الرئيسيةحكايا في زمن الحرب

حكايا في زمن الحرب: جدار المنزل المرمم.. رفيق هبة في رحلة الصبر

" كل الأيام التي اعتقدنا أننا نعيش بسلام كانت وهم، لقد جعلتنا الحرب نرى الوجه الحقيقي للحياة، بلا زيف ولا تزيين، لقد واجهنا حقيقة أننا شعب تحت احتلال مجرم، يرمينا بالصواريخ لا الورود"

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

إعداد: شيماء مقداد

كان اختيارٌ صعب، قراراً لم تندم عليه أبدا، أن تبقى في شمال قطاع غزة، ولا تصبح نازحةً في جنوبه، و ككل من شاركوها الاختيار من سكان الشمال، فضلت المشقة والعذاب في بيتها، فكل القطاع يعاني ولا مكان آمن!

هبة جمال حسين 36 عاماً من مدينة غزة، رفضت النزوح مع عائلتها الذين فروا إلى الجنوب خوفاً من الموت، فكان الموت يلاحقهم في كل المدن التي نزحوا إليها، وكان من نصيبهم التنقل من مكان لآخر بحثاً عن الأمان، فيما بقيت هبة تعيش وحدها رحلة البحث عن الأمان أحياناً، وأحيانًا كثيرة تبحث عن الماء والغذاء والدواء.

 

“هكذا بدا الجدار الذي بنيته الحجارة ليست متسقة، لا تشبه بعضها، من بعيد هو بناء غير مثالي، فوضوي، مليء بالأخطاء، مشوه تقريبا، قالوا لي: هذا بناء مؤقت، بعد الحرب يمكن هدمه وبناء جدار اخر، لكنني أحببته، وجدته يشبه حياتي إلى حدٍ كبير، يشبهني كثيرا، رأيت نفسي خلاله، ربما لأنني أنا من قررت أن أغلق هذا الجدار لحماية نفسي، وتأمين بيتنا. “

تكرر النزوح مرات عديدة من شرق المدينة إلى غربها والعكس، و فقدت هبة عملها كـ”فريلانسر” في مجال كتابة المحتوى والتعليق الصوتي، وبسبب شدة القصف خسرت أمانها في منزلها الذي أخذ حصته من الضرر أيضاً بفعل القصف، فبقيت نازحة داخليا، لكنها قررت العودة للمنزل في فبراير، وأصرت على ترميم ما تتضرر، واستعادة ولو جزء من الأمان، مستقرة في منزلها -من جديد- متجاهلة كل الخوف والتهديد.

في رحلة التعرف كل وجه الحياة الجديد، ومواجهة الحقيقة، واكتشاف الناس من جديد، والأيام الثقيلة، اضطرت هبة أن تودع أبناؤها، تركتهم يرحلون إلى أمان بعيد عن عيونها، سافروا إلى جمهورية مصر العربية مع والدهم هربا من الموت، وبقيت هنا تحاول النجاة بقلبها المثقل بالذكريات والصبر، حالها كحال كل أمهات غزة القويات الصابرات المضحيات.

عاشت هبة ظروف المجاعة وحيدة بعيدة عن الأهل والأبناء، فكانت أصعب ابتلاء تمر به منذ بداية الحرب، لكنها خلقت من المحنة منحة، واعتبرت الجوع اختبارا لزوال النعمة وإدراك قيمتها، فتبدل سخطها إلى حب، وتعلقت في المدينة أكثر، أحبت الوطن أكثر، واستمدت من حبها قوة فائقة على التحمل والصبر في مواجهة الجوع والخوف والوحدة.

شَكَل وجود هبة في شمال قطاع غزة أملاً للعديد من الأصدقاء والأقارب، فكانت اليد التي امتدت لكل من يطلبون المساعدة للوصول إلى منازلهم والحصول على بعض متعلقاتهم الشخصية، أو أوراقهم الرسمية التي لم يسعفهم الوقت حين نزحوا أن يأخذوها، فكانت سبباً في إنقاذ مستقبل صديقتها التي سافرت خلال الحرب، حين تمكنت من إرسال رسالة الماجستير المتبقية وحدها على جهازها المحمول في المنزل.

تعلمت هبة درسها بسبب الحرب، فواجهت المشقة وحدها، واكتشفت لنفسها وجوها أخرى لم تكن تعرفها من قبل، أعادت رسم خططها من جديد، لم تعد تحمِل نفس الأولويات في الحياة، وصرفت النظر عن العديد من الأحلام وخبأتها، لكنها لم تفقد الأمل يوماً بانتهاء الحرب، وتوقف الموت والدمار، واحتضان أبناءها والعائلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى