ميسا جيوسي: لم يرحل كوفيد 19
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
وصلت سيدني بعد أكثر من شهر من زيارة الأهل، زيارة كان بها الكثير من المجاملات الإجتماعية والزيارات والاختلاط بالبشر في الشوارع والاسواق والاماكن السياحية، نعم الأماكن السياحية فما كان بالأمس وطنا وبيتا أصبح لي اليوم معلما سياحيا اتلمس زواياه كلما سمحت لي الحياة بإرتشاف القليل من منبع الروح ومسقط الجسد. نعود للفيروس الظريف هذا، الذي بعثر من سني العمر ثلاثة ولا زال يسحب من عمر البشرية المضطربة أياما عدادها في علم الغيب. لم اصب بفضل الله بالفيروس في كل المطاعم التي ارتدتها وبكل السهرات التي جمعتني بالأهل والاصدقاء ولا بكل وسائط النقل التي استخدمتها. كنت اعلم ان الفيروس هناك، في مكان ما، لكن قد يكون شعر بنوع من الخجل ان يكدر صفو اجازتي التي انتظر من سنين. الكل هناك مرت عليه الكورونا بشكل او بآخر، يتندرون عليها كل النوادر. نحن شعوب تحب الحياة لكنها أيضا لا يفجعها الموت والمرض، عله اعتيادنا على قسوة الحياة في كثير من الظروف ولهذا فالكثيرون لا يأخذون موضوع الفيروس على محمل من الجد، الكثيرون يعتقدون بأنه غير موجود، أو انه مؤامرة غربية لضرب العالم، اوغيرها من سيناريوهات تتأرجح بين الجهل والجنون. والمفارقة بأن الحال ذاته في كل مكان وبين الكثير من الشعوب. فرفض اللقاحات كان مشتركا بين كثير من الشعوب شرقا وغربا، الاعتراض على الاغلاقات والاجرائات الاحترازية لاقى رفضا حول العالم بغض النظر عن مدى تقدم الشعوب ومكانتها. لكن في البلاد العربية، الكل يصاب والكثير يتعافون وآخرون لايدرون أساسا بأن الفيروس قد قام بجولة في اجسادهم ورحل. اضحكتني صديقتي فاطمة حينما قالت لي: اصبحنا نزور من نعلم بأن لديه كورونا.
العالم في مواجهة الجائحة متخبط بلا بوصلة واضحة، فحوصات دقيقة واخرى خاطئة، لقاحات لا تقي ولا تخفف من الأعراض حتى وان روج لها أصحابها هذا. كثير من اللغط ومع كل متحور تصاب البشرية بكمية أخرى من الاحباط. ففي كل دول العالم لا استثناء لتصنيف الدولة يجعلها اذكى في التعامل مع الفيروس والشواهد على ذلك بلا حصر.
إنهي الإجازة واحزم بعض البهارات وقليل من الزعتر البلدي وهدايا من الأهل وكثير من القهوة، واتجه للمطار وفي طرف العين دمعة، لكنني إعتدت الرحيل فإحترفت القوة. وفي الطريق الطويلة من ابوظبي لسيدني جلس في المقعد امامي رجل داكن البشرة طويل الجثة من الهند أو باكستان على ما أعتقد برفقة زوجته وابناءه فاحتلو خمسة مقاعد، وكان الرجل المهذب صامتا لا اتنبه لوجوده سوى كلما عطس بين الفينة والأخرى. يعطس هو وأنظر انا لسقف الطائرة باحثة عن طوق للنجاة. لا نجاة في هذا الصندوق المستطيل، يعطس الرجل ويعطس وأحاول انا ان اطمئن نفسي بأن كل شيء على ما يرام. أصل لسيدني وبعد يومين أحد بأن جسدي يستقبل ذلك الضيف الثقيل، لا حللت سهلا ولا وطأت حلقا أيها الفيروس اللعين، لا أدري من اين جاء، ولا يهمني ان اعلم من اين تسلق ليقفز نحو انفي وحلقي. المهم انني احاول ان اتغلب عليه في آخر جولاتي معه بعد ألم في الحلق وصداع وإرهاق حرمني نوم الليالي. أتمنى ان ينحسر الوباء، ويعود العالم لوضعه الطبيعي إن كان ذلك ممكنا، لكنني دون نزعة للتشاؤم أقول: كوفيد 19 قد يكون أقل التحديات التي ستواجهها البشرية في العقود القادمة لأننا ببساطة إستنزفنا هذا الكوكب بشكل لا رحمة فيه. وبينما أنا انهي هذه الكلمات يبحث آخرون عن صاروخ تاه طريقه في الفضاء وسيضرب القمر بسرعة فائقة، هذا الشيئ أرسله ثري مل الأرض وأهلها فأراد ان يفسد خلوة الكواكب الأخرى. وعجبي!