الرئيسيةتقارير

«العراقيب».. القرية الفلسطينية الصامدة التي رفضت أن تموت أكثر من 200 مرة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الخامسة للأنباء – تقرير محمد وشاح

لا يزال أهالي قرية أم العراقيب الفلسطينية، في بئر السبع، متمسكون بأرضهم بشكل أسطوري في وجه العصابات الصهيونية، بعد هدم تلو الأخر على مدار 12 عاماً، بزعم أنها قرية غير معترف بها، إلى أن وصل عدد المرات التي هدمت بها القرية إلى 204 مرات.


القصة الكاملة لـ”قرية العراقيب” الفلسطينية؟

قرية العراقيب تقع في شمال مدينة بئر السبع، في النقب جنوب فلسطين المحتلة، حيث تبلغ مساحتها أكثر من 200 ألف متر مربع، وتُعد قرية العراقيب واحدة من 45 قرية عربية في النقب لا تعترف إسرائيل بها وترى وجودها “غير شرعي”، وهي معاقبة وممنوعة من المياه والكهرباء والمواصلات، وغيرها من الخدمات.

ويعيش في العراقيب 22 عائلة، ويُقدر عددهم نحو 800 شخص، وتشكل الأغنام والمواشي مصدر رزقهم الوحيد، نتيجة لطبيعة الأرض الصحراوية التي تفتقر إلى جميع الخدمات الأساسية، كما يعيشون في بيوت من الصفيح والأخشاب والبلاستيك، حيث يقول أهالي القرية إنه لا توجد إمكانية لإقامة منازل من الطوب كما كان في السابق، لأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل هدم قريتنا بشكل دائم.

بدأت معاناة قرية العراقيب والقرى المحيطة بها منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، فبعد أن احتلت العصابات الصهيونية الأراضي الفلسطينية عام 1948، حاولت سلطاتها بشكل حثيث إخلاء أراضي النقب بالقوة من سكانها الأصليين.

وتعرضت الأراضي الفلسطينية في العراقيب للإستيلاء بموجب “قانون حيازة الأراضي” لعام 1953، مثل العديد من القرى الأخرى. فيما قالت إسرائيل إنَّ الأراضي في النقب، التي كان يعيش فيها أصحابها الفلسطينيون بين 15 مايو/أيار 1948 و1 أبريل/نيسان 1952، مملوكة للحكومة الإسرائيلية التي صادرت 247 كيلومتراً مربعاً في تلك المنطقة.

ووفقاً لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فإن السجلات التاريخية الجديدة كشفت أنَّ الفلسطينيين في تلك الفترة تعرضوا للترحيل القسري على يد القوات الإسرائيلية التي نشرت التهديدات والعنف والرشوة والاحتيال.

صمود أسطوري في وجه العصابات الصهيونية

في صباح يوم الثلاثاء 27 تموز/يوليو 2010، استفاق سكان قرية العراقيب على صوت الجرافات “الإسرائيلية” التي بدأت بهدم نحو 40 منزلاً وأخلت نحو 300 من سكانها، بحجة “البناء دون ترخيص، فأعاد سكان قرية العراقيب بناءها مجدداً، ليتم هدمها مرة بعد أخرى، حتى وصل عدد المرات التي تعرضت فيها القرية للهدم في ٱخر إحصائية إلى «204 مرات»، آخرها في 19 يوليو/تموز 2022.

ويَصر أهالي القرية البدوية على التمسك بأرضهم بشكل رهيب، برغم هجمات العصابات الصهيونية، وقطعان المستوطنين، حيث أنهم يقولون سلطات الاحتلال تنوي بناء مشاريع خاصة به على أنقاض القرية، وهو ما سيمحو ثقافة البدو وتراثهم، وهو ما يعني إندثار هويتهم وأحقيتهم في الأرض.

ورغم المواجهات القانونية مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، يقول سكان قرية العراقيب والقرى الأخرى المحيطة بها إن قانون الإحتلال ببساطة لا يعترف بمطالبات البدو بالأرض أو السكن، ويُضيف أحد السكان لوسائل الإعلام إن “هذا ليس سلوك دولة، بل سلوك إجرامي”، مؤكداً أن “سكان القرية يفضلون إنشاء خيام وكرفانات مؤقتة والعيش بها على أي حلول إسرائيلية تخرجهم من أرضهم”.


ماذا يريد الاحتلال من النقب ؟

في السنوات الأخيرة، نقل الجيش الإسرائيلي قواعده إلى النقب في محاولة لتوسيع الوجود العسكري والصناعي هناك، وكوسيلة لزيادة عدد السكان اليهود على حساب السكان العرب الذين لا يزالون متشبثين بأرضهم رغم المحاولات اليومية للتضييق عليهم.

ووفقاً لوسائل الإعلام “الإسرائيلية”، فإن حكومة الاحتلال استثمرت موارد ضخمة في مدينة بئر السبع، أكبر مدن الجنوب، لتحويلها إلى مركز للتكنولوجيا وريادة الأعمال والصناعات المتقدمة لخدمة كيانهم المزعوم.

حيث أصبحت النقب المحتلة موطناً لمجموعة واسعة من المشاريع الإسرائيلية، بما في ذلك مزارع الطاقة الشمسية ومحطات الطاقة والصوبات الزراعية والصناعات الأخرى. وأعربت حكومة الاحتلال عن اهتمامها بدعم زراعة محاصيل الماريغوانا الطبية والتصنيع والدفاع الإلكتروني.

يُشار إلى أن اللاعبين الرئيسيين في عملية «إعادة بناء النقب»، هو الصندوق القومي اليهودي (JNF)، وهي منظمة مقرها الولايات المتحدة والقدس المحتلة، تمنح سلطات حكومية خاصة من قِبَل حكومة الاحتلال لشراء الأراضي وتطويرها للاستيطان اليهودي.

يُشرف أيضاً هذا الصندوق القومي اليهودي على العديد من المشاريع في أنحاء المنطقة، وغالباً ما يزيل مساحات شاسعة من الأراضي لبناء الغابات. وتوجد بعض التجمعات البدوية غير المعترف بها في مناطق محددة للإخلاء بسبب مشاريع.
ووفقاً للصندوق الذي يقدم مخطط النقب، فإن الصندوق لديه خطة لتوطين 500.000 شخص يهودي في المنطقة.

ويقول الصندوق: “تمثل صحراء النقب 60% من مساحة إسرائيل، لكنها موطن لـ8% فقط من سكان البلاد، وفي هذه الأرقام غير المتوازنة، نرى فرصة غير مسبوقة لإنماء المنطقة”.

تقدم خطة الصندوق القومي اليهودي “مخطط النقب” لدعم المجتمعات البدوية في المنطقة، لكنها تسرد فقط الشراكات مع البلدات البدوية المعترف بها، وليس تلك الممنوعة عنها الخدمات الأساسية؛ لأنها ترفض الانصياع لبطش الاحتلال والخروج من أرضها.


يُشار إلى أن أحداث قرية العراقيب الفلسطينية ليست جديدة أو وليدة اللحظة، إنما هي استكمالًا للتصعيد الدموي الذي يشنه الاحتلال في مناطق الضفة والقدس وقطاع غزة ضد شعبنا، والتي تهدف بالأساس إلى إنهاء الوجود الفلسطيني، ومنعه من ممارسة حقوقه التي كفلتها القوانين الدولية، أبرزها حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وحق العودة للديار التي هُجر منها قسرًا.

و يستدعي ذلك وجود تحرك شعبي لكافة الساحات المحلية والدولية، وأن يكون هناك دور فاعل للدبلوماسية الفلسطينية نحو تعزيز مكانة المقاومة الشعبية دوليًا، ودورها في إيصال الرسائل السياسية والإنسانية والتنظير لها أمام العالم من خلال إشراك المؤسسات الحقوقية والإعلامية، والعمل على تشكيل مجموعات الضغط على الاحتلال.


ليبقى السؤال الأبرز أين يفرُّ الفلسطيني من قدره في مواجهة أنياب الجرافات التي تنهال على قرية “العراقيب” دون توقف وتطيح بها أرضًا في ظل سياسة التهويد والاستيطان المستمرة منذ أكثر من 75 عاماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى