شبكة الخامسة للأنباء - غزة
تقرير خاص – حسين حسين
عاماً على حرب الإبادة في قطاع غزة، وتزايد الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، وجد الصيادون أنفسهم في مواجهة تحديات غير مسبوقة أثرت بشكل مباشر على مصدر رزقهم.
وفي ظل القيود المفروضة على دخول الصيادون إلى أعماق البحر وجمع الأسماك التي أصبحت نادرة في المياه القريبة من الشاطئ، لجأ الصيادون إلى أساليب جديدة للتكيف مع هذه الظروف الصعبة. إحدى هذه الأساليب كانت استخدام الثلاجات التالفة المزودة بكشافات ضوئية لجذب الأسماك إلى شباكهم.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل نجحت هذه الفكرة في تحقيق نتائج إيجابية في ظل هذه الظروف؟ وما هي التحديات التي واجهها الصيادون في تطبيقها؟
الفكرة تعود إلى تقنية “اللوكسات” التقليدية
تستند فكرة استخدام الثلاجات التالفة إلى تقنية قديمة معروفة باسم “اللوكسات”، وهي عبارة عن قوارب صيد كبيرة كانت تُستخدم قبل اندلاع الحرب، وكانت مزودة بكشافات قوية تُضاء ليلاً لجذب الأسماك إلى مصدر الضوء. في الماضي، كانت هذه الطريقة فعالة للغاية عندما كان بإمكان الصيادين الوصول إلى المناطق الأعمق من البحر التي تحتوي على أعداد أكبر من الأسماك، لكن مع تضييق الحصار وتقييد المساحات البحرية المسموح للصيادين بالعمل فيها، لم يعد بإمكانهم استخدام هذه التقنية بشكلها التقليدي. ولهذا السبب، لجأوا إلى تعديلها عبر استخدام ثلاجات تالفة بدلاً من القوارب، مع تثبيت كشافات ضوئية على جدرانها لجذب الأسماك المتبقية في المياه القريبة من الشاطئ.
نجاح محدود في ظل التحديات المستمرة
رغم أن استخدام الثلاجات التالفة يعتبر ابتكارًا جديدًا لمحاولة التغلب على قيود الحصار، إلا أن نسبة نجاح هذه الطريقة لم تتجاوز 30%، ويُعزى هذا النجاح المحدود إلى العديد من الأسباب، أبرزها قلة الأسماك في المناطق الساحلية القريبة من الشاطئ مقارنةً بالأعماق البحرية التي أصبحت بعيدة المنال بالنسبة للصيادين، فبسبب القيود المفروضة من قبل الاحتلال، لا يمكن للصيادين الوصول إلى المياه الأعمق التي تكون عادة مليئة بالأسماك الكبيرة، هذه الأسماك، التي كانت في السابق المصدر الرئيسي لرزق الصيادين، أصبحت الآن بعيدة عن متناولهم، مما يحد من كميات الصيد ويؤدي إلى تراجع مداخيلهم.
في مقابلة أجريت مع أحد الصيادين، محمد، الذي كان من أوائل من لجأوا إلى استخدام الثلاجات التالفة لجذب الأسماك، قال: “في ظل القيود المفروضة علينا، لم نعد قادرين على دخول أعماق البحر، لذا ابتكرنا فكرة الثلاجات لجذب الأسماك التي تبقت بالقرب من الشاطئ. رغم أن نسبة نجاحها ضئيلة ولا تتجاوز 30%، فإنها تبقى أفضل من عدم الصيد على الإطلاق.” وأضاف: “الاحتلال لم يترك لنا فرصة للرزق؛ زوارقهم تلاحقنا باستمرار، حتى على بعد أمتار قليلة من الشاطئ. يصادرون ثلاجاتنا وكشافاتنا بحجة أنها أدوات غير قانونية، ونحن نعمل بمعداتنا البسيطة لأننا لا نملك خيارًا آخر”.
تحديات إضافية تؤثر على مهنة الصيد
إلى جانب القيود البحرية، يواجه الصيادون في غزة تحديات أخرى تفاقم من أوضاعهم المعيشية، فالاحتلال الإسرائيلي لم يتوقف عند حدود تقييد دخولهم إلى البحر، بل يستخدم زوارقه الحربية لمطاردة الصيادين على بعد أمتار قليلة من الشاطئ، حيث يتعرضون لمضايقات مستمرة تتراوح بين إطلاق النار عليهم واعتقالهم، وصولاً إلى مصادرة القوارب والمعدات التي يستخدمونها في الصيد، بما في ذلك الثلاجات التالفة والكشافات الضوئية، كل هذه الظروف القاسية دفعت العديد من الصيادين إلى ترك المهنة، التي أصبحت مهددة بالانقراض في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وارتفاع معدلات البطالة في القطاع.
وعن السبب الرئيسي وراء قلة كميات الصيد، قال محمد: “الأسماك الكبيرة والصالحة للبيع تتواجد في المياه العميقة، لكننا لا نستطيع الوصول إليها بسبب المخاطر والمطاردات. لهذا السبب، الكميات التي نصطادها بالكاد تكفي لإعالة عائلاتنا، الوضع الاقتصادي سيئ للغاية، ونحن نحاول الصمود بأقل الإمكانيات المتاحة”.
مستقبل غامض للصيد في غزة
رغم المحاولات المستمرة للصيادين للتكيف مع الظروف الصعبة والابتكار في استخدام أدوات بديلة مثل الثلاجات التالفة، إلا أن مهنة الصيد في غزة تبقى مهددة، فقد دفعت الظروف الاقتصادية المتدهورة العديد من العائلات إلى الابتعاد عن هذه المهنة، بينما يواجه العاملون فيها تحديات معيشية صعبة في ظل تراجع كميات الصيد وارتفاع تكاليف المعيشة. الاحتلال لا يزال يفرض قيودًا صارمة على الصيادين، مما يجعل مستقبلهم غامضًا في ظل استمرار الحصار.
ومع استمرار هذه الظروف القاسية، يبقى السؤال: إلى متى يمكن للصيادين الاستمرار في استخدام هذه الأساليب البديلة؟ وهل ستتحسن أوضاعهم الاقتصادية في المستقبل القريب؟ أم أن مهنة الصيد في غزة ستظل مهددة حتى انتهاء الحرب وتغيير الظروف السياسية والاقتصادية في القطاع؟