التعاون الدولي وفرص حلّ القضية الفلسطينية

كتب: تحسين يقين
صعب مهما كانت مصالح البشر، دولاً وحكومات، ألا تحدث المأساة الحاصلة هنا من قرن، متوِّجة بإبادة جماعية فعلاً سياسياً وإنسانياً باتجاه البداية الفعلية لحل القضية الفلسطينية؛ بمعنى آخر فإن قيمة التعاون يمكن لها أن تسهم في صنع السلام، لا الاستسلام.
لذلك، فإن مصلحة دولة الاحتلال، التي نمت واستمرت في ظل الحروب بين الشعوب والدول، تقتضي استمرار النزاعات في العالم كله، وليس فقط في بلادنا ومنطقة الشرق الأوسط.
تستطيع الولايات المتحدة إيقاف الحرب. والظن أن «إدارة ترامب تعمل خلف الكواليس على إنتاج صفقة جديدة للإفراج عن الأسرى وإنهاء حرب غزة، والتي ستكون جزءاً من خطة ترامب الشاملة للشرق الأوسط، والدفع بالتطبيع في نهاية المطاف».
– و؟
– «قال مصدر مقرّب من الأميركيين: إن الولايات المتحدة تبحث عن حسم الصراع العربي الإسرائيلي لتحقيق أهدافها الكبرى في الشرق الأوسط وصراعها مع الصين وليس عن مصلحة إسرائيل فقط».
رغم أسبقية الأطماع الصهيونية بفلسطين، حتى قبل إعلان الحركة العام 1897، إلا أن مشكلة فلسطين قد بدأت فعلياً خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، بل إن تحوّل العصابات إلى دولة كان نتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية، حيث كان الجبهة في فلسطين والشام عموماً من أهم جبهات القتال بين الدول الكبرى.
انتهت الحربان، لكن الحروب لم تنته تماماً؛ فبالإضافة للحروب العسكرية، فقد صارت تأخذ أشكالاً متنوعة، سياسياً واقتصادياً وثقافياً. وعلى ذلك، فقد استمرت قضية فلسطين، التي تعرض معظمها لاحتلال بعد 3 أعوام على انتهاء الحرب، ثم وقعت باقي الأرض تحت الاحتلال العام 1967، وقعت بينهما حرب السويس فيما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر. ثم تقع حرب العام 1973، فالحروب على لبنان التي توجت بالاجتياح العام 1982، فحروب الخليج، وعودة للحروب على لبنان وغزة، والضفة الغربية. أي أننا هنا وفي العالم، بقينا نعيش تلك الحروب، والتي ما إن خبت نارها حتى تستعر. فكم من حرب وقعت في جهات العالم، وكم من حرب استمرت!
أطفالنا يذكروننا بالتاريخ، حين يقرؤون في كتبهم ويسألوننا، فنقرأ معهم، ولهم، لنتذكر ما تعلمناه من حروب، فالحروب كتبت التاريخ وحسمت الجغرافيا. ولعلنا نقيس الغائب على الشاهد، كما نقيس الشاهد على الغائب، فأسباب الحروب واحدة، بين الدول، وبين البشر.
في العصور الوسطى، تعرضت بلادنا للغزوات الأوروبية، والتي يبدو أنها لم تنته، بل تجاوزت ما قيل عن حملات الفرنجة الثماني، ويبدو أنها لم تنته بقول حتى بعدما قال الجنرال البريطاني أدموند اللنبي عبارته الشهيرة العام 1917: «اليوم انتهت الحروب الصليبية». ولعلّ عبارة الجنرال الفرنسي غورو كانت أقرب إلى بقاء الحروب، حيث أنه عند استقصاء حادثة زيارة للمسجد الأموي 1920، فإنه يبدو أنه ذكرها: «ها قد عدنا يا صلاح الدين». ويبدو أن ما يكتبه الساسة عن علاقة الغرب بالشرق العربي يدلّ على استمرار الصراع.
– المصالح الاقتصادية؟
– وهل هناك غيرها؟!
لكن لعل هناك طريقاً آخر لتحقيق المصالح بعيداً عن الدماء؛ فقد جربت أوروبا الحروب فيما بينها، ثم ما انتهت الحرب العالمية الثانية ببضع سنوات حتى بدأ التعاون الاقتصادي الأوروبي. ثم كان ما كان من حرب باردة بين المعسكرَين الغربي والشرقي والذي وجد طريقاً إلى تصالح ما، شجع على عهد جديد من التعاون الدولي، لكن ذلك لم ينبع من داخل النفوس بسبب التنافس على الثروات، وصولاً إلى الحرب الاقتصادية التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي لم يستثن منها حتى الحلفاء.
واليوم، نعود إلى الوراء، حيث أننا إزاء نذر العودة إلى الحروب، بدلاً من التعاون الذي يضمن تحقيق مصالح الجميع بنتيجة «رابحون ورابحون».
فلسطينياً، وجدنا أنفسنا في ظل الحرب علينا، نعاني من انعكاس حروب الدول أيضاً، ويبدو أن انتهاء الحرب هنا، بانتهاء الاحتلال، مرتبط بانتهاء حروب كثيرة حولنا، في الإقليم والعالم أيضاً؛ فقد زادت التجاذبات والتحالفات والصراعات، فالحروب مستمرة في ظل إطلاق النار أو غير ذلك من أساليب الاقتتال.
يبدو أن العالم لم يتغير كثيراً، أو أنه بإرادة الكثيرين من اللاعبين الأساسيين والثانويين لا ينوي التغير فعلاً. إنها إرادة البقاء في ظل النزاعات، والتي تشكل مصلحة ما، تتحقق لطرف هنا أو أطراف هناك.
روسيا وأوكرانيا وأوروبا، والصين، ودول أخرى تتداخل فيها الصراعات، والتي تؤثر على العلاقات الداخلية في هذه البلاد الكبيرة والصغيرة، حيث توظف دولة الاحتلال كل ذلك لديمومة بقاء الاحتلال.
والسؤال: هل سيطول هذا الجنون؟
إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء الفائت، خلال زيارته مصر ووصوله إلى الحدود الفلسطينية، أن بلاده قد تعترف بدولة فلسطين «في حزيران» يقوي أملاً بدأ مع تغييرات في موقف أوروبا: إيرلندا والنرويج وإسبانيا، وسلوفينيا، إضافة إلى معظم دول العالم، حيث اعترفت من قبل 150 دولة بدولة فلسطين.
إن تحقيق اختراق عالمي باتجاه التصالح، سيعني كل ما هو إيجابي في وجود علاقات دولية تحسم مسألة إنهاء الاحتلال، وحلّ المشاكل سلمياً. لذلك فإن من مصلحة الشرير، زيادة الصراعات، كونه يستغلها لبقائه من خلال التحالفات.
لو أحصينا الأموال والثروات التي يتم هدرها في الحروب العسكرية والاقتصادية، فسنجد أنه يصعب إحصاؤها فعلاً، وهي بذلك قادرة على إعمار العالم، حيث ستكون هناك فرص للازدهار: للعمل والاستثمار عبر تقديم الخدمات والتجارة.
ليس لنا العِلم الكافي مَن الذي يتخذ قرارات الحروب، وما الأهداف المقصودة، لكن ما نعرفه، أن كل حصاد لها يعني خسارة للبشر.
إن اتجاهاً جدياً نحو إنهاء الحرب على فلسطين يمكن أن يزرع الأمل ثانية في ازدهار التعاون الدولي، كما أن اختيار التعاون بدلاً من الصراع، سيساعد فعلاً في إنهاء الاحتلال.
هل ستتغير لغة العالم بعد إيقاف الحرب في فلسطين وعليها؟
إذا كان قدر بلادنا أن الحرب تبدأ منها، فإن السلام يمكن أن يبدأ من هنا أيضاً.
إنها رسالة الحكومات والشعوب، فهناك إمكانية للتعاون ووقف الشرور، وقتها سينعم العالم بالرفاه والسلام، ووقتها فقط ستبدأ الحضارة الإنسانية التي تضمن العدالة والسلام.
الآن فرصة ليقف العالم ضد الاحتلال والنزاعات والصراعات التي يمكن أن تُحلَّ بالسلام، لا بإزهاق الأرواح، وتدمير الممتلكات وتبذير الثروات من أجل أهداف فئات غير سوية.