البصمة الصامتة سلاح خارق لمكافحة “التزييف العميق”

في عالم رقمي تزداد فيه صعوبة التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مُصنع بالذكاء الاصطناعي، تبرز تقنية «العلامات المائية التوليدية» كـ«نظام مناعة» جديد للإنترنت. هذه التقنية، التي تدمج توقيعات غير مرئية في صميم المحتوى الذي يولّده الذكاء الاصطناعي، تعد بتحويل المعركة ضد الأخبار المزيفة والتضليل، وتحقيق مبدأ الشفافية في العصر التوليدي.

البصمة غير المرئية
تختلف العلامات المائية التوليدية عن العلامات المائية التقليدية (المرئية)، إذ يتم دمجها في المحتوى أثناء عملية التوليد نفسها، وليس بعد اكتماله. هذا الدمج العميق يجعلها مقاومة للعبث وأكثر فعالية في تتبع المصدر.
في جوهرها، تعتمد التقنية على «تعديل الإخراج» بشكل دقيق للغاية لا يمكن للعين البشرية إدراكه، ولكنه قابل للقراءة بواسطة خوارزميات خاصة. يتم ذلك بطرق مختلفة حسب نوع المحتوى حيث يوجه نموذج اللغة الكبير (LLM) لاختيار أنماط لغوية أو مرادفات معينة بترتيب إحصائي محدد. هذا التغيير الطفيف لا يؤثر على جودة النص أو معناه، ولكنه يُنشئ «بصمة نصية» فريدة.

الصور ومقاطع الفيديو 
يتم تضمين التوقيع عبر تعديل قيم البكسلات بطريقة إحصائية مدروسة. في الفيديو، يتم وضع العلامة المائية في كل إطار، ما يجعل إزالة العلامة صعبة للغاية حتى بعد القص أو الضغط.
أما في الصوت فيتم دمج العلامة من خلال تعديلات دقيقة في ترددات الصوت، لا تسمعها الأذن البشرية ولكن يكشفها برنامج الكشف.

مقاومة العبث والمعايير العالمية
رغم الوعود الكبيرة، تواجه العلامات المائية التوليدية تحديات تقنية وتنظيمية ضخمة حيث يجب أن تكون العلامة المائية قوية بما يكفي لمقاومة محاولات إزالتها أو تشويهها. يمكن للمحتالين محاولة «تكسير» البصمة عبر تعديلات بسيطة مثل إعادة ضغط الصورة أو ترجمة النص وإعادة ترجمته.
حالياً، كل شركة مثل جوجل، وميتا، وOpenAI) تطور نظام العلامات المائية الخاص بها. لكي يصبح النظام فعالاً على مستوى الإنترنت، هناك حاجة ملحة لـمعايير عالمية موحّدة تسمح لأداة كشف واحدة بالتعرف على جميع العلامات المائية.
يمثل إطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر تحدياً، حيث يمكن للمطورين تعديل هذه النماذج لإزالة ميزة العلامة المائية أو تعطيلها.
على الرغم من هذه التحديات، يرى المنتدى الاقتصادي العالمي ومؤسسات دولية أخرى (مثل الاتحاد الدولي للاتصالات – ITU) أن العلامات المائية التوليدية ليست مجرد خيار، بل هي طبقة أساسية لا غنى عنها لبناء الثقة في محتوى العصر الرقمي القادم، ويتوقع أن ينمو سوق هذه التقنية بشكل كبير خلال السنوات القادمة.