انتفاضة الحجارة.. أول غيث المقاومة الفلسطينية
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

خاص الخامسة للأنباء – تقرير روان الرنتيسي:
ثورة شعبية على المحتل الإسرائيلي شارك فيها أكثر من نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، ليقع فيها 120 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح وأسير، حاول 80 ألف جندي إسرائيلي كبح انتفاضة لم تهمد لسنوات، فجروا البيوت وكسروا العظام واستخدموا كل أنواع التنكيل، هذه حكايات من انتفاضة الحجارة التي بدأت عام 1987 بعد أربعين سنة على النكبة والتهجير و20 سنة على النكسة والاحتلال، وقد انطلقت شرارة انتفاضة الحجارة الأولى من مساجد قطاع غزة، وكانت شكلاً من أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني على الوضع العام المزرى بالمخيمات الفلسطينية المحتلة التي عانت من وطأة القمع الإسرائيلي الهمجي.
• سبب انطلاق انتفاضة الحجارة
ويعود سبب الشرارة الأولى للانتفاضة، قيام سائق شاحنة إسرائيلي بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز إيريز، والذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي فلسطين منذ سنة 1948، مما أودى بحياة أربعة أشخاص وجرح آخرين.
وفي اليوم التالي، وخلال جنازة الشهداء اندلع احتجاج عفوي قامت الحشود خلاله بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الإسرائيلي بجباليا – البلد فقام الجنود بإطلاق النار دون أن يؤثر ذلك على الحشود، وأمام ما تعرض له من وابل الحجارة وكوكتيل المولوتوف، طلب الجيش الدعم، وهو ما شكل أول شرارة للانتفاضة.
ويُضاف إلى سبب انطلاق الانتفاضة الأول، وجود الاحتلال الإسرائيلي ذاته، والذي دام أكثر من عشرين عاماً مارس فيها الاضطهاد والظلم وكل ما هو لا إنساني بحق الشعب الفلسطيني، فالاحتلال المستمر ولّد ضغطاً نفسياً ازداد شيئاً فشيئاً، مما أدى الى اندلاع انتفاضة الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى الحصار السياسي والعسكري الذي أحاط بمنظمة التحرير الفلسطينية، والممارسات العدوانية الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
ويذكر أن الانتفاضة الأولى بدأت في الثامن من كانون أول (ديسمبر) من عام 1987م، وهدأت في العام 1991، وانتهت بتوقيع اتفاقية أوسلو بين الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993م، وقد استخدم مصطلح “انتفاضة” لأوّل مرّة لوصف الثورة الشعبية الفلسطينية في أول بيان صدر عن حركة “حماس”، والذي تم توزيعه في غزة يوم 11 ديسمبر 1987م.
• سمات ومظاهر الانتفاضة
اتسمت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية العارمة في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ اندلاعها بالشمولية والاستمرارية وترسيخها لحقيقة بارزة مفادها أن جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والجليل والمثلث والنقب بدت أكثر من أي وقت مضى موحدة في مواجهة الاحتلال ورفضه، ملتزمة بموقف سياسي موحد قاعدته وحدة المصير، وأهدافه تحقيق الاستقلال الوطني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل مكان وجوده.
• أسلوب المقاومة الشعبية:
منذ لحظة تفجر الانتفاضة، كان هدفها إجلاء قوات الاحتلال الاسرائيلي عن أراضي فلسطين، وتمكين الشعب الفلسطيني من بناء دولته، وفق اختياره الحر للنظام الذي يريده فيها، وأن استمراريتها مرهونة بتحقيق هذا الشرط أولاً، وعندما كانت العدوانية هي جوهر تعامل الاحتلال الاسرائيلي، من خلال ممارسة المزيد من الارهاب والقمع والتقتيل والإبعاد والعقوبات الجماعية للسكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ظنناً منها بأنها ستتمكن من وأد الانتفاضة قبل أن تنمو ولكن ما حدث هو العكس، بفعل إرادة الصمود والاصرار الثوري الفلسطيني.
لقد كان ميدان الكفاح هو المدرسة الرئيسية الأولى للإعداد النضالي للكادر الفلسطيني، وهو نفسه المعلم للأشكال الواجب استخدامها في خوضه، وللأدوات التي يجب استعمالها في كل موقعه، وفي ظروف كتلك التي تعيشها الأراضي الفلسطينية اقتضى الأمر أن يتعلم الشباب فن المقاومة بممارسة المقاومة في مختلف الأشكال المطلوبة وأن تستخدم الجماهير من امتلاكاتها الذاتية كل ما تعتقد أنه بالإمكان استخدامه سلاحاً ضد العدو الاسرائيلي مهما كان مستوى بدائيته، ككتابة الشعارات الوطنية على الجدران، والمظاهرات، والاعتصامات، والاضرابات، وإقامة الحواجز، ورمي الحجارة، وإحراق الاطارات، ورفع العلم الفلسطيني فوق أسطح المنازل وعلى أعمدة الكهرباء، وحمل صور الزعيم أبو عمار وإجادة الهتاف والنشيد، ورفع صور الشهداء.
• أسلحة المقاومة:
استطاع الشعب الفلسطيني أن يبتكر الوسائل القتالية المناسبة لمواجهة جيش الاحتلال الذي بدوره لم يدخر جهداً في كشف هذه الوسائل وقمعها بالطرق الهمجية والإرهابية التي جوبهت بمقاومة فلسطينية وبوسائل قتالية جديدة. وقد استخدم الشعب الفلسطيني عدة أدوات في صدامه مع قوات الاحتلال منها الحجر فقد كان أكثر أسلحة الانتفاضة شهرة وعلى الأخص في المصادمات أثناء التظاهرات الصاخبة مع قوات الاحتلال، كما اعتمدت الانتفاضة سلاحًا جديدًا غير مرئي يتمثل في الالتحام الشعبي اللامثيل له برفض الاحتلال، بكل الوسائل الممكنة للتعبير عن الرفض والغضب، وقد كان السكين أكثر أسلحة المقاومة الشعبية استعمالا بسبب وجوده في كل بيت، وتم استخدام الزجاجات الفارغة بعد تجهيزها بمواد أولية متفجرة ومشتعلة أحد التقاليد الموروثة في الحرب الشعبية فلقد استعمل الشعب الفلسطيني الزجاجات الفارغة كأحد أسلحة المقاومة منذ وقت مبكر مما مكنه من تطوير كيفية استخدام هذا السلاح من زجاجة حارقة إلى زجاجة متفجرة، والى زجاجة حارقة ومتفجرة معاً.
كما بادرت القيادة الموحدة للانتفاضة بأسلوب جديد في المقاومة الشعبية وهو القيام بفعاليات حرق المرافق والمنشآت الزراعية والصناعية الإسرائيلية بما في ذلك الغابات والمراعي، بالإضافة إلى استخدام المقاومة سلاح العوائق والمصيدة ضد السيارات العسكرية الإسرائيلية.
• احصائيات ومعطيات:
تشير الاحصائيات إلى استشهاد 1550 فلسطينياً، واعتقال 100000 فلسطيني خلال الانتفاضة، وأشارت معطيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى أن عدد جرحى الانتفاضة يزيد عن 70 ألف جريح، يعاني نحو 40% منهم من اعاقات دائمة، 65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في احد الاطراف بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف هامة، وكشفت احصائية أعدتها مؤسسة التضامن الدولي أن 40 فلسطينياً سقطوا خلال الانتفاضة داخل السجون ومراكز الاعتقال الاسرائيلية بعد ان استخدم المحققون معهم اساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات.
وصدر عن مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الانسان في الاراضي المحتلة (بيتسيلم)، استشهاد 1346 فلسطينياً من بينهم 276 طفلاً، على أيدي قوات الأمن الاسرائيلية و162 شهيداً على أيدي ما يسمى بالوحدات الخاصة، واستشهاد 133 فلسطينياً على أيدي المدنيين (المستوطنين) الإسرائيليين، كما وتم ترحيل 481 فلسطينياً من الاراضي المحتلة، وتعذيب عشرات الألوف من الفلسطينيين خلال استجوابهم، بالإضافة لإصدار 18000 أمر اعتقال اداري ضد فلسطينيين، وهدم 447 منزلاً فلسطينياً (على الاقل) هدماً كاملاً كعقوبة، وإغلاق 294 منزلاً فلسطينياً (على الاقل) اغلاقاً تاماً كعقاب، وتم هدم 81 منزلاً فلسطينياً (على الاقل) هدماً كاملاً خلال قيام جنوب الاحتلال الاسرائيلي بعمليات البحث عن المطلوبين، وهدم 1800 منزل فلسطيني (على الاقل) بحجة قيام اصحابها بالبناء بدون ترخيص، وارغام عشرات الآلاف من الفلسطينيين المتزوجين من غير المقيمين في المناطق المحتلة العيش بعيداً عن بعضهم البعض، وترحيل مئات الزوجات والازواج والاطفال المقيمين في المناطق المحتلة بحجة انتهاء فترة زيارتهم ولا يملكون بطاقة إقامة، وتقييد زيارة الاقارب للمناطق الفلسطينية.
وبالرغم من همجية الاحتلال الإسرائيلي بكل ما يملك من معدات وأسلحة حربية محرمة دوليًا خلال تلك السنوات، إلا أن أبناء الشعب الفلسطيني سطروا أسمى معاني الجهاد والتضحيات في كل وقت، من خلال دفاعهم عن أرضهم بكل ما أوتوا من قوة وجهاد، وتبقى ذكرى الانتفاضة حاضرة بقلب كل طفل وشاب وشيخ في فلسطين، ولن يهدأ بال أي فلسطيني حتى تحرير أرضه كاملة وطرد الاحتلال الإسرائيلي منها، فالشعب الفلسطيني كل يوم في حياته هو يوم انتفاضة ، طالما ما زال الاحتلال موجود على هذه الأرض.