احتلال غزة بين حذر العسكر ونزوات الساسة…!
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الكاتب: أكرم عطا الله
وتستمر ساقية الدم بالدوران في غزة بلا توقف… ويستمر الفلسطينيون في أداء طقس موتهم العالي وسط عالم يجيء متأخراً بإرادة متثائبة لوقف الحرب، لكنها إرادة نظرية هشة لا توقِف حرباً، ويستمر الإسرائيلي بالبحث عن خياراته الدامية في تلك البقعة المؤرقة له، أملاً في حل نهائي هذه المرة يقتلع الصداع المزمن الذي سببته غزة لثلاثة أرباع القرن، مستغلاً مناخات تسمح له بالذهاب بعيداً على وقع ما اعتبره هولوكوست يشكل فرصة لهندسة تلك المنطقة كما يريد ولن يضيعها.
لا اتفاق بين المؤسستين العسكرية والسياسية في إسرائيل على شكل القادم، في ظل تعثّر مسار التهدئة في غزة، وما بين الجيش وملحقاته الذي يخشى من توسيع الاجتياح يودي بالأسرى، وبين المؤسسة السياسية التي تريد الاجتياح الموسّع وقلب كل حجر في غزة، ليس بحثاً عن الأسرى الذين يلمّح وزير المالية الإسرائيلي إلى أن انتصار الحرب وتحقيق مشاريع استراتيجية أهم كثيراً من عشرين أسيراً، لأول مرة بدأ يُشار إليهم في الواقع الإسرائيلي كضحايا حرب لا ينبغي أن يكونوا سبباً لإجهاض المسار.
ذراع إسرائيل الملوية بفعل ما تبقى منهم، يجعلها أو بعض أطرافها تتردد في المغامرة، فهي تحتاج إلى قرار متهوّر كي يقتحم جيشها مناطق يتواجدون بها، أو هكذا يعتبر إيال زامير الذي يشير لمعرفته بأماكن تواجدهم في مدينة غزة والمخيمات الوسطى التي لم يجتاحها حتى الآن، وقرار بالتضحية بهم وهو ما تشير له بعض الأوساط الصحافية والسياسية لأول مرة، ما يعني كسر واحد من المحرمات منذ بداية الحرب.
إيال زامير الذي يتصاعد ضده غضب المستوى السياسي لدرجة أن «يحضر قضية لاتهامه بالفشل في غزة» لكنه كما تنقل القناة العبرية الـ 13 يؤكد بأنه لن يستقيل، يخشى رئيس الأركان الذي مرت بضعة أشهر على تعيينه أن يبدأ تاريخه بقتل الأسرى، وهو الذي يعرف أن السابع من أكتوبر أعادت حنين الإسرائيليين لحكم الجنرالات بعد أن تراجع ذلك في العقدين الأخيرين، حيث يتقدم الاستطلاعات عسكر إسرائيل يائير غولان وغادي ايزنكوت، ومع الضربة التي تلقّاها اليمين السياسي تجعله يبحث عن قادة جدد قد يكون أحد أبرزهم زامير، فلماذا يدخل بقدمه اليسرى كقاتل للأسرى؟
يتساءل أمير بوحبوط المحلل العسكري لموقع واللا عن الخيارات القادمة، اتفاق أم قتال متواصل قائلاً «إن رئيس الأركان حدّد موعداً نهائياً واضحاً، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى خلال الأيام المقبلة فسيواصل الجيش القتال بكثافة دون انقطاع، مستنداً كما يقول إلى أن الإنجازات التي تحققت حتى الآن خلقت مساحة عمل تسمح للجيش بالمناورة وتغيير أنماط العمليات، وتقليل الاستنزاف وتركيز القتال بشكل أكثر فعالية، بالاعتماد على الاستخبارات ودقة إطلاق النار والمناورة» أي التصعيد بكل الحالات.
بعد اثنين وعشرين شهراً تصبح الأمور أكثر وضوحاً للجميع، إلا لحركة حماس التي يتم تبرير الاستمرار بالحرب بسبب حكمها لغزة، دون أن تعلن كما منطق الأشياء بأن غزة منطقة محتلة، ولم يعد بها حكم فلسطيني ليتحمل مسؤوليتها الاحتلال، فهي تخشى من تعرية فكرتها. وخلف تلك الخشية تقف كل القرارات الخاطئة والمتأخرة، لكن الأمر لم يعد يتعلق بحماس التي لن تعود لحكم غزة، ليس فقط لأن العالم كان واضحاً في ذلك من خلال بيان مؤتمر نيويورك الذي وقعت عليه الدول الحاضنة لحماس وطالبت بتجريدها من السلاح «قطر وتركيا» بل لأن سكان غزة إذا ما بقوا فيها لن يقبلوا تلك القفزات والمغامرات لمن يحكمهم.
قُبيل دخول المساعدات لقطاع غزة كان الثنائي الفاعل في حكومة نتنياهو يتأهب لمغادرة الحكومة، ولكن فجأةً انقلب المسار ليصبحا الأكثر حرصاً على البقاء، كيف ولماذا؟ لأن الحكومة تتحدث فجأة بصخب عن الضم والتهجير وضم واقتطاع أراض في الشمال والشرق وفيلادلفيا في الجنوب، وعن خمس دول توافق على استقبال الفلسطينيين، وهو ما يستهوي هاتين الشخصيتين أو يعتبر صلب برنامجهما «بن غفير الترحيل كوريث لكهانا» و «سموتريتش وريث فكرة ضم الأراضي». هنا كانت كلمة السر في الحرب وهندسة غزة لعقود، مستغلين مناخات تولدت بعد السابع من أكتوبر.
هذا هو برنامج إسرائيل لغزة، وليس هدنة ونهاية حرب وإعادة إعمار وعودة المجتمع للحياة، بعد أن قامت بتفكيكه باحتراف وإعادته بفعل الترويع والتجويع إلى صراع البقاء البدائي بغرائزه الأولية، حيث الإنسان من أجل حفنة دقيق تسقط أمامها كل المعايير والتربية والتماسك الاجتماعي والإيثار والانتماء للمجموع. لقد انهار كل شيء، ولم يكن ذلك مصادفة مع دولة يلعب علماء الاجتماع فيها دوراً كبيراً في إدارة صراعها مع الشعب الفلسطيني، لأن المجتمع السويّ يُنتج حركة وطنية سوية قادرة على الاستمرار، أما المجتمع المشوه فيُنتج حركة مشوهة.
المستجد الدولي شديد الأهمية يفعل فعله، صحيح أنه لا يستخدم أدواته لفرض واقع الدولة الفلسطينية في منطقة فاعلها الرئيسي هو إسرائيل تهندسها كما تشاء، ولكن على الأقل يحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة ويحافظ على حق الفلسطيني بالبقاء، وهذا مهم في سياق الصراع؟ لكن الأهم كيف نفهم وتفهم حماس أن الأمر لم يعد يحتمل مزيداً من ترف الوقت، ولا بد من قطع الطريق على إسرائيل؟ أم نضحي بالوطن والشعب حتى لا تنكشف الفكرة؟