أسيا العتروس: كل الطرق تؤدي إلى دمشق
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
لم يجانب المفكر السوري الراحل الطيب تيزيني الصواب عندما تحدث عن الحطام العربي..وربما ان الأوان للخرج من دائرة الحطان إلى دائرة الشيء العربي على الأقل قبل استعادة المكانة التي يفترض أن يكون عليها العرب في ثلاثينات القرن الواحد العشرين..
نقول هذا الكلام فيما يبدو أن مسار التطبيع بين الجارين السوري والتركي قطع خطوات حثيثة بعد سنوات من القطيعة استمرت منذ بداية الصراع في سوريا الذي ذهب ضحيته حتى ألان أكثر من نصف مليون سوري دون اعتبار للمهجرين والمشردين على الحدود أو في دول الجوار..تماما كما يبدو ان الأحداث المتواترة وعودة الاتصالات المجمدة بين دمشق وعدد من العواصم العربية على اثر الزلزال المدمر الذي هز قبل شهر تركيا وسوريا قد عزز أفاق دبلوماسية الكوارث وأعاد إلى السطح الجدل الذي لم يتوقف على مدى أكثر من عقد حول ضرورة انهاء لقطيعة وعودة سوريا إلى الجامعة العربية..
ومن هذا المنطلق يمكن القول أن زيارة الرئيس السوري أمس إلى العاصمة الروسية موسكو تتنزل في إطار دفع عجلة التطبيع بين تركيا وسوريا في حال استجابت تركيا إلى المطالب السورية بسحب قواتها من سوريا والتخلي عن الأراضي السورية التي تسيطر عليها منذ بداية النزاع في سوريا..وحسب ما تم تسريبه عن زيارة الرئيس السوري إلى تركيا والتي تأتي بالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة لاندلاع الحرب الأهلية في سوريا فان التطبيع السوري التركي على قائمة الأولويات في هذه الزيارة..و يبقى تحقيق هذا الهدف على ارض الواقع مرتبط بمدى كسر الجليد بشأن القوات التركية في سوريا وهي احد الملفات الأعقد قبل أي تقدم في هذا الاتجاه..وقد وجب الإشارة أن القوات التركية ليست القوات الأجنبية الوحيدة التي وجدت لها موقعا في هذا البلد العربي المنكوب والمستباح من أكثر من قوة أجنبية.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي يستعد لخوض انتخابات رئاسية حاسمة بالنسبة له خلال شهر ماي القادم يعول على تطبيع العلاقات مع سوريا قبل هذا الموعد على اعتبار أن ذلك قد يساعد في حل ملف نحو أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا تحاول أنقرة ضمان عودتهم إلى بلادهم وتخفيف الأعباء والانتقادات المتفاقمة التي يواجهها الرئيس التركي من المعارضة خاصة بعد كارثة الزلزال الذي أدى إلى مقتل نحو أربعين ألف شخص في تركيا دون اعتبار للمصابين وللخسائر المادية التي خلفها الزلزال..
زيارة الأسد تتزامن مع استعداد موسكو لاحتضان اجتماع رباعي لنواب وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا وسوريا، في العاصمة الروسية أمس واليوم سيمهد لاجتماع وزراء خارجية الدول الأربع.
وإذا كان الرئيس التركي خفف من حدة خطابه إزاء السلطة السورية وتراجع عن مواقفه المطالبة بإسقاط نظام الأسد بل وبات يجاهر برغبته في لقاء الرئيس السوري فانه في المقابل يبدو مترددا إزاء طلب سوريا تحديد جدول زمني لانسحاب القوات التركية من سوريا، حيث تربط أنقرة هذا الانسحاب بالوصول إلى حل للأزمة السورية…وليس من الواضح إن كان الرئيس التركي الذي ابدي في الفترة الأخيرة درجة من البراغماتية لتجاوز القطيعة مع السعودية بعد قضية الصحفي خاشقجي وزيارته إلى المملكة و لكن أيضا بعد المصافحة التي جمعته بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الدوحة على هامش افتتاح كأس العالم أن الرجل يعرف كيف يطوي الملفات وكيف يتجه إلى الحاضر والمستقبل في تحديد الأولويات وفي تعزيز العلاقات الدبلوماسية..لا خلاف ان سوريا استعادت بعض علاقاتها المقطوعة مع الدول العربية خلال الأيام القليلة الماضية التي تلت الزلزال الكارثي الذي فاقم معاناة السوريين بعد اثني عشرة عاما من الحرب والدمار والخراب..واتجهت بعض العواصم لتعديل البوصلة وإحياء علاقاتها مع سوريا بإرسال المساعدات الإنسانية فرق من الحماية المدنية للمساعدة على إغاثة المنكوبين من الزلزال..وهذا في الحقيقة أقل ما يمكن القيام به في مثل هذه الأزمات التي تجعل الضمير الإنساني والتضامن الإنساني تحت الاختبار..
اغلب التقارير الأممية تؤكد ان سوريا تعاني أزمة غير مسبوقة وأن تسعين بالمائة من الشعب السوري تحت خط الفقر وأن في سوريا جيلا كاملا مهدد بالضياع..ويكفي التذكير أن الأطفال الذين ولدوا مع بداية الصراع بلغوا سن الثانية عشرة ولم يعرفوا طوال هذه السنوات غير الدم والحروب ولكن وجب الانتباه أيضا ان من كانوا في سن العاشرة هم اليوم شباب نشأوا على وقع الرصاص وعلى أخبار الدواعش والتنظيمات الإرهابية والجماعات العسكرية التي دخلت على خط الاحتجاجات الشعبية السورية السلمية لتحولها الى نزيف لا ينتهي…
هناك خيارات ضرورية وحاسمة واستعادة سوريا موقعها في الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي ومنع تقسيم وتفتيت سوريا ليس ترفا ولا هو يجب ان يتنزل في إطار المزايدات او المقايضات التي نرى تجلياتها بوضوح في المشهد العربي المتلاشي على كل المستويات..وربما يكون من المنطقي وبعيدا عن لعبة التشفي التي يبدو ان المجتمعات العربية بارعة فيها فان قطار التطبيع يجب ان يغير الاتجاه وان يكون وجهته دمشق بدل تل ابيب..صحيح ان هناك دولا عربية لم تتورط في مخرجات اجتماع أصدقاء سوريا الذي احتضنته تونس ومنها الجزائر ومسقط كما ان دولا أوروبية لم تغلق سفاراتها وحافظت على حد أدنى من الحضور الدبلوماسي في سوريا..قبل يومين انتهت المساعي الصينية باتفاق بين السعودية وايران وعودة للعلاقات المقطوعة بين البلدين منذ نحو سنوات وهو اتفاق من شأنه أن يعزز القناعة بان المنطقة تتجه الى مشهدية جديدة ودبلوماسية جديدة تطوي نزيف الصراعات الكارثية وتفتح الأبواب أمام واقع جديد ولم لا أمام عودة سوريا إلى حيث يجب ان تكون..ندرك جيدا حجم وثقل الوجود العسكري الروسي في سوريا وحجم ومخاطر الوجد الإيراني و الأمريكي في هذا البلد وتداعياته على الجميع وندرك أن لكل القوى الإقليمية مصالحها وحساباتها وهو ما يستوجب إتقان فنون اللعبة والخروج من حالة الغيبوبة الدبلوماسية والاقتصار على انتظار الحلول القادمة من وراء الحدود…
كاتبة تونسية