أمريكا والهند.. توتر تجاري و«ما خفي أعظم»
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

في غضون بضعة أشهر فقط، انتقل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الإشادة بالهند بوصفها شريكا استراتيجيا إلى التصريح بأنه «لن يهمه» إذا انهار اقتصادها، والسبب العلاقات الاقتصادية بين الهند وروسيا خاصة في مجال الطاقة. ومن المرات النادرة أن تجتمع الهند والصين في بيانات وتصريحات أمريكية انتقادية حيث اعتبرت الهند تاريخياً حليفاً للولايات المتحدة، خاصة منذ تصاعد الاهتمام الأمريكي بمواجهة الصين في المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا حيث الهند حجر أساس أس استراتيجية أمريكية هناك.
تؤكد إدارة ترامب أنها ما تزال تقدّر الشراكة الأميركية – الهندية، لكن العلاقات بين واشنطن ونيودلهي تدهورت تدريجيا بسبب خلافات حول التجارة وروسيا، إضافة إلى الجدل حول ما إذا كان ترامب يستحق الفضل في التوصل إلى وقف إطلاق النار عقب الصدام العسكري الذي استمر أربعة أيام في مايو بين الهند وغريمتها باكستان.
هذا التوتر، الذي غذّته تصريحات ترامب العلنية ضد الهند، يهدد بإغراق علاقة جيوسياسية رئيسية ومعقدة، وبتقويض الروابط التي بناها ترامب مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. وقد ظهرت هذه الشروخ فيما كانت العلاقات الأميركية مع باكستان تتحسن خلال الأشهر الماضية.
وقال مانوج جوشي، الزميل البارز في مؤسسة أبحاث المراقب الهندية في تصريح لصحيفة وول ستريت جورنال: «لابد أن يكون مودي غير سعيد على الإطلاق».
تعتبر الولايات المتحدة الهند حصنا في مواجهة الصين، لكنها انزعجت من استمرار علاقات نيودلهي الوثيقة مع موسكو. فالهند – وفق واشنطن- تشتري النفط والأسلحة الروسية، ما يسهم في دعم اقتصاد روسيا.
ومع تحوّل ترامب ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعهّد بفرض رسوم جمركية على الدول التي تواصل التعامل مع موسكو. وقال ترامب يوم الأربعاء إن الهند ستتكبد «عقوبة» بسبب استمرارها في شراء السلع الروسية، مضيفا في منشور آخر على وسائل التواصل: «لا يهمني ما تفعله الهند مع روسيا، يمكن أن ينهارا معا اقتصاديا، فهذا لا يعنيني».
وفي إعلانه عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على البضائع الهندية، وجّه ترامب انتقادات لنيودلهي بسبب شرائها كميات كبيرة من النفط الروسي المخفّض السعر. ففي الربع الأخير من 2024، شكّلت الهند ثلث صادرات النفط الروسية، بحسب مؤسسة ORF الهندية.
وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في مقابلة مع «فوكس نيوز» إن استمرار شراء الهند النفط الروسي «يساعد عمليا على تمويل المجهود الحربي الروسي ويطيل أمد الحرب في أوكرانيا»، مشيرًا إلى أنه «ليس النقطة الوحيدة المسببة للتوتر مع الهند».
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية، راندهير جيسوال، للصحفيين يوم الجمعة إن العلاقات بين الهند والولايات المتحدة «اجتازت العديد من التحولات والتحديات. ونحن نركز على الأجندة الجوهرية التي التزمنا بها معا، وواثقون أن العلاقة ستواصل المضي قدما».
مع ذلك، تمثل تصريحات ترامب تحولا عن بدايات إدارته، حين كانت التطلعات مرتفعة للبناء على علاقة ترامب – مودي التي تعززت خلال ولايته الأولى. فقد وصف مايك والتز، قبل تعيينه مستشارا للأمن القومي، العلاقة بأنها «الأهم في القرن الحادي والعشرين».
استضاف ترامب مودي في البيت الأبيض في فبراير، وأشاد به باعتباره «مفاوضا بارعاً»، فيما رد مودي بشعار شبيه بحملة ترامب الانتخابية قائلاً إنه يريد «أن يجعل الهند عظيمة من جديد». وتوالت بعد ذلك زيارات رفيعة المستوى إلى نيودلهي، منها زيارة مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد ونائب الرئيس جي دي فانس.
لكن دفء العلاقات سرعان ما تلاشى بعد فشل مساعي التوصل السريع لاتفاق تجاري ثنائي. وأعرب ترامب، وفق مسؤولين حاليين وسابقين، عن إحباطه العميق من غياب التقدم مع نيودلهي. وكانت نقطة الخلاف الرئيسية في مفاوضات الرسوم الجمركية هي إصرار الولايات المتحدة على فتح الأسواق الزراعية الهندية التي توظف أكثر من 40% من القوى العاملة.
وسيثير فتح هذا القطاع المحمي سياسيا منذ زمن طويل غضب المزارعين الهنود، وهم كتلة انتخابية مؤثرة. وهذا يمثل مخاطرة سياسية لمودي الذي اضطر عام 2021 للتراجع عن محاولة لتحرير القطاع الزراعي بعد احتجاجات وطنية واسعة للمزارعين.
شهدت العلاقات الأميركية – الهندية انتكاسة جديدة في مايو عندما اشتبكت الهند وباكستان، خلال أربعة أيام من التوتر. بدأ الصراع عقب هجوم مسلح في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، ألقت حكومة مودي باللوم فيه على باكستان، بينما نفت الأخيرة أي دور لها.
أعلن ترامب على وسائل التواصل أن فريقه توسط للتوصل إلى وقف إطلاق النار في 10 مايو. رحبت باكستان بهذا الإعلان وأشادت بترامب بل ورشّحته لجائزة نوبل للسلام.
أما الهند، فقد استاءت من تصريحات ترامب وأصرت على أن قوة خارجية لن تملي عليها وقف إطلاق النار. هذا الموقف الهندي أغضب ترامب شخصيا، وأخبر مساعديه أنه مستاء من مودي لأنه لم يوجّه له الشكر.
زاد ترامب توتر العلاقات أكثر حين عرض التوسط في نزاع كشمير المستمر بين الهند وباكستان. وقالت ليزا كيرتس، المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي، لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن «ذلك كان محرجا للهند، لأنها لطالما رفضت أي وساطة خارجية بينما كانت باكستان تطالب بها دائما». وأضافت: «لو اكتفى ترامب بتغريدة أو اثنتين في 10 مايو، لكان بالإمكان تجاوز الأزمة، لكنه واصل الحديث عن دور أميركا في وقف إطلاق النار».