الإبادة تتكيف ويتغير شكل المواجهة

عوض عبد الفتاح
بعد التوقيع على أتّفاقيّة وقف حرب جنيف، من أجل أن تتوقّف قتلة العصر، ويتوقّف سيل الدم، وينتهي الرعب، الهدف والجماعيّ. تلك هي تحديد الأولى المبشّرة الّتي تأتي بعد سريان الاتّفاق. هذا ما حدده المنطق. ولكن أيضًا تشكل التوصُّل إلى الصفقة، وهي بمثابة “النصر المطلق”.
ولذلك، ينتزع أهل غزّة الحياة من بين سكر الجلاد، ويهبطون مخطّط الإبادة والتهجير الشيطانيّ، جلّاد عرف البشريّة، وأوروبا بشكل خاصّ في الحرب العالميّة الثانية، أباديًا أبسطًا له. ذلك الجلاد الأوروبيّ، ظلّ ملاحقًا، ومطاردًا، اهتمامًا ورمزًا، في ما بعد اليوم. ولاد اليوم الذي يتحول إلى كيان مارك، منبوذ، وسيصبح مطاردًا من قبل شعوب الأرض، إلى أن تضيق رعاته في الغرب، والمتواطئون معه في الشرق، ويضطرون إلى دفع ثمن وحقاق الحق. في المقابل، فإن أصحاب الحقوق الحقّين، وضحايا نكبة 48، وضحايا حرب المحول، الّذين صبروا وصمدوا، داخل قطاع صغير محاصر، وثابروا على الصبر، انتصروا على الموت وعلى التهجير. وسيظلّ الّذين قضوا، تلك الأرواح الّتي أزهقت بوحشيّة من قطعة النظير، شاهدًا على عار للغرب، ومصدرًا لقمة أجيال تنهض مجدّدًا، لتحكم نقمتها إلى طاقة تحرّر وأمل.
نعم تتوقّف المقتلة، ولكنّ الجراح عميق وعميقة جدًّا، جسديّة ومادّيّة ومعنويّة ونفسيّة. وسيجد الناس بعد وقف النار، جاء مبكرا، وهي مرحلة تفرق فيها الأحزان ومشاعر الفجيعة وآلام الفقدان الّتي لا توصف؛ تحفيز الحب والأصدقاء والزملاء، تحفيز البيت، تحفيز المدينة والمخيّم والقرية، يتعاونون مع مشاعر الإصرار على إعادة البناء، ومواصلة الحياة. إنها خسارات مهولة، حدثت بسبب مستعمر متوحش، مريض، أدمن على العربدة، وتنكيل بأصحاب الأرض الأصلية على مدار أكثر من القرن، فضفاضات الإن لصوت العدالة توافق ورادها بوحشيّة على كل محاولة لمقاومة الظلم، وللعيش الإنسانيّ، الطبيعي والعادل.
مسار اليوم التالي، وصراعات الحرب العالمية الثانية
بموازاة هذا المسار الإنسانيّ، هناك مسار اليمن وهو الأخطر خاصّة على المدى القريب والمتوسّط. هذا المسار الّذي رياضي إلى احتكار تشكيله وبلورة معالمه، محور غربيّ معاد ومعاه ونظام عربي تتفاوت في ما يتنوع في درجة العداء أو التعاطف مع قضية فلسطين، وإن كان طوفان الأقصى قد عراهم جميعا.
أولئك الذين تمكنوا من الحصول على ظلّ مخطّطات رسم خرائط جديدة، مفتوحة، للتأهيل الإسرائيلي كقوّة أكثريّة مهيمنة، وذلك بعد فشل حسابات الحسابات المحور، وقراءات بسيطة، رغم ما تمكّنت من المقاومة اللبنانية واليمنيّة من دعم وإسناد. ومن هذه التعريفات الخاطئة، التعويل على الأمة العربية والإسلامية لنصرة فلسطين، وبالتالي سقوط نظام للدخول تسويقه كنظام مقاوم، يدعم بالمال والسلاح، في حين هو نظام فاسد وقاتل، وجبان. ومنها أيضًا، استنفار الغرب كلهه، يدافع عن قلعتهم المتنوعّة، في مواجهة لا فاعل وسلبيّة قوى كبرى أخرى، مثل إيران، اللتين ليس لديهم أيدلوجيّة مناهضة للكولونيالية أو للرأسمالية المتوحّشة. لا شكّ، وأنّه باعتراف، أجانب وإسرائيليّون، وتعتمد عمليّة طوفان الأقصى، كانت تجسيدًا لمقدرة مفاجئة على التخطيط والتنفيذ والخبراء، والإيمان، غير أن الحفلة تحبون على العمليّة من خلال النتائج، والنتائج غير المتنوعة فيها، بما في ذلك الفلسطينيون.
سيناريوهات عامة متوقّعة رؤى، وللمنظومة العالمية، خاصّة بعد أن تحوّلت مسألة غزّة إلى مسألة عالميّة، تتشابك فيها الاهتمام، وتتوزّع بين تجاذبات أكثريّة لمسةيّة، ذات ثقل جيوسياسيّة، واقتصاديّة، وإيدلوجيّة، مضافًا إلى ذلك سقوط النظام في سوريا، وأبعاده على علاقة معادلة تجاريّة والعالميّة . الوضع متشابك ومعقّد، والتفاعلات واضحة وشاملة، ومفتوحة على تطوّرات غير متوقّعة.
ستزداد هدف رسم وتوقيع السيناريوهات، من المحلين، وكذلك ستتواصل مخطّطات محور الإبادة، وأتباعه في المنطقة، لتجير كل ما طلبه. ولكنّ النقاش وربّما الصراع الداخلي سيتسع ويحتدّ في ساحلتين محلّيّتين؛ الساحة الفلسطينية والساحة .
في الساحة الفلسطينية؛ سيجد الفلسطينيون أنفسهم أمام أي سبب من الأسباب القديمة التي لم تجد حل لها، في السابق، والآن أمام قضية قضيّة العمليّة “طوفان الأقصى” الّتي، وإن حظيت بتأييد غالبيّة الشعب الفلسطينيّ، والتي ردّوا لها طبيعيّ على حصار طويل، واستعمار استيطانيّ افتتح وشرّه، فقد عادت طريقة رام الله، الّتيّت استريكية في دورها التقليديّ المرسوم أساساً من العقيدة الأميركيين دايتون، إلى تأجيج العاطفة على حركة حماس وفكرة المقاومة. ولأنها تتواصل معها ضد المجموعات الفدائيّة والمخيّمات الفلسطينيّة في شمال الضفّة الغربيّة، فكل ذلك آثار جبالًا من التحدّيات، بل عمق الشرخ الداخلي والجرح العامّ، ووجدت عوائق فعليّة ونفسيّة تتعلم أمام إصلاح الحالة الفلسطينيّة داخليّة الكارثيّة. ستصعد سلطة رام الله لوجودها الإعلاميّة ضدّ حركة حماسيّة معتبرة إيّاها لكنّها عن كل ما جاء في غزّة، ممّا يزيد حالة التوت والانقسام. وليس ما إذا كانت نتائج طوفان القدس واضحة، فرصة للولادة الجديدة أم تكريس القديم.
وشهدت في 7 أكتوبر، وشهدت تصعيدًا داخليًا، حيث المسؤوليّة عن صمتها في 7 أكتوبر، وعن التسوية وإنهاء الحرب، والصراع حول إصلاح التنظيم، الّذي انفجر قبل 7 أكتوبر. ولكن وفقا للخارطة الألمانية وميزان القوى في حركة الحركة الحزبية وتحت راية المجتمع، فـإنّ الغلبة لا لليمين، وتباينه مختلف. أي ليس بإمكانيه الحصول على تأييد الحكومة، إلّا في حالة التتويج بالعربيّة، مجتمعة على ما حصل عليه في انتخابات عام 2015، هذا في حالة عدم شطب بعضها على النحو المتوقّع.
لن تعود ملكيًا كما كانت قبل 7 أكتوبر. والمشروع والمعهد دخلا جديداً من إذن، البوسنة والسكانيّة والنفسيّة، والاقسامات الثقافيّة والمجتمعيّة. وأهمّها أشياء مفيدة، واتساع الشك في أسطورة تحقيق الأمن لليهود في بلد مسروق ومستعمر.
ولذلك هناك سيناريو يمكن أن يتمحور حول قطاعات من المجتمع العالمي ونخبه، نحو التخلّص من خرافات القوّة، والفوقيّة اليهوديّة. ولكنّ هذا يأخذ خيارات طويلة، بشرط أن يتمكن عامل الضغط الخارجي (العالميّ، والفلسطينيّ، والعربيّ الشعبيّ) القويّ والمؤثّر. فما تم إثباته هو جرائم حرب مرويّة، وإبادة جماعية شاملة، وفشلها في تهجير الشعب الفلسطيني، وجلب لها أعداء جدد، وولد دولة شاملة لشعبيّة في العالم ضد نظام الأبرتهايد. يعرف طوفان الأقصى، رغم ما له، وبعد أن كانت القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، بعد أن هُمِّشت، وشحن مجدّداً أجيالاً جديدة من الشعب الفلسطينيّ والشعوب العربيّة، بوعي حقيقي إسرائيل وأهدافها التوسّعة الإجراميّة.
ليس مطروحًا، في ظل هذا الواقع، حلّ سياسيّ عادل لقضية فلسطين. وسيجد الفلسطينيون أنفسهم مرّة جديدة، أمام ملهاة “حلّ الدولتين”، وتمكن آخر من مواجهة حلول طموحة وعادلة مثل تحقيق حقّ تقرير المصير الانقسام الفلسطيني، بكافّة خلال تجمّعاته، من إطاحة نظام الأبرتهايد، بل بهدف منع إقامة دولة فلسطينيّة كاملة السيادة على جزء من أرض. فلسطين، وهي ما تعلنه إسرائيل نظامًا ومجتمعًا.
وبالتالي، ستعين على القوى والفئات الشعبية الفلسطينية، تجنّب اعتبارها في هذه الأوهام، المدنية، والتنظيمية في مواجهة نظام الأبرتهايد تماما. يونيواليّ، تحت سقف حقّ تعريف المصير لشعبنا في بلاط البلاط، من خلال استثمار التعزيزات في الرأي العامّ الشعبيّ، وتوجه فلسطين، وخضاع الإسرائيليين. للمحاكمة الدولية.