أحمد اللوح… شهيد الكلمة والسجدة الأخيرة
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

أحمد اللوح شهيد الكلمة.. أقمار الصحافة إعداد: طارق وشاح
في ليلةٍ لم تكن كسائر الليالي، ارتقى الصحفي الفلسطيني أحمد بكر محمود اللوح شهيدًا إثر استهدافه بطائرة مسيّرة إسرائيلية في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، مساء الأحد 15 ديسمبر 2024.
أحمد، البالغ من العمر 39 عامًا، كان يوثّق معاناة شعبه بعدسته وقلمه بكل شجاعة وصدق، إلى أن خُلد اسمه بين قافلة شهداء الحقيقة والكلمة، واحدًا من عشرات الصحفيين الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لنقل ما يجري في غزة من مآسٍ وجرائم.
مسيرة حافلة بالمهنية والتضحية
وُلد أحمد في حي الدرج بمدينة غزة في 7 مايو 1985، ودرس بكالوريوس تعليم أساسي في جامعة القدس المفتوحة، قبل أن يتجه نحو الإعلام، فحصل على دبلوم مهني في الصحافة والإعلام من قناة الكتاب.
لم يكن مجرد مراسل، بل كان صوتًا وفيًا لغزة التي أحب، حيث عمل مراسلًا لإذاعتي “وطن” و”البراق” منذ عام 2014، وتولى لاحقًا رئاسة قسم المراسلين في إذاعة وطن.
مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، لم يتوقف أحمد عن العمل الميداني، بل توسعت مهامه، حيث تعاون مع عدة إذاعات وقنوات مصرية، كما تطوع في الدفاع المدني لإنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض، وأصبح أحد المراسلين الميدانيين لقناة الجزيرة، يُوثّق الجرائم بصوته وصورته وسط المخاطر.
السجدة الأخيرة
في الليلة التي ارتقى فيها، كان أحمد متواجدًا في مستشفى العودة برفقة زملائه الصحفيين. قال لهم قبل مغادرته: “سأعدّ إبريق شاي وأعود.” لكنه لم يعد. توجه إلى مقر الدفاع المدني المجاور، حيث اغتنم لحظة هدوء لأداء صلاة العشاء، وفي سجدته الأخيرة، استهدفته طائرة مسيّرة، ليرتقي شهيدًا إلى جانب عدد من رجال الإنقاذ، في مشهد يجسّد أسمى معاني الشهادة والتضحية.
إنسان قبل أن يكون صحفيًا
لم يكن أحمد اللوح مجرد صحفي، بل كان إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. عُرف بمبادرته في مساعدة المحتاجين، إذ وقف إلى جانب عشرات العائلات الفقيرة في غزة، وشارك في الأعمال الإغاثية، رغم ضيق الحال والظروف القاسية التي عاشها.
حياته كانت سلسلة من التحديات، واجه خلالها الألم والموت دون أن يتراجع عن رسالته. فقد تعرض للإصابة عدة مرات:
– في أحداث انتفاضة الأقصى عام 2001 (نتساريم)، أُصيب إصابة بليغة أدت إلى فقدان عينه.
– في مسيرات العودة، تعرض لإصابات متكررة أثناء تغطيته الاحتجاجات.
– خلال حرب الإبادة على غزة (2023–2024)، أُصيب ثلاث مرات:
– كسر في يده أثناء تغطية ميدانية.
– شظية في رأسه أثناء توثيقه استهداف زميليه الصحفيين سامي شحادة و سامي برهوم.
– إصابة في مخيم المغازي بكسر في اليد وقطع في أوتار الأصابع.
– كما أُصيب في يوم عملية تحرير الرهائن، حين قفز من الطابق الثاني بعد محاصرته، وأُصيب بحروق في قدميه وشظايا في أنحاء جسده.
ورغم كل تلك الإصابات، لم يتوقف. بل واصل عمله الميداني، مؤمنًا برسالته حتى اللحظة الأخيرة. قبل أيام من استشهاده، دُمّر منزل عائلته بالكامل في قصف إسرائيلي، لكنه ظل صامدًا، يحمل كاميرته وقلبه في آنٍ واحد، حتى نال شرف الشهادة.
زوجة وحيدة وحلم أبويّ لم يكتمل
تزوج الصحفي أحمد اللوح قبل 19 عامًا، لكنه لم يُرزق بطفل طالما حلم به. سافر برفقة زوجته إلى مصر عدة مرات لإجراء عمليات أطفال الأنابيب، متمسكًا بالأمل، لكن القدر لم يمنحه فرصة احتضان طفله المنتظر. رحل أحمد، تاركًا زوجته وحيدة، تحمل في قلبها حكاية رجل أفنى عمره في سبيل الحقيقة، وأحلامًا لم تكتمل.
شقيقته الصحفية: “كسر ظهرنا.. لكنه شرف لنا”
بصوت مكلوم ودموع لا تنقطع، تقول شقيقته صافيناز اللوح، وهي صحفية أيضًا:
“أحمد كسر ظهرنا… فراقه موجع جدًا، خاصة بعد فقدان والدتنا في حادث سير عام 2020. كان سندًا لي، وملأ فراغًا كبيرًا في حياتي، خصوصًا عندما كنت مصابة. رحيله جرح لا يندمل، لكننا فخورون به. هو شهيد الكلمة، وشرف لنا أن نحمله في ذاكرتنا للأبد.”
لم يكن صحفيًا.. بل قصة مقاومة حقيقية
رحل أحمد، لكن صوته وصورته لا يزالان حاضرين في كل زاوية من غزة. لم تكن كاميرته مجرد أداة مهنية، بل كانت سلاحًا يقارع به الظلم، ورسالة يوصلها للعالم:
“ها هي الحقيقة، فهل من مُنصِف يسمع؟”
الصحافة في حياة أحمد لم تكن مهنة، بل جهاد بالكلمة والصورة. عاش من أجلها، واستُشهد وهو يمارسها، ليُصبح اسمه شاهدًا على مرحلة من أشد المراحل دموية، وصورة خالدة في ذاكرة فلسطين.