مقالات الخامسة

أكرم عطا الله: المرجل الذي يغلي في الضفة …!

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

باتت الدوائر الإسرائيلية تتحدث علناً عن محاولاتها لاحتواء الموقف في الضفة، وهذا أمر طبيعي لمن يقرأ التاريخ لأن طبيعة الأشياء هي صدام بين محتل وشعب تحت الاحتلال، ولم يحدث أن قبل شعب بالتعايش مع محتله، وإذا كانت دول الاستعمار في الماضي ركزت على إخضاع الشعوب لنهب ثرواتها، فإن احتلال إسرائيل هو للاستيلاء على أرض الفلسطينيين وطردهم إن أمكن، وهذا أكثر قسوةً وشراسة ويستدعي صداماً أعمق.
الجيل الذي ينشأ في الضفة الغربية هو جيل مختلف كما تقول تلك الدوائر. والجديد هو دور «السوشيال ميديا» في صناعة البطولة، حيث الشباب الذين يكافحون ويخرجون للتصوير ويضعون أسلحتهم ويقولون ما يجعلهم أبطالاً بنظر الجيل الناشئ الذي ينتظر دوره، وتصبح لهم شعبية ويتحولون الى شخصيات عامة.
لم تسأل إسرائيل نفسها لماذا يتحولون الى أبطال، وما هي المناخات التي تصنع تلك البطولة ولا دور الاحتلال في خلق تلك المناخات. ولكنها كعادتها تبحث في النتيجة وتجتهد في التعامل معها لا مع الأسباب، وهذه الدائرة المفرغة المستمرة منذ عقود لم تستوقف مراكز دراساتها التي تقرأ كل شيء، ولكنها تبدو في غاية الجهل حين يتعلق الأمر باستمرار السيطرة على شعب آخر وماذا تسبب تلك السيطرة. وكأن التاريخ لم يعطِ ما يكفي من الدروس إلا إذا كانت كعادتها تفشل في قراءة دروسه.
المهم أن اسرائيل التي تدور في حلقة مفرغة باتت تعتبر أن حلولها للتمرد في الضفة الغربية باتت سبباً في زيادة الأزمة، أي أن الأزمة تتعمق أكثر، وبدل أن تدور في حلقة مفرغة باتت تدور في دائرة حلزونية متصاعدة وهي ترى هذا التصاعد. إذ إن حساباتها لعدد العمليات في الأيام العشرة الأخيرة من هذا الشهر كانت تتجاوز الرقم القياسي، ما أشعل الأضواء الحمر لدى الأجهزة الأمنية والتي تتحسب لتصعيد أكبر قبيل الانتخابات القادمة.
في كل ليلة تتم عمليات اعتقال في كل مدن وقرى الضفة الغربية، وفي كل أسبوع تتم محاصرة بيت وإطلاق النار على المحاصَرين، لينتهي الأمر غالباً باغتيال يثير سكان الضفة أكثر. فمنذ شباط الماضي وقيام سلطات الاحتلال بعملية اغتيال الشبان الثلاثة في نابلس بدأت تلك الحلقة الحلزونية لتصبح حالة من رد الفعل الفلسطيني ثم فعل إسرائيلي اقتحاماً أو اعتقالاً أو اغتيالاً، وهكذا تتصاعد الأمور الى أن وضعت الأجهزة الأيام العشرة من آب كمؤشر خطر.
أزمة إسرائيل أنها تقوم بتصفية أحد المطلوبين، وهذا يؤدي الى نتيجتين سلبيتين كبيرتين، الأولى أن هذا يزيد من إضعاف السلطة ويؤدي الى مزيد من الانفلات، فسيطرة السلطة على المناطق لها دور في التفاهم على الأقل مع الشباب، أو يمكن القول إن قوة السلطة تعمل على منع الصدامات، والثانية أن ما تقوم به من اغتيال يعيد تأجيج كل المنطقة ويشكل بيئة خصبة لعشرات من الناشطين لتقليد البطل الذي يوثق كل شيء قبل اغتياله وأثناء ذلك.
إسرائيل تريد هدوءاً في الضفة، ومعه تريد بناء مستوطنات ومصادرة أرض وتضييقاً على الحياة والتحكم بكل شيء. كيف يمكن إنجاح هذه المعادلة؟ تلك تحتاج إلى معجزة أو حتى كوكب آخر لم تجر عليه صراعات أنتجت تجربته الطويلة من رفض الاحتلال بكافة الوسائل، وطالما أنها لم تتوصل الى نتيجة أن الفعل الأولي والدائم هو وقف مفاوضات التوصل لحل، فستبقى المعادلة محكومة بالصدام.

هناك إشارة إسرائيلية بالبدء عن الحديث عن تصاعد العنف في الضفة يتناسب عكسياً مع التسهيلات التي تقدمها للفلسطينيين، ما يعني أن نظريتها السياسية الأخيرة بلورتها وقامت عليها مستندة لتخفيض الصراع ينسفها الواقع اليومي، وأن كل الحديث عن سلام اقتصادي وحياة تحت الاحتلال كما قال الرئيس الأميركي بايدن هي نظريات لا مكان لها في صراع لم يهدأ من أكثر من سبعة عقود. والغريب أن كل العالم قال ما يكفي لإسرائيل من ضرورات التاريخ الا أن الفعل اليومي يمعن أكثر في التنكر للفلسطينيين.
في إسرائيل تتنامى حالة يمين باتت تهيمن على المجال السياسي العام، وتلك الحالة تبتعد أكثر عن التهدئة وتدفع أكثر نحو الصدام، فاليمين الذي يسيطر يتمدد في الضفة، ورأينا زيارات مقام يوسف وهجمات المستوطنين ودخول مستوطنين الى الخارطة السياسية، وتحالفات مع المركز على أمل تشكيل حكومة يمين خالص، وهو بات أمراً ممكناً في ظل تراجع القوى الوسطية والعلمانية واليسارية، واستطلاعات الرأي التي تتنبأ بانخفاض كبير للتصويت العربي، ما يصب في صالح اليمين، نكون أمام سياسة تذهب أكثر نحو الصدام الذي لن تنفع به كل ما خططت له إسرائيل من مبادرات.
وفي ظل موافقة الإدارة الأميركية وتواطئها بالصمت مع سياسات إسرائيل، واكتفاء دورها في الملف الفلسطيني على موظف صغير في الخارجية الأميركية «هادي عمرو» لا تخرج كل محاولاته عن تسكين وضع الاحتلال، نكون أمام وضع متفجر تصدق فيه تنبؤات أجهزة الأمن الإسرائيلية بلا شك، ومع إضعاف السلطة تبدو الضفة تذهب أكثر نحو فوضى ستنال إسرائيل النصيب الأكبر منها.
ما الذي تريده إسرائيل؟ بات هذا سؤالاً محيراً. فما نعرفه نحن المتابعين لمراكز دراساتها أنها تجيد القراءة، ولكن في الملف الفلسطيني يبدو أنها لم تعد تعرف ماذا تفعل، وهذه بشرى جيدة للفلسطينيين. فهي مرة تتحدث عن الفصل ومرة تتحدث عن السفر عبر مطاراتها، مرةً تعتبر غزة خارج حساباتها ومرة تتحدث عنها كأنها جزء من المنظومة، مرةً تعود للتضييق وإفقار الفلسطينيين وعودتهم للدرجة الأولى من هرم أسلو للحاجات حتى تنحصر أولوياتهم بالغرائز والحاجات الأولية، ومرةً تتحدث عن رخاء اقتصادي، وكثير من التناقضات بات يسيطر على المشهد لمن يراقب الفعل الإسرائيلي الذي بات يقول: لا حلَّ بالسيف ولا بالمال …لا حل إلا أن تعرف أن الحل هو حل سياسي، وغير ذلك محاولات تجيء في سياق التذاكي على التاريخ بغباء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى