طوفان الأقصىمقالات الخامسة

الواقع.. بين عبثية الحرب وخارطة طريق مفقودة

شبكة الخامسة للأنباء _غزة

بقلم: حميد قرمان

عدم طرح مبادرة سياسية وتجنب الحديث عن حل سياسي أمام حجم الغضب الدولي الداعم للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة مازالا قائمين. وما قامت به حركة حماس يوم السابع من أكتوبر وفق العقلية الإسرائيلية – الأميركية يجب ألا يتكرر أو يعاد بأي شكل من الأشكال. وهو منطلق المرحلة القادمة من العملية العسكرية الإسرائيلية المتعارف عليها الآن بـ“الحرب البرية”، حيث تحشد إسرائيل قواتها على تخوم القطاع مدعومة من عسكريين ومستشارين من جيش الولايات المتحدة لغزوه وللقضاء على حركة حماس ومقاتليها، وهو بالضرورة ما سينعكس على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة بالمزيد من التدمير والقتل.

الدعوات المتكررة إلى وقف الحرب هي نوع من العبث السياسي، إن لم ترفق بمبادرة سياسية واقعية قابلة للتنفيذ تجنب القطاع استمرار الحرب وتدميره وتهجير الشعب الفلسطيني منه، وتمنع تطورها – أي الحرب – واتساعها إلى جبهات متعددة تحرق من خلالها دول الشرق الأوسط الواقعة في دائرة الصراع سياسيا واقتصاديا. الأمر مرهون بنَزَق أو رعونة تصدر عن أحد الأطراف وتشتعل الحرب.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

لذلك قطع الطريق الآن ضرورة خاصة على المستفيد الأول مما يجري من صراع. وهنا أقصد إيران، التي خططت وساهمت بشكل مباشر بما قامت به حركة حماس. وهذا أمر لا يحتاج إلى أي تأكيد من جهاز استخباراتي أو سياسي غربي، فأهل مكة أدرى بشعابها. وطبيعة هذه العمليات تكون محددة بأشخاص ذوي مستوى سياسي وأمني عال، لا يسمح لهم عادة بتداولها في سياقات أمنية وسياسية منخفضة، والتي تعتمد عليها أجهزة الاستخبارات في جلب المعلومات، لكن المعضلة الحقيقية اليوم هي استمرار محاولات إيران تأجيج الصراع ونقله إلى جبهات أخرى من خلال السماح لأدواتها وميليشياتها باستهداف القوات الأميركية في المنطقة بعمليات عسكرية ذات نسق محدود الوتيرة. عندها لن يتوقف الأمر عند ذلك بل ستتصاعد وتيرته ليستهدف دولا عربية كالسعودية من خلال ميليشيات الحوثي، أو يستهدف الأردن من خلال ميليشيات عراقية وسورية.

الغاية الإيرانية من كل ذلك إدارة المشهد السياسي والأمني الشرق أوسطي من خلال الجلوس مع الولايات المتحدة على طاولة مفاوضات الشرق الأوسط الجديد الذي ترسمه الولايات المتحدة عبر حليفتها إسرائيل بدعم أوروبي، وهو ما علينا إدراكه بعيدا عن عاطفة الشعوب العربية وغوغائيتها، فلا أحد يهتم بأطفال ونساء وشيوخ الشعب الفلسطيني الذي يذبح في قطاع غزة. ارتقوا بوعيكم. كلها مصالح وأجندات وسياسات إقليمية ودولية، فالدول ليست جمعيات خيرية لتتباكى على صور المآسي والضحايا. في المقابل فإن الهدف الإسرائيلي يكمن في إفراغ القطاع من سكانه، وإضعاف الميليشيات الإيرانية في المنطقة، خاصة ما يهدد أمنها القومي بشكل مباشر. وهي مصلحة أميركية في الوقت الراهن، لكي لا تكون إيران رقما صعبا في معادلة الشرق الأوسط الجديد.

كل ما سبق هو أجزاء من مشهد هنا وهناك، لكن الواقع أصعب من ذلك بكثير بجسامته ومَشقّاته، وهو ما يتطلب خارطة طريق سياسية، تشبه إلى حد كبير ما طرحته الولايات المتحدة عام 1982 في بيروت لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان آنذاك.

مجددا، الواقع يتطلب مبادرة مغلفة بالسياسة الواقعية لخارطة طريق قابلة للتنفيذ تمنع المخططات الإسرائيلية وتوقف الدعم الأميركي لها، وتوقف الحرب والعدوان، وتمنع تهجير الشعب الفلسطيني من القطاع، وتقطع الطريق أمام الأجندات الإيرانية الهادفة إلى إشعال المنطقة والسيطرة عليها من خلال ميليشيات تتحكم بالقرار السياسي لبعض دول المنطقة ذات التأثير الجيوسياسي. لذلك نحن في حاجة إلى خارطة طريق تعيد بناء عناوين العملية السلمية بين جميع الأطراف لتصل بنا نحو سلام حقيقي وعادل. وهذا بالضرورة يتطلب سياسيين وقادة قادرين على طرح المبادرة وفرضها في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى