أكرم عطا الله: الدبلوماسية الإسرائيلية.. المستوطنون يزرعون الزهور!
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
لم ير الجالس على هرم الدبلوماسية في إسرائيل السياسة من عيون والده الذي انتقل مثله من الصحافة إلى عالم السياسة، او والدته كاتبة الرواية البوليسية حين أطلق تحذيره الإثنين الماضي بالخوف من تعريف إسرائيل كدولة أبرتهايد، وهو الخوف الذي أكده المدير العام للخارجية الإسرائيلية الون أوشفيتز الذي توقع أن يشهد هذا العام قرارات تشكل ضرراً وخطراً حقيقياً بأن “تقرر هيئة رسمية من الأمم المتحدة بأن إسرائيل هي دولة أبرتهايد”.
يائير لابيد ليس حمائمياً كي يطلق تصريحاً كهذا، وليس في المعارضة يسعى للنيل من حكومة قائمة حتى يحاول التهويل بفشلها. بل هو الرجل الأهم في هذه الحكومة التي ولدت على يديه، وهو الذي تسلم كتاب التكليف من الرئيس الإسرائيلي، وهو الذي تمكن من إطاحة “الملك عن العرش” كما يقال في إسرائيل، بل زاد في إحاطته للمراسلين السياسيين بأن “خوفه هذا يستند لمعلومات”. ولنا أن نتصور ذلك لأن الخارجية والمعلومات في اسرائيل تلتقيان في لجنة واحدة وهي “لجنة الخارجية والأمن. في الكنيست “..الزمن يسير للأمام والسياسة هي ابنة مناخات وابنة لحظة تاريخية لا يمكن خداعها أو القفز عنها، ممكن تقديمها قليلاً أو محاولة تأخيرها لكن هناك لحظة ما وسط مناخ ما لا بد للحقيقة من أن تسود، حيث لا يمكن خداع كل الناس كل الوقت كما قال فولتير، وإلا لكان هناك خلل في منظومة المعرفة والوعي، إلا إذا اعتقدت إسرائيل بأن العالم مصاب بالعمى وأن عقول الشعوب تتساوى مع الخراف.
لا أحد ينكر المحرقة التي تعرض لها اليهود في أوروبا، فهي موثقة بالصور ولكن الاعتقاد الإسرائيلي بأنها تعطيها رخصة دائمة لممارسة كل ما يتناقض مع الحد الأدنى للأخلاق أو رخصة لاحتلال شعب آخر للأبد، فهذا جنون تتحمل مسؤوليته الدول الغربية التي سكتت عن احتلال إسرائيل للشعب الفلسطيني، بل وأكثر عندما تغطيه الولايات المتحدة بالفيتو في كل المحافل الدولية، فقد ورطت إسرائيل لأن تكون على النقيض من كل الأعراف والأخلاق. كم سيستمر هذا؟ قدم فولتير إجابته وهو يعرف أن هناك من يمكن أن يضلل لفترة ما، ولكن في لحظة ما ستنفجر الحقيقة لمن لا يراها مبكراً.
إسرائيل ليست دولة أبرتهايد ولكنها تحتل شعباً آخر وتخصص طرقاً للإسرائيليين وأخرى للفلسطينيين، إسرائيل ليست دولة أبرتهايد ولكنها تخصص بوابات خاصة للفلسطينيين، ليست دولة أبرتهايد ولكنها تتحكم بشعب آخر وتصادر حريته وحركته وتعطي للإسرائيلي فائضاً من بذخ الحرية والحركة، ليست دولة أبرتهايد ولكنها تطرد الفلسطينيين من منازلهم، ليست دولة أبرتهايد لكنها تفرض حصاراً مشدداً على قومية أخرى في غزة.
إسرائيل النموذج الوحيد في العالم الذي يشكو فيه المحتل من ضحيته. تصوروا؟ الدولة المسلحة بالقنبلة النووية تجوب العالم لإقناعه بخطورة الضحية على ترسانة أسلحتها وعلى الاحتلال، وأن الضحية غير مؤدبة بما فيه الكفاية لاحترام محتلها، وأن القنبلة النووية بحوزتها لا تكفي لحمايتها، وأن العالم كما يقول بعض الكتاب الإسرائيليين لا يرى تلك الحقيقة، بل والمدهش أنهم يندهشون من بعض المواقف الدولية الخجولة التي تحاول أن تتضامن مع الضحية..!
المعلومات التي يتحدث عنها وزير الخارجية الإسرائيلي هي انعكاس لواقع لا تريد إسرائيل قراءته. وإن كنا نعرف كيف تتصرف إسرائيل حين يظهر خطر ما وكيف تعمل مؤسساتها لإجهاضه، ولكنه يتحدث عن العودة للعبة الخداع التي استمرت منذ أكثر من ربع قرن، وهي مفاوضات مع الفلسطينيين دون التوصل لنتيجة أي ذر الرماد في عيون العالم وإيهامه بأن هناك عملية سياسية، وبهذا تقطع الطريق على أطراف يمكن أن تتخذ مواقف أو قرارات. وتلك باتت لعبة مكشوفة لتضليل العالم وضمان عدم تدخله، كما كانت تقول بأن أي تدخل سيؤثر على سير المفاوضات. ولكن لابيد يعيد القول أن هذا الحل لا يمكن أن يكون حتى لو أصبح رئيس وزراء في آب 2023 لأنه سيحترم اتفاقه مع شركائه المعارضين لأي مفاوضات.
ويعود الفضل بهذا الانكشاف بالدرجة الأولى لقلة ذكاء وانعدام خبرة رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت الذي تعوزه خبرة الداهية بنيامين نتنياهو وسابقيه في رئاسة الحكومة الذين أظهروا إسرائيل كدولة راغبة بالسلام من خلال المفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات، وهي الاستراتيجية التي تبناها ذئب إسرائيل شمعون بيريس واعترف بها بُعيد توقيع اتفاقيات أوسلو للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، والذي أسر بها للكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل والذي نشر تلك الاعترافات الهامة في المجلة المصرية “وجهات نظر”.
العلاقة الأميركية الإسرائيلية تشهد تصدعاً أولياً تظهر معالمه حول العلاقة مع الصين وفي استنكاف الرئيس الأميركي عن التواصل مع نفتالي بينيت، وفي الملف الإيراني وفي الملف الفلسطيني الذي لا تقدم فيه إسرائيل أي تصور سوى الاستمرار بتصعيد الصراع، وتكثيف إدامة صداع للولايات المتحدة التي باتت أمام تحديات كبيرة من الصين وتايوان وروسيا وأوكرانيا وإيران والاقتصاد وأزمات. باتت إسرائيل تشكل عبئاً سيتزايد أكثر، وإذ أصر الرئيس الأميركي على مواقفه متجرداً من سطوة الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وكأن هناك فصلاً وهو يحدث للمرة الأولى بين الأصوات الانتخابية لليهود وبين التعامل مع اسرائيل.
ذلك الفصل الذي توقفت أمامه الصحافية الاسرائيلية أوري أزولاي في صحيفة يديعوت أحرنوت حين كتبت “أن اليهود الأميركيين هم من أخذوا الرئاسة من ترامب” وهذا سيشجع بايدن على التعامل مع اسرائيل دون الخوف من سطوة اللوبي القديم، وفي هذا ما يشير إلى قدر من التنازلات للبيت الأبيض، لأن تصريحات تصدر من تل أبيب على نمط أنها لا تعارض اتفاقاً جيداً مع إيران، ومسارعتها لتوضيح علاقتها مع الصين والتراجع عن مشاريع مشتركة دون أن تطلب منها الإدارة الأميركية تعنى أن هناك لحظة تقترب.
مؤشرات كثيرة تضطر ممثل إسرائيل بالأمم المتحدة التعليق على ممثلة أفلام “هاري بوتر” وغيرها مما يمكن رصدها والتي لا يمكن تغطيتها بقرار رسمي تتخذه دولة ما أو محاولة تطبيع جديدة مخالفة لناموس الطبيعة. ولكن الحقيقة أن إسرائيل تحتل شعبا آخر كيف يمكن تبرير ذلك؟
ذات مرة في حرب 2014 على غزة وجدت نفسي أشارك أفيخاي أدرعي في برنامج على إذاعة بي بي سي أعطاه المذيع الفقرة الأولى وطلب مني الرد. قلت له: أحسد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي على قدراته لإقناع المستمع بأن الاحتلال ضحية وأن الطائرات تلقي الورود، وتلك حرفة تحتاج إلى قدرات خارقة.. تلك مهمة لابيد في المرحلة المقبلة بعد المعلومات التي بات يملكها بأن إسرائيل بحاجة للحماية وأن المستوطنات مؤسسات خيرية وأن المستوطنين يزرعون الزهور..!