
إعداد مرح أبو لوز
واقعٌ صحيٌ مأساوي يفرضه العدوان الإسرائيلي المتجدد على مختلف أنحاء قطاع غزة، موقعاً مئات الشهداء والجرحى يومياً في صفوف المدنيين، والتي تجاوزت نسبة الشهداء من بين الضحايا منذ عودة القصف الإسرائيلي على القطاع، منذ ليلة الثلاثاء 18-مارس، أكثر من ثلث إجمالي عدد الإصابات، في مؤشر يدلل بوضوح على مدى وحشية العدوان الإسرائيلي، وطبيعة الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها في قصف الآمنين العزّل، وكذلك حجم العجز الذي تعاني منه المنظومة الصحية في قطاع غزة المدمر.
فمع دخول الحرب على القطاع شهرها الثامن عشر، ووقوع نحو 200 ألف غزي بين شهيد ومصاب، كان حجم الضغط على المنظومة الصحية المتهالكة في قطاع غزة يفوق بأضعاف قدراتها السريرية والبشرية في تقديم الرعاية الطبية للمصابين، سيما مع الاستهداف المتعمد من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي للمستشفيات والمراكز الصحية والطواقم الطبية، الذي أدى لخروج نحو 25 مستشفى عن الخدمة، من أصل 35 مستشفى فقط، وارتقاء أكثر من 1000 شهيد من الكادر الطبي.
ومما يزيد من حجم الكارثة منع الاحتلال الإسرائيلي دخول المستلزمات الطبية والوفود الأجنبية المساعدة في إجراء العمليات الجراحية الكبرى المنقذة للحياة، والحيلولة دون ترميم المنظومة الصحية لقدراتها على صعيد المعدات والأجهزة التشخيصية والتجهيزات الخاصة بغرف العمليات والتعامل مع الإصابات المعقدة، ليبقى مصابي القصف في انتظار معجزة إلهية لإنقاذ أرواحهم.
استشهد بمضاعفات الإصابة
يروي كمال أبو سلامة للخامسة للأنباء تفاصيل استشهاد شقيقة يوسف، 32 عاماً “كان يقف امام باب منزلنا في معسكر جباليا حين سقطت قذيفة مدفعية إسرائيلية بالقرب منه، وأصيب على إثرها في ظهره إصابة متوسطة الخطورة، لكن الضغط الكبير على غرفة العمليات في المستشفى الأندونيسي حال دون القدرة على خضوعه للعملية في الوقت المناسب”.
ويتابع أبو سلامة “كانت الإصابة قد أثرت على بعض أعضاءه الداخلية، إلا أنها لم تكن قاتلة بأي حال من الأحوال، لكن مع عجز المستشفى عن التعامل مع الكم الهائل من الإصابات، وتأخر خضوعه للعملية، والنقص الحاد في المستلزمات الطبية ومواد التعقيم وتطهير الجروح، أصيب يوسف بتسمم في الدم، فارق الحياة على إثره”.
ويضيف “كنّا بالكاد نستطيع توفير قطعة شاش طبي للغيار على جروحه، ولا زال صوت صراخه عالقاً في ذهني من شدة الوجع، دون توفر أي مسكنات أو بنج لإجراء الغيار الذي كان يستوجب تخديره؛ بسبب طبيعة مكان الإصابة والألم الناتج عنها، ودون قدرة الطاقم الطبي على تعقيم الجرح وتنظيفه بالشكل المطلوب؛ بسبب نقص العقاقير الطبية، كل ذلك كان يتم تحت وطأة القصف المستمر والخوف من اقتحام جيش الاحتلال للمستشفى بشكل مفاجئ، أو تعرض المكان للاستهداف في أي لحظة”.
شهيد مقابل كل اثنين من المصابين
ويقول خليل الدقران، المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، للخامسة للأنباء “إن نسبة الشهداء من بين المصابين بعد عودة الحرب هي شهيد أمام اثنين من المصابين، وهي نسبة مرتفعة جداً؛ وذلك بسبب خطورة الإصابات التي تصل إلى مستشفيات القطاع، في ظل النقص الكبير في الأدوية والمستلزمات الطبية”.
ويستكمل الدقران “إن النقص الحاد في سيارات الإسعاف يؤثر في تأخير وصول المصابين إلى المستشفيات، بعد استهداف الاحتلال لعدد كبير من السيارات، مما يؤخر من سرعة التدخلات الطبية اللازمة لإنقاذ حياتهم، بجانب الصعوبات التي تواجهها طواقم الدفاع المدني في انتشال المصابين من أسفل الأنقاض؛ بسبب نقص المعدات والاعتماد في أوقات كثيرة على الحفر باليدين وبأدوات بسيطة في سبيل إزاحة الركام والوصول للعالقين أسفله”.
ويؤكد الدقران على أن الاحتلال الإسرائيلي قد دمر خلال الحرب جميع أجهزة التصوير المقطعي والتلفزيوني التي كانت متواجدة في مختلف المستشفيات والمراكز الطبية في قطاع غزة، مما أدى إلى توقف خدمة التصوير الطبي اللازمة لتشخيص الإصابات والكسور وتحديد موقع الشظايا داخل الجسم بشكل كامل، ولم يبقى منها سوى جهاز واحد فقط للتصوير المقطعي (C.T) الأمر الذي يحد من قدرة الطواقم الطبية في تشخيص الإصابات بشكل دقيق.
وتشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن نحو 73% من الشهداء والمصابين هم من الأطفال والنساء؛ نتيجة تركز القصف الإسرائيلي على استهداف التجمعات السكانية المدنية والبيوت المكتظة وخيام النازحين، واستخدام قنابل كبيرة ذات موجة انفجارية واسعة، بشكل يوضح تعمده على إيقاع أكبر قدر من الضحايا، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، مع استمرار تضييق الخناق على المنظومة الصحية، والاستهداف المباشر للمستشفيات وطواقم الإسعاف، ومنع دخول المستلزمات الطبية والأجهزة التشخيصية وتجهيزات غرف العمليات.