن تبتسم، ولو من وسط الرماد.

في يوم استثنائي من أيامها القاسية، شهدت اليوم غزة عرسًا جماعيًا لـ54 عريسًا وعروسًا، أقيم وسط الدمار، في ساحة بمدينة حمد غربي خان يونس. العرس، الذي حمل اسم “ثوب الفرح”، نُظم ضمن عملية “الفارس الشهم 3” الإنسانية التي تنفذها دولة الإمارات في قطاع غزة، إحياءً للذكرى الرابعة والخمسين ليوم الاتحاد الإماراتي.

تحت خيام الأمل، رفرفت الأعلام، وتعانقت الورود مع بقايا الجدران المتساقطة. لم تكن الزينة كاملة، ولم تكن الموسيقى مرتفعة، لكن الفرح كان صادقًا، يشبه وجوه هؤلاء العرسان الذين قرروا أن يبدأوا حياتهم في زمن لا حياة فيه.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

غزة، التي عاشت عامًا كاملًا من الحرب، فقدت فيه أكثر من 37 ألف شهيد وآلاف الجرحى والمفقودين، تغرق في حصار وكارثة إنسانية، لكنّها لا تزال تُصرّ على أن تعيش، أن تُحب، وأن تفرح.

تقدّم أكثر من 2650 شابًا وفتاة بطلبات للمشاركة في العرس الجماعي، على أمل أن يكون هذا الحدث لحظة تُنقذهم من وجع الانتظار في ظلّ الفقر وفقدان البيوت والدخل. تم اختيار 54 ثنائيًا عبر قرعة علنية لضمان العدالة، وكانت الفرحة بادية على وجوههم رغم كل شيء.

وبينما كان العالم يظن أن غزة انتهت، جاء هذا العرس ليقول: نحن هنا. لم يُهزم الفرح، ولن يُهزم. فالعُرس كان أكثر من احتفال، كان رسالة مقاومة ناعمة تقول للعالم: “سنزرع حبًا في كل فجوة خلّفتها الحرب”.

عملية “الفارس الشهم 3” لم تكن مجرد جسر مساعدات، بل كانت بوابة حياة. فمنذ إطلاقها، قدّمت دعمًا شاملاً للقطاع من غذاء ودواء ومأوى وتعليم، والآن، تضع لمستها في لحظة فرح، نادرة وثمينة في آن.

الزفاف الجماعي أعاد الأمل لقلوب أنهكها الانتظار، وأرسل رسالة رمزية: أن غزة لا تحتاج فقط لوقف الحرب، بل تحتاج لمن يُعيد بناء أرواحها قبل بيوتها.

“ثوب الفرح” في غزة ليس أبيض فقط، بل ممزوج برماد المنازل، بدموع الأمهات، وبصبر لا يُكسر. إنه دليل حيّ على أن هذا الشعب، رغم الألم، يصرّ على الحياة.

في غزة… الفرح ليس رفاهية، بل شجاعة. وفي كل عرس جماعي جديد، تنبت زهرة فوق قبر، وتولد حياة وسط الموت.

إنه ثوب الفرح، يُخاط اليوم بخيوط الأمل… فوق رماد الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى