المصور الصحفي أيمن الجدي.. الذي وثّق الحرب حتى لحظة استشهاده
عدسة لم تُكمل الحكاية: استُشهد أيمن وبقيت الصورة
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

المصور الصحفي أيمن الجدي.. أقمار الصحافة إعداد: آمنة غنام
في غزة كل شيء غير عادي ففجأة تنقلب لحظات الفرحة والترقب إلى فاجعة تدمي القلب .. الشهيد أيمن الجدي كانت تفصله ساعات قليلة ليحتضن بكره ولكن آلة الموت الإسرائيلية كانت بالمرصاد، لتكتب مأساة جديدة عن طفل يُتِّم قبل أن يقشع مرآه النور وعن أب لم يسعفه الوقت ليحمل نجله .
ولد الشهيد أيمن نهاد الجدي في الثاني والعشرين من يوليو لعام 1997، في حي الشجاعية شرق غزة، و درس دبلوم الصحافة في جامعة الأزهر بغزة، وكان يأمل في مواصلة دراسته للحصول على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام.
بدأ الشهيد عمله كمصور صحفي ومراسل ميداني، معتمدًا على تقنية “صحافة الموبايل” التوثيقية، وعمل مع عديد من الوسائل الإعلامية المحلية والدولية، خاصة مع اندلاع طوفان الأقصى الذي رافقه النزوح المتكرر والظروف الكارثية في قطاع غزة .
التزم بتغطية الأحداث بسلوك مهني عالي، رغم ظروف الحرب، وقدرته على توثيق اللحظات المؤثرة من خلال صوره كانت سببًا لنيله تقديرًا إعلاميًا واسعًا حيث حصل على جائزة أفضل صورة صحفية لعامي 2017 و2023.
كما كانت صفحاته الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي نافذة تعكس كل ما يدور في قطاع غزة من مآسي ومجازر.
وقت قصير..
بعد أن طالت أمد الحرب قرر الشهيد أيمن أن يتزوج فالنزوح والحرب والموت أطفأ الفرحة في غزة، إلا أنه أصر أن يؤسس عائلة لعله يتغلب فيها على الظروف القاهرة حيث كان يردد: “أريد أن يكون لي بيت وأُسرة ولو لوقتٍ قصير قبل أن أموت” ، فأخذ عروسه في صمت دون أي مظهر من مظاهر الفرح تقديرًا لدماء الشهداء التي تراق يوميًا في غزة.
بعد عدة أشهر من زواجه، حملت زوجته، وكان ينتظر بفارغ الصبر مولوده الأول، وبسبب ظروف عمله كان يتساءل هل سأعيش لليوم الذي تلد فيه زوجتي؟ كان يتحسس بطنها ويحسب الأيام المتبقية لرؤية طفله، وكان يناديه “بلال” تيمنًا باسم صديقه الشهيد المصور بلال رجب .
قبل أيام من استشهاده، سجّل أيمن مقطع فيديو مؤثرًا قال فيه: “موعد ولادة طفلي سيكون 25 ديسمبر 2024، وأتمنى أن أكون حيًّا حينها.”
رحل أيمن .. وولد أيمن جديد ليكون الصغير شاهد على وجع سببه الاحتلال في قاموس التضحيات الفلسطينية .
ليلة الرحيل ..
كانت زوجته في قسم الولادة تقاسي آلام المخاض بينما كان أيمن ينتظر خبر ولادتها في سيارة البث الخارجي الخاصة بفضائية القدس عند البوابة الخارجية لمستشفى العودة وسط القطاع، مع زملائه الشهداء : فيصل أبو القمصان وإبراهيم الشيخ خليل وفادي حسونة ومحمد اللدعة.
في الساعة الثانية فجرًا من يوم 26 ديسمبر 2024 انطلقت صواريخ الاحتلال لتضرب السيارة بمن فيها لتحولهم في دقائق إلى جثامين وأشلاء متفحمة، حيث كانت السيارة تحتوي على أجهزة بث فضائي وأجهزة مونتاج، مما أدى إلى اشتعال النيران فيها بكثافة.
لم تعلم الزوجة المكلومة في الساعات الأولى لولادة طفلها أنه زوجها استشهد، حيث خاف ذويها أن تصاب بانتكاسة فأجلوا الخبر، ولكن عندما وقع عليها الخبر تقبلته صابرة ثابتة مسمية طفلهما باسم فقيدها “أيمن “.
قالت عنه والدته : “كان تقيًا نقيًا، وفيًا لعمله ومخلصًا له بصورة لن تصفها غير طريقة موته، فهو لم يغادر الميدان، حتى في اليوم الذي تزوج به، دون أي مراسم للعرس احترامًا لدماء الشهداء، دون أغاني وزغاريد، دون زينة وتوزيعات للمعازيم، دون بيت، بل في خيمة وعلى فراش أرضي تبلّل في أول يومٍ أمطرت فيه سماء غزة”.
أيمن، الذي ظل حتى اللحظة الأخيرة يمسك بالكاميرا لا بالبندقية، كان شاهدًا لاجتياح الألم، ووثيقةً حية على بشاعة الحرب.. استُشهد وهو يوثّق، وترك خلفه صورةً لا تموت: صورة أبٍ لم يرَ طفله، وصورة صحفيٍّ دفع حياته ثمنًا للكلمة والصورة والرسالة.
توثيق الجريمة
بينما كان شقيقه عمر ينتظر خارج المستشفى أن يرى حفيدهم الجديد، لم يكن يعلم أنه سيكون الشاهد الأول على استشهاد شقيقه في جريمة حرب متكاملة الأركان، فعلى الرغم من أن سيارة البث تحمل كلمات press , TV ، إلا أن الاحتلال مصمم على اغتيال كل منصات الحقيقة في غزة.
انفجر الصاروخ.. لم يدرك عمر في بداية الأمر أن الاستهداف كان في السيارة التي فيها شقيقه وزملائه ، ليبدأ بعدها بالصراخ ” اخوي أيمن أخوي “، لم تسعفه قدماه على التقدم أكثر فالنار اشتعلت بشدة محولة السيارة بمن فيها الى كتل مفتحمة.