أين اليساريون في إسرائيل؟!

الكاتب: توفيق أبو شومر
شبَّهَ الحريديمُ بقايا اليساريين في إسرائيل قالوا: اليساريون يشبهون العماليق أعداء إسرائيل، هم الطابور الخامس، هم أغيار (جنتلز) يتكلمون اللغة العبرية، يجب محاربتهم والقضاء عليهم.
ظهرت يافطة في أعقاب اغتيال، إسحق رابين في القدس مكتوبٌ فيها: «هلموا لضرب العماليق، العماليق، اليساريون الإسرائيليون هم أسوأ أعداء اليهود، الحريديم لم يُجندوا للجيش، بل هم مجندون لمحاربة اليسار، إن التصويت لأي مرشح علماني خطيئة دينية»! (يديعوت أحرونوت 13-9-1998).
هناك عضو كنيست انشقَّ عن حزب شاس، والتحق بحزب الليكود، وهو، ديفيد إمسالم قال في لقاء له مع راديو»كان «يوم 26-3-2025: «لكي نحافظ على الديموقراطية لا بد من الصدام مع اليساريين، ها هو، يائير لابيد اليساري رئيس حزب هناك مستقبل يدعو لثورة ضرائبية في إسرائيل»!
شبَّه الكاتبُ، تسفي رخلبسكي اليساريين في كتابه «حمار المسيح» بأنهم يشبهون (حمار الماشيح) فهم كالحمار الذي امتطاه الماشيح ليصل إلى القدس، هذا الحمار لم يعد يساوي إلا الموت بعد أن أنهى مهمته. (صحيفة معاريف 14-10-1998)
أما الحاخام السفاردي الأكبر، عوفاديا يوسيف المتوفى العام 2013 فقال عن اليساريين والعلمانيين الإسرائيليين: «العلمانيون يكرهوننا أكثر من الأغيار، كل مَن يُدخل أبناءه المدارس الحكومية يحكم عليهم بالموت»!
رد اليساري وزير المعارف السابق، يوسي سريد: «كنتُ سآخذ عوفاديا من يده لأجل تثقيفه، لعله يصبح إنساناً، إنه لا يهمني، ما يهمني هم أطفال شاس، لأن من يدخل مدارسهم يصبح جاهلاً! (صحيفة معاريف 27-8-2000)
قالت الوزيرة البرفسورة، يولي تمير في مقال لها في صحيفة هآرتس: إن اليسار الإسرائيلي قد اختفى! ففي استطلاعات الرأي العام 2002 جاءت النسب الآتية:
«20 % من الإسرائيليين هم من اليسار، و17% هم في الوسط و50% يتراوحون بين اليمين المعتدل والمتطرف، إن قلب الإجماع الإسرائيلي يدق في اليسار، المؤيد للحل السلمي مع الفلسطينيين، و60% يؤيدون إقامة دولة فلسطينية مع إخلاء عدد من المستوطنات، كما أن 45% يعتبرون أنفسهم من اليمين، يؤيدون إقامة دولة فلسطينية، أما فكرة أرض إسرائيل الكبرى فقد صارت في ذمة الله، وظل الفارق بين اليسار واليمين في الإحساس الداخلي فقط». (هآرتس 24-3-2002)
يختلف تعريف اليسار في إسرائيل عن تعريف اليسار بالمفهوم الأكاديمي، فاليسار الحزبي الإسرائيلي يسارٌ بالقياس لليمين في إسرائيل أي أنه أقل تشدداً في المجال الإعلامي، ما عدا بعض الأحزاب التي كانت تتبنى الفكر اليساري الأكاديمي، وبخاصة حزب ميرتس، الذي اندمج مع حزب العمل، مع الاستدراك بأن هناك يساريين إسرائيليين كثراً في المجال الفكري والأكاديمي، وليس حركات وأحزاباً يسارية، أي هناك يساريون ينادون باليسارية الحقيقية، رفضوا الاحتلال، ورفضوا الصهيونية، هؤلاء تعرضوا للمطاردة من المكارثية اليمينية في إسرائيل، اضطروا للصمت، كما أن أكثرهم هاجر من إسرائيل.
أوشك اليسار في بداية الألفية الثالثة أن يهيمن على السلطة في إسرائيل عندما ظهر تيار المؤرخين الجدد، أو تيار ما بعد الصهيونية، عندما فتحت ملفات الحكومات الإسرائيلية السابقة، فاكتشف كثيرٌ من اليساريين وأساتذة الجامعات في إسرائيل أن تاريخ إسرائيل هو أساطير، أو ميثولوجيا، اكتشفوا أن الفلسطينيين قد طردوا من بيوتهم، بالقوة ولم يرحلوا بطلبٍ من الزعماء العرب، واكتشفوا أن العصابات الصهيونية نفذت المجازر لترحيل الفلسطينيين من بيوتهم، واكتشفوا أيضاً أن العرب كانت لديهم رغبة في التفاوض مع الإسرائيليين، وأن زعماء إسرائيل امتنعوا عن إجراء المفاوضات مع الزعماء العرب، وأصدروا كتباً وأبحاثاً عديدة في هذا الموضوع ما شكل حافزاً للدعوة إلى هجرة المبدعين اليساريين من إسرائيل، ما دفع البرفسورة السيدة، ميشيل رينوف لدعوة المبدعين اليساريين الإسرائيليين للرحيل إلى إقليم بايروبيدجان في روسيا، وهو وطنهم الحقيقي بدلاً من إسرائيل!
هذا أشعل الضوء الأحمر أمام الحريديم وشرعوا في تنظيف إسرائيل من اليساريين والعلمانيين، وبدؤوا بمؤسسات العلمانيين الرئيسة مثل المنظمة العمالية الكبرى الهستدروت ومنظومة الكيبوتسات، التي كانت في القرن الماضي مكياج إسرائيل اليساري لمغازلة الدول الاشتراكية والشيوعية، لذلك بدأ رؤساء الأحزاب اليمينية في إضعاف الكيبوتسات، تمهيداً للقضاء على اليساريين والعلمانيين، قال الصحافي حجاي سيغال في صحيفة معاريف 22-8-2000: «تستلقي الحركة الكيبوتسية في القرن الواحد والعشرين فوق نقالة الموتى، سوف يعلن نحو ثلث الكيبوتسات إفلاسها، كما أن الوضع الديموغرافي سيئ جداً، إذ إن الإحصائية تقول: ولد في كل الكيبوتسات 570 طفلاً، في مقابل 1250 طفلاً في العام 1990، معدل أعمار الجيل الكيبوتسي اثنتان وخمسون سنة، غرف الطعام في الكيبوتس أصبحت مطابخ خاصة، الزراعة تقزّمتْ، صارت الكيبوتسات تدفع الأجور للأعضاء، سيمنح ساكنو الكيبوتس ملكية شقة، تصوروا»!
أما البروفسور، موشيه شكيد، برفسور الأنثروبولجي في جامعة، تل أبيب فوصف بمرارة اندثار المؤسسات اليسارية بعد عام آخر، أي العام 2001م، وهي بداية هزيمة اليسار والعلمانية، ذكر بسخرية أن الطريق لظهور الماشيح قد بدأتْ بزوال اليسار العلماني!
قال في مقال ساخر بعنوان «فلنشكل السنهدرين» وهو مؤسسة دينية أصولية حريدية: «ألسنا نملك مدارس دينية فاخرة وكبيرة؟! ها هي الكيبوتسات تندثر، إليكم الخبر السار: العلمانيون يفرون من القدس، فلنجعل مساكنهم لطلاب المدارس الدينية لتتحقق معجزة اقتحام أريحا، ويأتي الخلاص لصهيون بعد زوال الدنس والمدنسين، ويتناثر أعداؤنا في كل حدب وصوب، ليعود التاج إلى سابق عهده»! (صحيفة معاريف 19-11-2001)
أخيراً، سأظل أتذكر قول الحاخام الأكبر، أبراهام كارليتس يشعياهو لبن غوريون العام 1953: «مثل الحريديم واليساريين، كمثل عربتين التقتا فوق جسر ضيِّق، عربة الحريديم المملوءة بالدين والعقيدة، وعربة العلمانيين الفارغة، لذلك على العربة الفارغة أن تُخلي الطريق للعربة الأولى المملوءة بالدين»!.