كيف تدعم “كوكاكولا” الاحتلال.. وهل أربكت مقاطعة العرب التاريخية حساباتها؟
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
تجددت دعوات مقاطعة الشركة الأمريكية “كوكاكولا” بعدما ظهرت أسيرة إسرائيلية، أعلن جيش الاحتلال تحريرها، وهي تشرب المنتج الشهير وتستعرضه مع ابتسامة واسعة، عقب عملية عسكرية في المنطقة الوسطى في قطاع غزة أدت إلى استشهاد أكثر من 210 فلسطينيين وإصابة أكفر من 400 آخرين.
وظهرت نوعا أرغماني (25 عاما) برفقة والدها في مستشفى “شيبا” (تل هشومير) في “تل أبيب”، وهي تشرب الـ”كوكاكولا”، بعد ساعات قليلة من خروجها من غزة، بينما يعاني الفلسطينيون هناك حتى من إيجاد مكان لعلاج المصابين، بعدما قضى الاحتلال على النظام الصحي خلال الحرب الممتدة لأكثر من ثمانية أشهر.
ودعا العديد من نشطاء ومستخدمي منصات التواصل الاجتماعي إلى تجديد حملة مقاطعة “كوكاكولا” باعتبار أنها شريك في الجرائم الإسرائيلية الأمريكية وحرب الإبادة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
الخوف من المقاطعـة
تواجه الشركة الأمريكية الشهيرة، مثل العديد من الشركات الأمريكية الكبرى، حملات مقاطعة في الشرق الأوسط وعدد من كبرى البلدان الإسلامية، إلا أنها لم تشر إلى تأثير هذه المقاطعة الحالية، كما أنها لم تظهر إيراداتها من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال 2023، لأنها دمجت المنطقة مع أوروبا وأفريقيا في تقريرها المالي.
ورغم ذلك، تراجعت أرباح الشركة 3 بالمئة في الربع الأخير من 2023 إلى 1.98 مليار دولار مقارنة بملياري دولار في الربع المقابل في 2022.
وحرصت دولة الاحتلال منذ قيامها على وجود كوكاكولا فيها، وتقول افتتاحيّة لجريدة “معاريف” الإسرائيليّة: “كوكاكولا في أي بلد آخر مجرد شراب عادي، ورمزٌ للحضارة الأمريكيّة لكننا نرى كوكاكولا في إسرائيل.. عاملا سياسيا لكونها مناسبة لخروج إسرائيل إلى العالم العظيم الواسع”.
وبحسب ما نقل موقع “سنوبس” فقد حاولت الشركة عام 1949 فتح مصنع لها في “إسرائيل”، لكنّها لم تعط الترخيصَ، فلم تتابع الموضوع لأنها تحاول تجنب خسارة السوق العربيّة الكبرى التي كانت تقاطع حينها كلّ ما يدخل دولة الاحتلال.
وتعتمد ممارسة الأعمال التجارية في الشرق الأوسط في ذلك الوقت في كثير من الأحيان على عدم ممارسة الأعمال التجارية في “إسرائيل”، ولذلك سارعت جامعة الدول العربية إلى المقاطعة، واضطرت المصالح المتعددة الجنسيات إلى الاختيار بين السوق الأصغر في “إسرائيل” والسوق الأكبر بكثير للدول العربية مجتمعة.
وفي الأول من نيسان/ أبريل 1966، وفي مؤتمر صحفي في “تل أبيب”، اتهم رجل الأعمال موشيه بورنشتاين “كوكاكولا” برفض القيام بأعمال تجارية في “إسرائيل” خوفا من الانتقام وخسارة الأرباح في سوق المشروبات الغازية العربية، وبعد أسبوع في نيويورك، أصدرت رابطة مكافحة التشهير “ADL” التابعة لمنظمة بناي بريث، بيانا يدعم هذه الاتهامات، ما أثار عناوين الأخبار في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
خطأ أشعل المقاطعة
وفي عام 1961، وقعت في القاهرة حادثة كانت عبر الموظف الحكومي محمد أبو شادي، الذي حصل على زجاجة “كوكاكولا” مصنوعة في إثيوبيا، وأخطأ في تمييز الحروف الأمهرية الموجودة على ملصقها على أنها عبرية، واتهم “كوكاكولا” بممارسة الأعمال التجارية مع “إسرائيل”.
وبسبب ذلك، رد مدير عمليات التعبئة المصرية للشركة بطمأنة الصحافة بأن “كوكاكولا” لن تسمح أبدا للإسرائيليين بالامتياز، بينما سارع مسؤولو الشركة إلى تفسير مفاده أن “إسرائيل” أصغر من أن تحصل على حق الامتياز، وقدموا أسباب بقائهم بعيدا على أنها اقتصادية بحتة، وليست سياسية.
وبالعودة إلى عام 1966، فقد بدأ الناس يتساءلون علنا عن السبب وراء عدم مواجهة قبرص المجاورة صعوبة في الحصول على امتياز “كوكاكولا” على الرغم من أن عدد سكانها لا يتجاوز عُشر سكان “إسرائيل”.
وعندما ظهرت هذه القضايا إلى النور، أصبحت “كوكاكولا” في موقع محرج بالنسبة للولايات المتحدة و”إسرائيل”، لا سيما بعدما أعلن مديرو مستشفى “ماونت سيناي” في مانهاتن أنهم سيتوقفون عن تقديم منتجات الشركة، وتبعهم أصحاب متجر “ناثان هوت دوغ” الشهير في كوني آيلاند.
وفي مواجهة احتمال المقاطعة اليهودية في الولايات المتحدة، حاولت الشركة تصحيح مسارها من خلال الإعلان عن أنها ستفتح مصنعا لتعبئة الزجاجات في “تل أبيب”، وبذلك أصبحت “إسرائيل”، وبسبب المقاطعة في الولايات المتحدة سوقا أكثر جاذبية.
المقاطعة العربية
وردت جامعة الدول العربية بوضع “كوكاكولا” على قائمة مقاطعتها، وبدأت في آب/ أغسطس 1968 واستمرت حتى أيار/ مايو 1991، أو حتى عام 1979 في مصر، التي وضعت قواعدها الخاصة بعد توقيع اتفاقية السلام مع “إسرائيل”، بعيدا عن جامعة الدول العربية ولائحة المقاطعة، وكذلك فعلت الكويت في أيلول/ سبتمبر 1988، بحسب ما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز”.
وتراجع الموقف العربي الرسمي أكثر حيال المقاطعة نهاية الثمانينيّات، ولاسيّما في عُمان والبحرين والإمارات، بينما دخلت “كوكاكولا” العراق من جديد بعد 37 عاما من المقاطعة لتكون أمام سوقٍ ضخمةٍ تقدّر حينها بـ 26 مليون نسمة.
وبدأت “كوكا كولا” عملها في “إسرائيل” عام 1968 بمنح حق امتياز لشركة “Central Bottling Company Ltd” الإسرائيلية التي تعرف حاليا باسم “كوكاكولا – إسرائيل”، بحسب منظمة “هوو بروفتس”.
تاريخ من دعم “إسرائيل”
في 1991، اتفقت “كوكاكولا ـ إسرائيل” مع شركة “كارلسبرغ” الدانماركيّة على التوزيع الحصريّ لبيرة كارلسبرغ وتوبورغ في الأراضي المحتلة، وعلى إنشاء مصنع هناك بقيمة 32 مليون دولار.
وكانت “كوكاكولا – إسرائيل” ومديرها التنفيذيّ روني كوبروفسكي يملكان 45 بالمئة من شركة مياه “نيفيوت Neviot” المعدنيّة الإسرائيليّة في 2004، إلا أن الشركة بعد ذلك، وبإدارة موزي فيرتهايم، سيطرتْ على نيفيوت بأكملها، بحسب ما ذكرت صحيفة “هآرتس”.
وفي نفس العام، وافقتْ “كوكاكولا – إسرائيل” على شراء “تارا للألبان والأجبان – Tara Dairy”، وهي ثالث أكبر شركة إسرائيليّة في هذا المجال حينها، مقابل 39 مليون دولار، بحسب “هآرتس” أيضا.
وعلى الصعيد الرياضيّ، رعت “كوكاكولا ـ إسرائيل” منتخبَ الاحتلال لكرة السلة، واستثمرت مئاتِ آلاف الدوارات سنويّا في هذا المجال، كما أنها سبق أن رعت سباقاتِ الماراثون الإسرائيليّة، ومباريات كرة المضرب الإسرائيلية.
ورعت “كوكاكولا ـ إسرائيل” أيضا مهرجانات كثيرة، من بينها مهرجانُ “آراد” للجاز في منطقة البحر الأحمر، وفي صيف 2003 رعت أضخم نشاطٍ فنيّ في تاريخ “إسرائيل” حينها، وهو مهرجان على شواطئ “نيتساريم” الذي استغرق عشرين يوما، وهي المنطقة العسكرية الإسرائيلية الحالية التي تقسم قطاع غزة إلى نصفين شمالي وجنوبي.
وفي الولايات المتحدة، تعد “كوكاكولا” أحد الرعاة الخيريين لفرع “الاتحاد اليهودي الموحد في أتلانتا الكبرى”، الذي يدعم الجالية اليهودية عبر “إعادة توطين اللاجئين” اليهود في الأراضي المحتلة، بحسب موقع “أتلانتا بيزنس كرونيغل”.
انتهاكات مختلفة لحقوق الإنسان
وتواجه “كوكاكولا” اتهامات على خلفيّات لا علاقة لها بتأييد “إسرائيل” فحسب، فقد واجهت اتهامات بأنها استأجرت مسلحين لقتل قادة نقابيّين في كولومبيا طالبوا برفع الأجور، وفي شباط/ فبراير 2010 قُدّمت دعوى ضدّها على خلفيّة أحداث قتل واغتصاب قي حق قادة نقابيين في غواتيمالا في أواخر السبعينيّات، بحسب “مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان”.
وتُتّهم “كوكاكولا” بتشغيل أطفال دون السنّ القانونيّة في السلفادور، هذا وقد تسبّب إعلان لها في نهائيّ كرة القدم الأمريكيّة سنة 2013 بسخط العرب الأمريكيّين لأنّه يعرض صورة نمطيّة رجعيّة للعرب.
وتبرعت “كوكاكولا – إسرائيل” بمبلغ 50 ألف شيكل (نحو 14 ألف دولار حينها) لمجموعة “إيم تيرتزو” اليمينية المتطرفة الإسرائيلية في عام 2015، بحسب صحيفة “هآرتس”.
ويذكر أن “إيم تيرتزو” هي حركة يمينية صهيونية تحمل خطاب عنصرية وكراهية بحق العرب، ومن أبرز مواقفها معارضتها لإحياء فلسطينيي الداخل ذكرى النكبة، وشن حملات على نشطاء اليسار الإسرائيلي.
وتنتهك “كوكا كولا – إسرائيل” القانون الدولي بإقامة مصانع لها داخل مستوطنة “عطيروت” في الضفة الغربية، وهو ما تلقت على إثره تحذيرا من الأمم المتحدة بإدراجها في القائمة السوداء عام 2017 للشركات المتربحة من الاستيطان.
ويعد دعم المستوطنات أساس دعوات المقاطعة التي أطلقتها جهات مختلفة منذ سنوات، وقد دعت حملة أصدقاء الأقصى في بريطانيا إلى مقاطعة الشركة، قائلة إن “الفلسطينيين أصبحوا بلا مأوى لإفساح المجال للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، مثل عطيروت، التي تعمل فيها الشركة الشهيرة”.