حكايا في زمن الحرب.. مطبخ هبة ينتصر في معركة الإرادة
"تنتصر الإرادة حتماً، ونخرج من وسط الدمار، الطبخ هو حبي الأول، ولن أتخلى عنه مهما كانت الظروف"
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
إعداد: شيماء مقداد
نجت هبة الحلاق، بأعجوبة من تحت الركام، بعد غارة إسرائيلية دمرت منزل عائلتها في حي الأمل بمدينة خانيونس، وعلى إثر ذلك فقدت القدرة على الحركة لعدة أشهر، ولكن إرادتها القوية أعادتها إلى الحياة والحركة من جديد.
بكل فخر، تحمل هبة لقب “الشيف“، وهي عضو في جمعية الطهاة الفلسطينية، ومعروفة بأنها واحدة من أبرز خبراء الطهي في غزة، على الرغم من الإصابات الجسدية والنفسية التي تعرضت لها، كان قرارها الأول بعد تعافيها هو العودة إلى المطبخ، تقول: “عندما عدت للحركة والحياة، كان قراري الأول استئناف عملي في مجال الطهي، فهذا هو عشقي الأول”.
“أن أمثل غزة وفلسطين في محافل الطهي الإقليمية والدولية بأطباق من التراث الوطني حلمي الذي لن أتخلى عنه، ستنتهي الحرب وأصيرُ يوماً ما أريد.”
“اليوم الأسود”، هكذا وصفت هبة يوم القصف، الذي استشهد فيه زوج شقيقتها ونجلاه، فيما أصيبت هي ووالدتها وشقيقتها، ذكريات هذا اليوم لم تفارقها أبدا، لم تكن الجروح التي أصابت جسدها سوى جزء من الألم، بينما الجروح التي أصابت روحها وذاكرتها ستظل عالقة بها إلى الأبد.
بعد الدمار الذي لحق بالمنزل، نزحت هبة مع عائلتها إلى مدرسة تابعة للأونروا في مدينة خانيونس، واجهوا ظروفًا صعبة جدا من الازدحام ونقص الخدمات والمرافق، وبقيت تصارع ألم الفقد والإصابة حتى اجتياح جيش الاحتلال للمدينة، لتنزح مرة أخرى، هرباً من الموت، وتحت القصف، تاركة خلفها كل شيء، متوجهة إلى أقصى الجنوب، إلى مدينة رفح.
بعد أشهر من النزوح، استعادت هبة صحتها وعملت هذه المرة ضمن فريق من الطهاة في “نادي جماعي رفح”، وأصبحت تمارس عشقها في الطبخ بإعداد الطعام للنازحين.
“ليس سوى الطبخ، السبب الوحيد لتخفيف ألمي، على الرغم من النزوح والمعاناة، كانت عودتي إلى الطبخ علاجاً من كل الجروح.”
وعلى الرغم من تسارع الأحداث المؤلمة، وتكرار النزوح بكل تبعاته لم تستسلم هبة، ووقعت عقدًا مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” للعمل في مطبخ معبر كرم أبو سالم شرق مدينة رفح، لإعداد الطعام للموظفين والعاملين هناك.
كان الاحتلال السبب الأول في هدم وتدمير أحلام هبة وكل محاولاتها لإعادة بناء حياتها، في كل مرة يقرر اجتياح مدينة جديدة وتهجير سكانها قسراً، ليفروا باحثين عن الأمان، تاركين خلفهم كل آمالهم وأحلامهم.
في مايو الماضي، اضطرت هبة لترك كل شيء مجددًا، بعد أن تلقت المناطق الشرقية في رفح إنذارًا من قوات الاحتلال الإسرائيلي بإخلائها، فلم يكن أمامها خياراً سوى العودة إلى مدينة خانيونس، لتقرر إعادة فتح مطعمها الصغير في محل تجاري يعود لشقيقها، والذى كان قد تعرض لدمار جزئي خلال الاجتياح الإسرائيلي للمدينة.
“كانت عودة سكان مدينة خانيونس بالنسبة لي فرصة للعودة للطبخ، فقررت افتتاح مطعم صغير خاص بي أقدم فيه الوجبات للسكان والنازحين.”
بعد إزالة الركام وإصلاح ما يمكن إصلاحه، بدأت هبة بإدارة مطعمها وحققت نجاحًا لافتًا، لكن فرحتها لم تطول، ومن جديد دق الخطر بابها بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية في المدينة، كان القصف في كل مكان، فاضطرت لإغلاق المطعم مرة أخرى خوفًا من تجدد الاجتياح.
كان عدم الاستقرار شعور مؤلم يسيطر على هبة، ولا يقل بالنسبة لها عن الإصابة بصاروخ أو قذيفة، لكنها تواصل اليوم طهيها من موقع آخر في مواصي مدينة خانيونس، وتقدم الوجبات للنازحين في المخيمات ومراكز الإيواء، وهي لا تعلم ما يخبئه المستقبل.
“العمل في غزة ليس سهلًا، والحصار والحرب المستمرة يجعلان توفير احتياجات المطعم تحديًا يوميًا.”
إصرار هبة جعلها تقف صلبة في كل مرة تغلق فيها مطبخها وتمضي، فتعود لتفتحه من جديد، وتجدد العهد في كل مرة على المواصلة والتحدي.
تواجه هبة اليوم تحديات يومية في الحصول على المواد اللازمة لإعداد الطعام، بسبب الحصار المتواصل وارتفاع الأسعار في السوق المحلي .
وعلى الرغم من كل ذلك، تستمر في طهيها، وتحلم بيوم يتوقف فيه كل هذا الموت والصراع، لتتمكن من تحقيق حلمها بالمشاركة في فعاليات الطهي العالمية، ورفع اسم غزة عاليًا بأطباقها التراثية.