المقترح الأمريكي وتكلفة الرفض: الفلسطينيون أمام معادلة الدم والقرار

في ظل استمرار المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وما يعانيه الغزيين من قصف وحصار وتجويع، تتوالى المواقف بشأن مقترح التهدئة الذي قدّمه الوسيط الأمريكي ستيف ويتكوف، وسط ارتفاع الأصوات المطالبة بقبول المقترح باعتباره فرصة لتقليل الخسائر وإنقاذ الأرواح.
التماشي مع المقترحات ليس هزيمة
السياسي والدبلوماسي الفلسطيني عدلي صادق يرى أن ما يحدث في غزة لا يشبه أي حرب سابقة من حيث وحشية القتل وتواطؤ المجتمع الدولي، مؤكداً أن “الجيش الجبان” الإسرائيلي يستهدف كل ما هو إنساني، من المسعفين إلى المستشفيات، ويستعين باللصوص والحثالات على حد وصفه. واعتبر صادق أن الشعب الفلسطيني، رغم وحدته المعزولة، ليس مثله شعب في الصبر والصمود، وأن العدو إذا لم يُهزم عسكرياً، فإنه سيسقط أخلاقياً وإنسانياً من داخله.
وأكد أنه لا نقيصة ولا حرج في التماشي مع مقترحات مرحلية، إن كانت تُفضح هذا العدو وتعرّيه أمام العالم، وتُمهّد لزواله، مشدداً على أن دماء الأطفال والضحايا ستلاحق هذا الكيان، وعلى دول المنطقة أن تدرك حدود كرامتها وتتحسّس دورها في هذه المعركة الإنسانية.
حماس بين الرفض والموافقة الاضطرارية
يشير الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله إلى أن حركة حماس تعيش مأزقاً غير مسبوق منذ بدء الحرب، إذ تجد نفسها غير قادرة على قبول عرض سبق أن رفضته واعتبرته ناقصاً، ولا على رفضه مجدداً في ظل تهديدات إسرائيل باجتياح رفح وسحق ما تبقى من القطاع. ويرى عطا الله أن خيارات الحركة محدودة، وأن القبول بالمقترح “أقل فداحة” من استمرار الرفض الذي قد يدفع نحو مزيد من الكوارث الإنسانية والتدمير.
خيار الضرورة في لحظة حرجة
الوزير الأسبق والقيادي في حركة فتح الدكتور سفيان أبو زايدة أكد أن المقترح الأمريكي لا يرتقي إلى طموحات الشعب الفلسطيني، لكنه يمثل في هذا التوقيت ضرورة وطنية وإنسانية. واعتبر أن القبول به لا يُعد خضوعاً أو هزيمة، بل هو موقف مسؤول وانحياز صادق لكرامة أكثر من مليوني فلسطيني يواجهون المجاعة والموت.
وأضاف أن فترة الستين يوماً التي يمنحها المقترح قد تتيح تحولات أوروبية ودولية، وتسهم في تسريع الانقسامات داخل حكومة الاحتلال، مما قد يخدم القضية الفلسطينية لاحقاً. وشدد على أن تقليل الخسائر الآن هو نوع من الانتصار السياسي والوطني.
إنقاذ الأرواح أولوية وطنية وإنسانية
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عماد عمر أن كل دقيقة تمر في غزة تُكلّف أرواحاً بريئة، ما يجعل القبول بالمقترح ضرورة لا تحتمل التأجيل. وأكد أن وقف المجازر وإنقاذ النساء والأطفال من شبح الجوع والإبادة يجب أن يكون أولوية فوق أي اعتبار سياسي.
واعتبر عمر أن الموافقة على المقترح تشكّل حاجزاً أمام مخطط نتنياهو لتدمير ما تبقى من غزة وفرض التهجير القسري، مشيراً إلى أن المناورة الذكية لا تقل أهمية عن الصمود في الميدان، وأن فقه السياسة يقوم أحياناً على مبدأ “الضرورات تبيح المحظورات”، خاصة حين تكون حياة الملايين على المحكك.
المقترح فرصة لترتيب الأوراق قبل المجهول
المخرج السينمائي أيمن العمريطي يرى أن المقترح المطروح، رغم عيوبه، يمنح غزة هامشًا من الزمن قد يكون كافيًا لتعزيز الصمود في وجه سياسات التجويع ودفع الناس قسرًا نحو النزوح. ويضيف أن دخول المساعدات على مدار ستين يومًا أو أكثر، يُعدّ تزودًا للطريق الطويل والمصير الغامض، كما يمنح فرصة لإعادة ترتيب الأوراق، وردع اللصوص، وتقليص الفوضى التي قد تفتك بالمجتمع قبل الاحتلال ذاته.
ويشير العمريطي إلى أن القبول بالمقترح لا يعني الاستسلام، بل يمكن أن يُفهم كتبرئة للذمة السياسية أمام الشعب، والتخفيف من حدة اللوم والعتاب، خاصة في ظل انسداد الأفق. كما لم يستبعد أن تحمل هذه الفترة تغيرات إقليمية أو إلهية تقلب الموازين. ويختم بالتذكير بأن لدى المقاومة أوراق قوة لم تُستخدم بعد، من أسرى أحياء وجثامين، ما يعني أن المشهد لم يُغلق تمامًا.