عادل زعرب… الصحفي الذي كتب رؤياه قبل استشهاده وصدق الحلم
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

عادل زعرب … أقمار الصحافة إعداد: سهر دهليز
في فجرٍ ثقيل من صباحات الحرب، سقط جسد الصحفي الفلسطيني عادل أحمد محمد زعرب تحت ركام منزل عائلته في رفح جنوب قطاع غزة. لكن صوته وصورته وذاكرته ستظل حيّة، شاهدة على مسيرة إنسانٍ وهب قلمه للناس، وحياته لفلسطين.
وُلد الصحفي عادل زعرب 9/11/1973 في مدينة رفح، جنوبي القطاع، في بيت بسيط يفتح نوافذه على حلم بالحرية. بدأ دراسته الأكاديمية الطب بجامعة خاركوف في أوكرانيا، لكن وفاة والده دفعته للعودة إلى الوطن. ليعيد توجيه حياته نحو الصحافة.
سيرته المهنية
التحق بكلية الآداب في الجامعة الإسلامية بغزة، وتخرج حاملاً شهادة البكالوريوس في الصحافة والإعلام. وليبدأ منذ ذلك الحين رحلة طويلة مع الكلمة والصورة.
لم يكن عادل مجرد ناقلٍ للخبر، بل كان صوتًا للناس، وضميرًا للمخيم. عمل كمراسل حر للعديد من المنصات الإعلامية، ونشط عبر تطبيقات واتساب وتيليغرام في نقل أخبار الناس والعدوان والحصار، دون أن يغفل عن تفاصيل الحياة اليومية.
شغل خلال مسيرته الإعلامية عدة مناصب، بينها ناطق باسم معبر رفح، وناطق إعلامي للجنة الحكومية لكسر الحصار. كما تطوع مع هيئة الإغاثة العالمية شرق أوروبا، وكان أمين سر للحاضنة الشعبية في رفح. ومنسقًا للمبادرة الدولية لأطفال غزة، ومسؤولًا عن الحملة الدولية لإنقاذ الأطفال المرضى في القطاع.
كان يؤمن بأن المقاومة لا تكون فقط بالبندقية، بل بالكلمة والصورة والتراث. ولهذا أسس أول بيت تراثي فلسطيني، وجمع فيه ملامح من الذاكرة الفلسطينية. ليحصل لاحقًا على جائزة التميز والإبداع تقديرًا لمبادرته الثقافية.
رؤية ورثاء
في 30 أكتوبر، دوّن الشهيد زعرب رؤياه على صفحته في منصة “فيسبوك”. قبل أن يرتقي شهيدًا ويلتحق بركب الشهداء بعد أقل من شهرين. وقد كتب رؤياه تحت عنوان.: “مجرد رؤيا لم تتحقق بعد“، وقال فيها: “لليوم الثاني على التوالي، تأتيني رؤية أن منزلي قد قُصف، وأنا لا أزال تحت الركام. جاء الشباب لانتشالي، وكان الغبار يملأ المكان. كانت الرؤية متكررة، وأنا أصرخ فيهم: ‘أنا هنا يا جندًا من الجنة، واقتربا، طيبةٌ وحلوٌ مذاقُها’، وأكررها بصوت عالٍ. وما إن سحبوني من تحت الأنقاض، والدم يسيل من رأسي حتى قدمي، حتى رددت مجددًا: والله إني لأشم رائحة الجنة’، وكررتها ثلاث مرات”.
ثم أخرجني مجموعة من الشباب الطيبين، لأستفيق بعدها على صوت صلاة الفجر. والقارئ يتلو قوله تعالى: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يُرزقون صدق الله العظيم.”
وفي رثائه لأهله وأقاربه الشهداء قبل ارتقائه قال نقول لشهدائنا:
أنتم باقون في قلوبنا ما حيينا،
تذهبون وترحلون، وأنتم في مآقينا،
لن ننساكم أبدًا،
وهل ننسى ماضينا؟
غبتم عنا برهة،
لكنكم البذور التي تأتينا،
يا شموعًا، أنيروا لنا الطريق،
يا نجومًا في الأعالي، إليكم نُهدي التحية،
وهل تكفيكم النياشينُ هدية؟
سنسير، نستبق الخطى، نرنو إليكم، حاملين آمالنا،
ألم تسمعوا صوتنا؟
وقد جئتمونا بالحق، تزكونا؟
لن ننسى شهداءنا،
أقمارنا ليست أرقامًا،
ونحن، بمشيئة الله،
سندعو بالرحمة لهؤلاء الشهداء.
رحيله وصدق الرؤيا
وفي فجر 19 ديسمبر 2023، استهدفت طائرات الاحتلال منزل عائلته في رفح، ضمن سلسلة غارات دمرت ثلاثة منازل فوق رؤوس ساكنيها. استُشهد عادل مع 13 فردًا آخرين من عائلته، فيما سقط ثمانية شهداء آخرين في القصف المجاور.
وقال أحمد زعرب في رثاء والده وقلبه يعتصر حزنًا وألمًا على رحيله: عند الوداع يُقال.: “مع السلامة“، فأين السلامة في وداع الأحبة؟ لقد أوجعت قلبي وقلوب محبيك يا أبي.
قال لنا يومًا: “إن متُّ، لا تحزنوا لأجلي.. بل احملوا قلمي، واكتبوا عنّا، عن الوجع، عن الناس، عن الأرض التي أحببتها حتى النهاية. سامحوني إن قصّرت، واذكروني كما أنا.. عاشقًا لفلسطين، صادقًا معكم، وشاهدًا على كل هذا الألم.”
غادرتنا جسدًا، لكنك باقٍ في كل كلمة، في كل وجع، وفي كل صورة كنت تروي بها الحقيقة. نم بسلام يا أبي، فقد كنت شهيد الكلمة، ورفيق الحلم، وأبًا نرفع به رؤوسنا ما حيينا.
حزن ودعوات لفتح تحقيق
هذا وأعربت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، عن أسفها العميق لوفاة الصحفي المستقل عادل زعرب. الذي استشهد في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 2023.
وقالت أزولاي: “أعرب عن بالغ أسفي لوفاة عادل زعرب، وأدعو إلى فتح تحقيق معمق وشفاف في ظروف مقتله. كما أُجدد ندائي العاجل إلى جميع الأطراف للامتثال للقرار 2222 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع في عام 2015. والمتعلق بحماية الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام والمرافقين لهم، بصفتهم مدنيين، خلال تغطية النزاعات المسلحة”.
وفي السياق ذاته، كتب الصحفي و الناشط المجتمعي وائل أبو عمر في منشور له عبر فيسبوك.: “نفقد فجر اليوم عميد صحافتنا، وكبير الصحفيين في محافظة رفح. الزميل عادل زعرب (أبو أحمد)، بعد رحلة طويلة من العمل الصحفي والجهد المتواصل في نقل الحقيقة. ليلتحق برفيق دربه الزميل سعيد الطويل (أبو رضوان)”.
رحل الصحفي عادل زعرب، لكن صوته لا يزال يتردّد في أروقة الحكاية الفلسطينية. وصوره باقية في ذاكرة الكلمة التي لم تنكسر. لم يكن مجرد صحفي، بل كان شاهداً صادقاً على وجع شعبه. حاملاً قلمه في وجه القصف، وصوته في قلب الصمت.
استشهد وهو يروي الحقيقة، ويُوثّق النكبة المتجددة، لكنه لم يمت، فالشهداء لا يرحلون. بل يُخلّدهم الوطن في ذاكرته، وتخلّدهم الكلمة في ضمير الأجيال.
نم بسلام يا عادل… فقد أدّيت الأمانة، وكتبت بالدم ما عجز عن قوله الكثيرون.














































