التغيرات البيئية والمناخية وحتمية التوجه نحو الاقتصاد الأخضر
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: عقل أبو قرع:
مع تعمق وانتشار تداعيات التغيرات المناخية والتي حدثت وتحدث بفعل الممارسات غير الصديقة للبيئة أو الممارسات المدمرة للبيئة، بدأ العالم وفي إطار الحد من أو في ظل التأقلم مع هذه التداعيات، بالتوجه نحو الممارسات الصديقة للبيئة أو الممارسات التي لا تُحدث آثاراً سلبية مستدامة على النظام البيئي، أو الممارسات النظيفة أو الخضراء، أي تلك التي لا تستنزف المصادر الطبيعية المتاحة، ومن ضمن ذلك ما بات يُعرف بـ “الاقتصاد الأخضر”.
والاقتصاد الأخضر، أو بمعنى آخر الاقتصاد المستدام، هو الاقتصاد الذي تتم إدارتة بصورة مستدامة وفعالة وصديقة للبيئة، اي بدون استنزاف اقتصادي وبيئي، ويهدف الى ترشيد استخدام الطاقة والمياه وتقليل إنتاج النفايات بأنواعها المختلفة، خلال وبعد الانتهاء من النشاط الاقتصادي، مثل استخدام الطاقة الشمسية او المتجددة بشكل أساسي وفعّال، وإعادة تكرير المياه واستخدام المياه الرمادية، ووجود أنظمة من اجل فصل وتدوير النفايات، وهناك مؤسسات تحدد معايير وأسس ومواصفات الاقتصاد الأخضر، وهناك دول تقوم بمنح الحوافز والتشجيع من اجل التوجه الى هذا النوع من النشاطات الاقتصادية الخضراء.
وهذه الأيام، لا تكاد تخلو خطة إستراتيجية لأي بلد من بند الاستثمار والتوجه نحو مصادر الطاقة المستدامة، مثل الرياح والشمس والغاز والنفايات وما الى ذلك، أي بعيداً عن مصادر الطاقة التقليدية الحالية من بترول وفحم حجري ومشتقاتهما، وأصبح اقتصاد العديد من الدول المتقدمة، يعتمد وبشكل أساسي على مصادر الطاقة الخضراء أو الطاقة الصديقة للبيئة، والسبب في هذا التوجه هو التداعيات الخطيرة التي يشهدها العالم نتيجة التلوث الناتج عن الاستهلاك غير المحدود للبترول وللفحم، وبالتالي بث ملايين الأطنان من الغازات الى الجو، ومن ثم تشكل ظاهرة الاحتباس الحراري، وما لذلك من آثار على شكل فيضانات وتصحر وجفاف وتقلبات جوية عنيفة، باتت جزءا من النظام المناخي لهذا العالم.
وازداد التوجه الى الاقتصاد الاخضر، نتيجة للزخم الذي تحدثه قمم المناخ العالمية السنوية وبعد توقيع معظم دول العالم ومن ضمنها فلسطين، على وثيقة “قمة المناخ في باريس”، التي تم التوصل اليها بعد مفاوضات مضنية وشاقة، حيث كان الهدف من التوقيع هو إنقاذ الأرض او المناخ او النظام البيئي العالمي من تدخلات الإنسان ونشاطاته، وذلك من خلال التوجه الى الاقتصاد الأخضر، أو الحد من استخدام المصادر التقليدية للطاقة من نفط ومن فحم ومن بترول، ومن ثم الحد من انبعاث الغازات الملوثة الى طبقات الجو، وبالتالي الحد من الاحتباس الحراري ومن التغيرات المناخية العنيفة التي حدثت وتحدث في العالم نتيجة ذلك، وبالتالي وضع الاستراتيجيات والحوافز للتوجه الى مصادر الطاقة الخضراء النظيفة المتجددة، مثل الشمس والرياح والمياه والغاز وما إلى ذلك، أي نحو النشاطات الاقتصادية الخضراء، أو الاقتصاد الأخضر.
ومن اجل تشجيع الاقتصاد الأخضر والممارسات الخضراء بشكل عام، أي الممارسات التي لا تضر بالطبيعة والبيئة، احتفل العالم قبل عدة سنوات، بيوم البيئة العالمي تحت شعار”الاقتصاد البيئي او الاقتصاد الاخضر”، كاقتصاد مستدام، يحافظ على البيئة ويعمل على عدم استنزاف المصادر الطبيعية غير المتجددة، وبات من المعروف العلاقة الوثيقة التي تربط البيئة وبمصادرها المتعددة مع الاقتصاد او التنمية والتقدم الاقتصادي، وما الى ذلك من انعكاسات اجتماعية وثقافية وحتى سياسية.
ومن ضمن النشاطات الاقتصادية الخضراء إنشاء ما يُعرف بـ “المباني الخضراء”، التي من المفترض أن تحد من كميات الغازات التي يتم بثها من مصادر الطاقة التقليدية كالبترول والفحم، مع العلم ان حوالي 30% من غازات التلوث او ما يعرف بـ “غازات البيت الزجاجي” يتم بثها من خلال المباني، وهذا ينطبق كذلك على استغلال المياه، مع العلم ان تصميم المباني بشكل بيئي او أخضر، يمكن ان يؤدي الى توفير حوالى 12% من كمية المياه. وفي نفس الوقت دلت الدراسات ان حوالى 40% من النفايات الصلبة يتم إنتاجها من خلال نشاطات السكان في المباني، وبالتالي يمكن تصور الأبعاد الاقتصادية والصحية والبيئية للحد من جزء أو لإعادة تدوير جزء من النفايات الصلبة كجزء من تصميم المباني الخضراء.
وفي بلادنا، فإن الإقبال على الممارسات الاقتصادية والعمرانية الخضراء، من خلال عدم استنزاف المصادر المتاحة، وخاصة في الحالة الفلسطينية التي تتمتع بمصادر طبيعية محدودة وبحيّز مكاني ضيق، سوف يعمل ويشجع في المحصلة على انشاء المزيد من المشاريع التنموية، وبالتالي إلى إيجاد المزيد من فرص العمل والتشغيل، وبالتالي يعمل على محاربة الفقر والحد من البطالة، وفي نفس الوقت حماية البيئة من الدمار ومن الاستنزاف، ومن عدم القدرة على ملائمة الحياة او النشاط للاجيال القادمة.
وفي ظل الصورة القاتمة التي يتجه اليها العالم بفعل التداعيات المناخية والبيئية والتي سوف يتأثر بها الجميع وبالأخص البلدان الضعيفة أو ذات المصادر المحدودة، فالمطلوب في بلادنا العمل من أجل استغلال طاقة الشمس، والتي من المفترض أن تعتبر أولوية وطنية، حيث ما زلنا نشتري غالبية الكهرباء والطاقة، أو الوقود غير النظيف للطاقة، وبأسعار مرتفعة، وبشروط وبقيود وبتهديدات متنوعة.
وبالتالي فإننا نحتاج إلى استراتيجية وطنية شاملة وملزمة ومحمية بقوانين وتشريعات، ومن خلال تشجيع التكنولوجيا والمبادرات والخبرات، ومن خلال الحوافز والدعم، الاتجاه الى مصادر الطاقة المستدامة أو الطاقة المتجددة، او الصديقة للبيئة او النظيفة، او مصادر الطاقة الخضراء، ومنها الشمس والرياح والمياه والغاز وما الى ذلك من مصادر نستطيع ان ننتجها ولو بشكل تدريجي او تراكمي، وفي نفس الوقت نستغني وبشكل تدريجي عن مصادر طاقة تكبل ايدينا وتستنزف أموالنا وتلوث بيئتنا، وتقيدنا سياسياً ومالياً واقتصادياً ونفسياً، وما يترتب على ذلك من تداعيات مدمرة، حين تكون مجتمعة مع تداعيات التغيرات المناخية التي تؤثر على المياه والأرض والأمن الغذائي.



