إلى ساسة بلادي .. نداء قبل فوات الأوان

بقلم/ نضال محمد الرنتيسي
إعلامي متخصص في الشأن الاقتصادي
ينشغل العدو هذه الأيام باستكمال جريمته ومواصلة حربه لتدمير ما تبقى من قطاعنا الذبيح، ومع اشتداد الكرب تنام الفتنة، وهذه فرصة لن تتكرر لإنهاء الخلافات الداخلية والانقسام البغيض والتشتت السياسي، قبل أن تنتهي العمليات العسكرية، لأن أحدًا لن يستطيع وقف الاندفاع نحو الفوضى إذا انشغلنا ببعضنا بعد انشغال الأعداء بنا.
إن ظروف القهر والوجع والهم والتجويع الممنهج التي يعيشها الناس قد تدفعهم للخروج إلى الشارع؛ وإذا لم تتم تسوية الخلافات الداخلية؛ فقد تنتهي الأمور إلى كارثةٍ بكل معنى الكلمة، وإن لم نكنْ على قلب رجلٍ واحدٍ فإن الأمور ستتجه إلى ما لا يُحمد عقباه، خصوصًا أن أصواتًا جاهلةً تتصدر المشهد وتحضّ الناس على الخروج، وبرغم أن حرية الرأي والتعبير مكفولة، لكن الخطر هنا يرتبط بسلوكيات الغوغائيين والمأجورين الذين ينشغلون بأجنداتٍ لا وطنيةٍ وبرامج تعادي تطلعات شعبنا، وعندها لن يتحمل أحدٌ سواكم يا ساسة بلادنا المسؤولية أمام الله وأمام التاريخ.
ينبغي القول أن سياسة التخوين والتشكيك التي مارسها الجميع دون استثناء، والتي طالت أبناء شعبنا وأمتنا العربية، ليست من الحكمة في شيء، ويقتضي الأمرُ توحيد الصف الإسلامي – العربي، فأمتنا لا تجتمع على ضلالةٍ بنص حديث النبي (صلى الله عليه وسلم).
السياسي الذي يتمتع بالروح الوطنية والمسؤولية الاجتماعية لا يدعْ تنظيمه الحزبي يتحول إلى شركة، يبحث فيها عن امتيازاتٍ شخصية، أو أن يذهب أبعد من ذلك فتسوّل له نفسه نهب المال العام وسلبه والاستئثار به، وحيث إن تغييب الإدارة الجادة عن منهاج العمل، سيجعل التنظيمات ذات الطابع الاستغلالي والانتهازي أو بعبارة أخرى (الشركات) تنهار، ومع انهيارها ستضيع البوصلة وتحدث الفوضى ويتغلغل الفلتان في كل بقعةٍ من أرضنا، والمصيبة هنا تعُم ولن ينجو منها أحد.
هذا الحديث موجّه لليساريين إبتداءً، مرورًا بالقوميين، وصولًا إلى الوطنيين، وانتهاءً بالإسلاميين، فالحرب التي نخوضها بأجسادنا العزلاء ولحمنا الحي هي حرب في مواجهة نظامٍ عالمي، والانتصار على من يقتلنا صباح مساء يتطلب انهيار هذا النظام بالكامل،(وهذا ليس بمقدورنا)، لكن علينا أن نكون في حالةٍ أشد صلابةً ومَنَعَة، وذلك لا يكون إلا إذا تَحصّنا بدرعٍ متماسك، لا يسمح بتمرير أي سهمٍ مصوّبٍ نحونا بأيدي عدونا، أما أن نواجه عدوًا يتمتع بهذه القوة والقسوة والغطرسة فُرضت علينا مواجهته بصدورٍ عاريةٍ وأيدٍ مشغولةٍ بالعراكات الجانبية والخلافات حول أهدافٍ خسيسة، بحيث يبدو كل منا هدفه إسقاط الآخر ومصادرة جميع نضالاته وتضحياته، في حين أننا في أمسّ الحاجة أن يعضُدَ بعضُنا بعضًا، ونشد من أزرنا، بأن يعزز كل طرف الثقة بأخيه، فالذي يراهن عليه عدونا هو هذه الحالة من الضعف والهوان التي وصلنا لها بسبب انقساماتنا، فلابد أن نتخلص من التفكّك الذي أنهكنا، وخارت بسببه قوانا، فصرنا كما أخبر النبي ﷺ: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، فقال قائل: “ومن قلة نحن يومئذ؟”، قال: “بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن”، فقال قائل: “يا رسول الله وما الوهن؟”، قال: “حب الدنيا وكراهية الموت”.
لذلك فإن الحكمة تقتضي تدَبُّرَ الأمر وتقليبه على أكثر من وجه؛ حتى نصل إلى ما يهدينا سبُلَ الرشاد، وهي مرحلة تستوجب عدم (تفسيق) الناس أو (زندقتهم)، فالخطب جلل، والقادم سيحمل معه فواجع إن لم نكن على جهوزيةٍ واستعداد.
الوقوف هنا لحظة تدبر لاتخاذ قرارٍ شجاعٍ يحمى شعبكم من الموت، لا يعني انهزام كما قالها نبينا الكريم ﷺ: “ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار”.
لا ندعو هنا إلى الاستسلام، بل هذه دعوة مفتوحة لإعادة النظر في الطريقة التي ندير بها شؤوننا، فالتحليل البيئي والتقييم والتوجيه والتخطيط السليم، سيذهب بنا إلى تصويب أوضاع أمّتنا، والتراجع خطوة أو خطوتين، والانتقال إلى مسارٍ مبنيٍ على العلم والإدارة الرشيدة، بشكلٍ يسمح مع مرور الوقت بتوفّر الأسباب والظروف الملائمة لتحقيق النصر، عندها تصبح أمتنا على قلب رجلٍ واحد، وتتحقق الرؤية الإدارية المبنية على فهم الدين الحنيف، *فـ(الإسلام هو الإدارة والإدارة هي الإسلام)، وهذا هو المسار الأوضح لتحقيق الغايات العليا للأمة.*