اليوم العالمي للمياه.. في ظل تغيّرات مناخية حادة
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: عقل أبو قرع:
ويتم الاحتفال هذا العام، تحت شعار»أهمية تسريع التغيير فيما يتعلق بالمياه والصرف الصحي»، التغيير الذي يتم على مستوى الفرد والعائلة والمدرسة والمجتمع والسياسات وصانعي القرار، من أجل الحفاظ على المياه بالجودة المطلوبة ومن أجل التنمية المستدامة، التي تعتبر المياه بتوفرها وبجودتها من أهم دعائمها، ويمر اليوم العالمي للمياه هذا العام في ظل تغيرات مناخية عنيفة تعصف بالعالم، أدت إلى ارتفاع درجة الحرارة وقلة الأمطار والجفاف والتصحر، وبالتالي تضاؤل مستويات وجودة مصادر المياه الجوفية، وتأثير ذلك على الصحة والأمن الغذائي والنظام البيئي.
وفي فلسطين يحتل موضوع المياه أهمية خاصة، وذلك بسبب شحّة مصادر المياه، وتدهور جودتها خاصة في قطاع غزة، وكذلك لأنها أحد مواضيع مفاوضات المرحلة النهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي ما زالت مؤجلة أو لا تبدو في الأفق لأجل غير مسمى، والتي يسيطر الجانب الإسرائيلي على أكثر من 80% منها، سواء خزانات المياه الجوفية أو مصادر المياه السطحية.
ومع شحّة المياه في بلادنا، فإن الاهتمام بجودة وسلامة المياه من المفترض أن يضاهي بل يزيد على الاهتمام بتوفر أو كمية المياه، لأنه لو تم إهمال جودتها، فلن تجدي كمية المياه المتوفرة في تحقيق أهدافها سواء أكانت للاستخدام البشري أو غيره، ويجب التركيز على إجراءات الوقاية من التلوث، لأنه في حال حدوث التلوث ستكون المضاعفات والخسائر الناتجة عن ذلك وخيمة، حيث تؤكد تقارير دولية ومحلية أن حوالى 95% من المياه في قطاع غزة غير صالحة للاستهلاك البشري، بسبب زيادة الملوحة، وكذلك بفعل التلوث الناتج عن وصول مياه الصرف الصحي والأسمدة والمبيدات إليها.
وفي بلادنا، نعرف أن غالبية مصادر المياه جوفية، وحسب بيانات تصدر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن حوالى 85% من مصادر المياه المستخدمة في بلادنا جوفية، وحصة المواطن الفلسطيني من المياه حوالى 84 لتراً في اليوم، وتقل عن النسبة الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية للفرد وهي 100 لتر في اليوم، وإن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على حوالى 80% من مصادر المياه الفلسطينية، ومن ضمنها ضفة نهر الأردن الذي يعتبر مصدر المياه السطحية المتوفرة للفلسطينيين.
وموضوع تداعي جودة وكمية المياه يستدعي وبشكل طارئ وكأولوية التعامل مع موضوع إدارة المياه، حيث إن تلوث المياه في قطاع غزة على سبيل المثال، ينتج عن عدم التخلص السليم من المياه العادمة، حيث تجد بشكل أو بآخر طريقها إلى المياه الجوفية، وكذلك نتيجة الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية والأسمدة والمخلفات الصناعية، حيث إنه بفعل مياه الأمطار أو الري تتسرب المواد الكيميائية من خلال التربة الرملية لتصل في المحصلة إلى المياه الجوفية، بالإضافة إلى احتمال تسرب المياه المالحة من البحر إليها.
يضاف إلى ذلك في غزة، التلوث الناتج عن إلقاء الآلاف من المواد الكيميائية المتفجرة على القطاع خلال الحروب الأخيرة، حيث تترسب هذه المواد في التربة، ومع الزمن من خلال حبيبات التربة الخفيفة في القطاع تجد طريقها إلى خزانات المياه الجوفية، وحسب أحد التقارير الصادرة عن منظمة دولية قبل فترة، فإن حوالى 20% من الأطفال في قطاع غزة يعانون من أمراض لها علاقة بتلوث وجودة المياه، وأن أمراض الكلى تنتشر بشكل كبير وبالأخص عند النساء.
ويزداد موضوع إدارة المياه أهمية، في ظل تداعي تأثير التغيرات المناخية وشحّة الأمطار، وبالتالي تضاؤل مصادر المياه الجوفية عندنا، وكذلك في ظل مواصلة تحكم الجانب الإسرائيلي بمصادر المياه الجوفية، وبالتالي محدودية حفر آبار جوفية جديدة، فإن الإدارة السليمة للمياه المتوفرة من حيث الحفاظ على الكمية والجودة، تعتبر أمراً مهماً، وهذا يعني إجراء فحوصات لتحديد نوعيتها وملاءمتها، وكذلك لبيان مدى جودتها، وإذا كانت صالحة أي غير ملوثة للاستخدام، وإذا كانت صالحة فلأي استخدام.. في الزراعة، في الصناعة، للشرب؟ وهذا يعني كذلك الاستفادة من مياه الأمطار التي تهطل علينا مجاناً من حيث إنشاء مشاريع ذات مستوى وطني، لتجميع مياه الأمطار في خزانات أو آبار كبيرة.
وفي ظل الاحتفال باليوم العالمي للمياه، تحت شعار تسريع التغيير من أجل الحفاظ على المياه وتوفرها للناس وللتنمية، فإن هذا يعني في بلادنا التعاون والتنسيق بين العدد الكبير من المؤسسات والمجالس والهيئات الفاعلة الرسمية وغير الرسمية في مجال المياه من زوايا مختلفة، ما يعني كذلك الإدارة والاستخدام السليم للمياه العادمة ومياه الصرف الصحي، وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نحتاج إلى التوعية في استخدام المياه، من حيث طبيعة الاستخدام وترشيد الاستهلاك، بحيث يحس المواطن الفلسطيني بمدى أهمية سلعة المياه، والتي يبدو أننا لا نعرف قيمتها إلا حين نفتقدها أو نحس بشحّتها أو تدني نوعيتها وتلوثها، ومن الواضح أن الحاجة إلى المياه الصالحة سوف تزداد مع ازدياد البشر، وازدياد نشاطاتهم، وفي نفس الوقت مع بقاء محدودية مصادرها وكميتها على ما هو عليه الآن، ومواصلة سيطرة الاحتلال الإسرائيلي عليها، في ظل هذه التغيرات المناخية التي تعصف بالعالم.



