تقاريرثابت

إسرائيل تتنصل من تنفيذ البروتوكول الإنساني وتعمق مأساة الغزيين

إسرائيل تتنصل من تنفيذ البروتوكول الإنساني وتعمق مأساة الغزيين تقرير خاص _ باسل جعرور

بخطى مرتجفة متكئًا على عكازه متآكل الطرف، يحاول المسن خليل شمالي، من سكان حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، العبور بحذر تل ركامٍ سد المدخل الوحيد للشارع الموصل إلى منزله المدمر ذو الأربعة طوابق، بعد أن استصلح جزءًا من الطابق الأرضي للعيش فيه رفقة 17 شخصاً من أسرته.

يقول شمالي “هذا ما تبقى من بيتي الذي بنيته بالكد والتعب عشرات السنين، حتى أصبح ملاذاً لعائلة دافئة وممتدة من الأبناء والأحفاد، احتضنت جدرانه تفاصيل حياتنا بحلوها ومرها، قبل أن تبطش به يد الحرب الإسرائيلية، التي عاثت دماراً وخراباً في كل أرجاء القطاع المنكوب”.

ويضيف “أصبحت مضطراً على قلة حيلتي وسوء حالتي الصحية عبور هذا التل من الركام كل يوم، أحاول التغلب على مخاوفي والحذر من السقوط أو التعرض لجرحٍ بفعل الأسياخ الحديدية والحجارة المتناثرة؛ فأنا على كهولتي مريضٌ بالسكري أيضاً، وأي ندبة صغيرة تعني معاناة كبيرة ربما تصل إلى بتر القدم”.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

ويتساءل شمالي عن موعد البدء بإزالة الركام والشروع في عملية إعادة الإعمار، بعد حجم الدمار الكبير الذي طال مختلف المرافق الحياتية والبنى التحتية والأحياء السكنية، خاصةً مع تعطيل إسرائيل عملية دخول الآليات والمعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض، ومنع دخول المواد الخاصة بالبناء.

إسرائيل تتنصل.. حياة بدائية ومتاعب مستمرة

وتروي فداء عبيد، من مدينة رفح المدمَرة جنوبي القطاع، هي الأخرى حكاية أسرتها مع صراع المتاعب اليومية غير المنقطع منذ اندلاع الحرب على غزة، والتي كان عنوانها “مشقةٌ كبيرة لإنجاز مهامٍ روتينية صغيرة”.
تقول عبيد “كل شيءٍ أصبح صعباً للغاية، خاصة بعد العودة إلى رفح، فلم يُبقِ الاحتلال شيئاً في المدينة إلا ودمره. نضطر إلى قطع مسافاتٍ طويلةٍ سيراً على الأقدام للحصول على جالون واحد من المياه أو اثنين بحد أقصى، ومثلها إذا أردنا شحن الهواتف أو الاتصال بالانترنت أو حتى إجراء مكالمة عادية”.

وتردف “عدنا إلى رفح مسقط رأسنا ونصبنا خيامنا المتهالكة فوق ركام بيتنا المدمر، فلا مكان لنا سوى هنا ولا نطيق العيش في بقعةٍ أخرى، لكن ندرة مقومات الحياة من ماء ودواء ومصادر الطاقة والاتصالات حولت حياتنا إلى شكلٍ من الحياة البدائية التي لا تطاق، أما الهم الأكبر فيكمن في تسرب مياه الأمطار داخل الخيام البالية والبرد القارص الذي ينهش بأجساد الأطفال“.
وتعيش معظم مناطق قطاع غزة المعاناة ذاتها على صعيد وفرة الخدمات الأساسية والوصول إلى المقومات الضرورية للعيش، بعد دمار مختلف المراكز الحيوية والصحية وشبكات إيصال خدمات المياه والكهرباء والاتصالات، وتعطل عشرات الآبار ومحطات التحلية عن العمل، مما خلق واقعاً مأساوياً طارداً للحياة، وزاد من الحاجة الملحة لزيادة وتيرة التدخلات الإنسانية الطارئة، بحسب منظمات الأمم المتحدة.

تنصل إسرائيلي يعمق الكارثة الإنسانية

ويؤكد سلامة معروف، على تنصل إسرائيل من الالتزام بالبروتوكول الإنساني لصفقة وقف إطلاق النار، والتعطيل المتعمد لدخول المعدات الثقيلة والمساكن المؤقتة ولوازم صيانة شبكات المياه والطرق ومصادر الطاقة، وغيرها من المستلزمات الضرورية من أجل تخفيف حدة الكارثة الإنسانية التي تضرب القطاع منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية في السابع من أكتوبر 2023.

ويحكي معروف “مع وقف إطلاق النار، يحاول الاحتلال المماطلة والتسويف في الالتزام بتعهداته الواردة ضمن البروتوكول الإنساني، سواءً على صعيد أعداد الشاحنات التي وردت نصاً في الاتفاق، أو ما يتعلق بحمولة هذه الشاحنات أيضاً من الاحتياجات والأولويات التي حددت ضمن البروتوكول الإنساني”.

ويتابع “حددنا أن الأولوية هي لدخول مستلزمات الإيواء والإغاثة العاجلة، وفي مقدمتها الخيام والبيوت المتنقلة، والمولدات الكهربائية ومصادر الطاقة الشمسية والبطاريات والوقود، وجميعها لم يلتزم الاحتلال بإدخالها للقطاع سوى جزء بسيط من بعضها كالخيام والوقود بكميات محدودة ودون المتفق عليه، بينما لم يدخل أي كمية من المستلزمات المتبقية إلى اللحظة”.
ويشير معروف إلى أن نحو مليون ونصف إنسان من سكان قطاع غزة باتوا بلا مأوى بفعل ما خلفته الحرب الإسرائيلية من دمار كلي طال 170 ألف وحدة سكنية، وتعرض 80 ألف وحدة أخرى لدمار جزئي جعلها غير صالحة للسكن، الأمر الذي خلق كارثة إنسانية في ظل سوء الحالة الجوية والبرد القارص، يفاقمها الحاجة الماسة إلى تغيير 120 ألف خيمة مهترئة للنازحين.

وبحسب الاتفاق المعلن، ينبغي على إسرائيل السماح بدخول 600 شاحنة مساعدات يومياً إلى قطاع غزة، ضمنهم 50 شاحنة وقود على الأقل، على أن تحمل هذه الشاحنات ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق 200 ألف خيمة، و60 ألف كرفان (منزل متنقل)، بجانب مرور 500 آلية ثقيلة لرفع الركام، إلا أن إسرائيل لم تسمح سوى بمرور 15 شاحنة من الوقود في اليوم الواحد، وخيام وصل عددها الإجمالي 90 ألف خيمة، بينما لم تسمح بمرور سوى عدد قليل من الآليات والمعدات الثقيلة لرفع الركام، وفق البيانات الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي.

إسرائيل تتنصل.. نظرية القوة تحكم تصرفات إسرائيل

ويرى ناجي شراب، كاتب ومحلل سياسي، أن ما تقوم به السلطات الإسرائيلية من تضييقٍ متعمدٍ على الصعيد الإنساني ضد سكان قطاع غزة، يأتي استناداً إلى نظرية القوة، وبدعمٍ وتأييدٍ من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، كورقة ضغط لفرض واقع سياسي جديد في كلٍ من غزة والضفة والإقليم بشكل عام.

ويتطرق شراب في قراءته للواقع الحالي “أن مظاهر التغيير قد بدأت بالفعل، وأن غزة لن تعود لما كانت عليه في السادس من أكتوبر 2023، فنحن مقبلون بحسب تصريحات ترمب على غزة جديدة، أو ما وصفها بريفيرا غزة، لكنها ريفيرا ليست للغزيين”.
ويعزي التنصل من تنفيذ البروتوكول الإنساني لصفقة وقف إطلاق النار إلى أن إسرائيل لا تلتزم بأي اتفاق، مدللاً بأن ذلك ما حدث مع اتفاق أوسلو وغيره من الاتفاقات التي قوضتها إسرائيل عبر فرض وقائع جديدة على الأرض.

ويستبعد شراب خيار العودة إلى الحرب العسكرية على المدى القريب، مشيراً إلى أن مصلحة أطراف الصراع وداعميهم تكمن في تجنب مواجهة عسكرية جديدة، بينما تسعى إسرائيل إلى قضم مزيد من أراضي الضفة الغربية، مع الإبقاء على حماس منزوعة السلاح في غزة، ومنع عودة السلطة الوطنية إليها؛ من أجل زيادة الهوة بين شطري الوطن، والحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية.

إسرائيل تتنصل.. وفي ظل هذا التعقيد الذي يسيطر على الواقع، وضبابية ما يحمله المستقبل للشعب الفلسطيني المطحون برحى الحرب على قطاع غزة، والعمليات العسكرية المستمرة في الضفة الغربية، تبقى الأولوية في الحفاظ على الوجود الفلسطيني وتعزيز مقومات الحياة على أرضه، واستخدام أوراق الضغط الدبلوماسية والاقتصادية من قبل الدول العربية والمجتمع الدولي؛ من أجل ثني إسرائيل وحكومتها الأشد تطرفاً، والإدارة الأمريكية الحليفة، عن قرصنة حقوق الشعب الفلسطيني المكفولة بالقانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها الحق في العيش الكريم، وحق تقرير المصير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى