شبكة الخامسة للأنباء - غزة

تقرير| خاص محمد وشاح,
تصادف اليوم الذكرى الـ35 لإندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 8 من ديسمبر 1987، في مخيم جباليا شمال غزة، وتُعتبر أوسع هبة شعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وسميت بـ”انتفاضة الحجارة” لأن الحجارة كانت أداة الهجوم والدفاع التي استخدمها الفلسطينيون ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
كيف إندلعت الإنتفاضة
إندلعت شرارة الانتفاضة في الثامن من كانون الأول “ديسمبر” 1987 حينما كانت حافلات تقل العمال الفلسطينيين من أماكن عملهم “في إسرائيل” العائدة مساءً إلى قطاع غزة المحتل، على وشك القيام بوقفتها اليومية المقيتة أمام الحاجز الإسرائيلي للتفتيش وداهمتها شاحنة عسكرية إسرائيلية، مما أدى الى استشهاد أربعة عمال وجرح سبعة آخرين (من سكان مخيم جباليا في القطاع) وصب فرار سائق الشاحنة من الحاجز الزيت على نار الغضب في غزة أولا، مع تشييع جثامين الشهداء الأربعة، اندلع بركان الغضب الشعبي من مخيم جباليا حيث يقطن أهالي الشهداء ليشمل قطاع غزة برمته وتتردد أصداءه بقوة أيضاً في الضفة الغربية.
وقد شاركت الطائرات المروحية قوات الاحتلال في قذف القنابل المسيلة للدموع والدخانية لتفريق المتظاهرين، وقد استشهد وأصيب في ذلك اليوم العديد من المواطنين، وفرضت سلطات الاحتلال نظام منع التجول على بلدة ومخيم جباليا وبعض أحياء في قطاع غزة.
الطابع الشعبي للإنتفاضة
تميزت انتفاضة الحجارة بالطابع الشعبي ووحدة الموقف والتعاضد الاجتماعي، وشمولية المواجهة واستمراريتها، واتساع رقعة الاشتباك المباشر مع جيش الاحتلال في كافة المدن والقرى الفلسطينية.
حيث شارك فيها جميع الشرائح المجتمعية والفئات العمرية، فضلًا عن أن سلاحها كان في متناول الجميع «الحجر والمقلاع»، وفي بعض الأحيان السكين والزجاجات الحارقة، قبل أن يتطور لاحقًا إلى السلاح والعبوات المتفجرة.
ومع استمرار المظاهرات والمواجهات اليومية مع قوات الاحتلال دون توقف، بدأ شبان الانتفاضة يكتسبون ثقة أكبر لاستمرارها، وجعلها منهج حياة من خلال الدعوة للمواجهات والإضرابات التي كانت تعم أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، ليشكلوا لجاناً شعبية لقيادتها.
واتسمت انتفاضة الحجارة بالعصيان المدني الواسع، وبالشمولية والسرية والتنظيم الجيد والمشاركة الفاعلة من كل شرائح المجتمع، كما أنها حملت في طياتها بذور التجدد، فدم كل شهيد كان كالوقود يغذي الانتفاضة ويمدها بالقوة لتستمر، وتشديد الاحتلال وقمعه عزز الانتفاضة الشعبية وصاعد من حدتها.
أدوات الإنتفاضة
استخدم الشبان الفلسطينيون حجارة بحجم قبضة اليد سلاحاً لمواجهة جنود والمستوطنين مدججين بالسلاح في شوارع الضفة وغزة، كما استخدموا الإطارات المطاطية لإغلاق شوارع يسلكها جيبات الإحتلال العسكرية خلال اقتحامها المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية.
وتطورت الإنتفاضة إلى استخدام الشبان زجاجات حارقة يخرج منها فتيل مشتعل تسمى “مولوتوف” وتلقى نحو الجيبات العسكرية الإسرائيلية، فتشتعل بها النيران.
ومع اشتداد لهيب الانتفاضة تحولت الجدران إلى أشبه بلوحات إعلانية لكتابة الشعارات الفلسطينية وأيام الإضراب وتصعيد المواجهة وإيصال رسائل القيادة إلى الشارع من خلال نشطاء ملثمين.
وتتشابه الإنتفاضة الأولى إلى حد كبير بالثورة الفلسطينية ضد الإنتداب البريطاني ومخططات الاستعمار الصهيوني عام 1936 من حيث الزخم الشعبي وعنفوان الشعب في مُغتصب أرضه.
العمل المسلح
حاولت فصائل المقاومة الفلسطينية تطوير الانتفاضة لمواجهة إجرام الاحتلال وتغوله ، عبر استخدام السلاح الأبيض والرصاص والمتفجرات.
وكانت أول عملية كبرى هي قتل 3 جنود (إسرائيليين) طعنًا على أيدي أبناء عائلة الكردي في حي الصبرة بمدينة غزة، التي استشهد منها ثلاثة أشقاء.
نفذت المقاومة سلسلة عمليات فدائية من خلال إطلاق الرصاص والكمائن، وكذلك عمليات التفجير، التي أسفرت عن مقتل العشرات من جنود الاحتلال.
العوامل التي أدت لإندلاع الانتفاضة
جاء توقيت إنطلاق انتفاضة الحجارة في ظروف سياسية قاسية وصعب على قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، بعد سنوات من اجتياح لبنان عام 1982م وترحيل القيادة الفلسطينية إلى دولة يونس الشقيقة.
وجاءت أيضاً في وقت كادت فيه «القضية الفلسطينية»، أن تسقط من الأجندة العربية، وكاد أن يغيب الملف الفلسطيني عن طاولة القمم العربية.
وتعرض الشعب الفلسطيني وقيادته لضغوط شديدة وملاحقة الحكم العسكري الصهيوني لهم، واستمرار سرقة الأراضي واستيطانها.
استخدام القوة المُفرطة في قمع الفلسطينيين
ولم تستطِع وقف هذه الانتفاضة واعتقدت أنها باستخدام كم هائل من القوة وإيقاع الإصابات والخسائر في الأرواح تستطيع أن ترهب الفلسطينيين.
واستخدمت العصابات الصهيونية خلال انتفاضة الحجارة سياسة تكسير عظام المتظاهرين، ونفذ عمليات قمع وبطش وحشي لمختلف مناحي الحياة في قطاع غزة والضفة والقدس المحتلة، إلى أنها لم تتعلم الدرس بعد، ولم تقتنع أن القوة الشعبية كبيرة وهائلة ولا يمكن قمعها بالقوة المسلحة، لأن ذلك سيزيد من جدوى المقاومة وعنفوانها.
والنتيجة كانت عدم انطفاء شعلة المقاومة الشعبية، وما زالت مدن الضفة الغربية تشهد المواجهات يوميًا رغم تردي الأوضاع هناك والإشكاليات الكبيرة التي تحول دون أن اندلاع انتفاضة شعبية شاملة.
خسائر الانتفاضة
ارتقى 1550 شهيداً وجرح نحو 70 ألفا خلال انتفاضة الحجارة، وأصيب أيضاً نحو 40% من الجرحى بإعاقات جسدية دائمة، 65% منهم يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف، أو تعرضوا لبتر أطرافهم. وفق توثيق مركز المعلومات الفلسطيني الحكومي.
وخلال الانتفاضة اغتال الموساد الإسرائيلي قادة كبار بارزين ومحركين للانتفاضة، أبرزهم خليل الوزير (أبو جهاد) الذي اغتيل في تونس يوم 16 أبريل/نيسان 1988، وصلاح خلف أبو إياد الذي اغتيل أيضا في تونس في 14 يناير/كانون الثاني 1991، وكلاهما من قيادات حركة فتح الذين أداقو جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين الويلات.
واعترف الاحتلال بمقتل نحو 70 جنديا و99 مستوطناً إسرائيليا بين 1987 و13 سبتمبر/أيلول 1993 يوم توقيع اتفاق أوسلو.
وهدمت قوات الاحتلال 431 منزلاً فلسطينياً بشكل كامل، و59 بشكل جزئي، وأغلقت 386 منزلا بشكل جزئي أو كامل حتى 1993. “وفق منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية”
مدى أهمية الإنتفاضة الأولى
إن انتفاضة الحجارة كانت “مرتكزا أساسياً ومهما في تاريخ الحالة النضالية للشعب، لأنه ولأول مرة منذ الاحتلال الصهيوني عام 1967 يستطيع المجتمع التحرك بشكل جمعي جماهيري في وجه حكومة الاحتلال وعصابات بعد محاولة ترويض الفلسطينيين وإجبارهم على قبول الأمر الواقع”.
حيث أن الانتفاضة “دفعت جميع فئات المجتمع من مثقفين وعامة الشعوب ونخب سياسية للانخراط الفعلي فيها دون تمييز على أساس طبقي أو حزبي”.
و شكلت الإنتفاضة نقطة انطلاق للعمل النضالي التنظيمي “فرغم أن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كانت قائمة قبل الانتفاضة فإن الانتفاضة شكلت فرصة للانطلاق على الأرض حتى تتحول الشعارات إلى عمل نضالي يشمل كافة المدن الفلسطينية المحتلة، وشكلت أيضاً انطلاقة الحركات الإسلامية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وبالتالي ساهمت في إحداث حالة من المنافسة بين التنظيمات.
والجدير بذكره أن الإنتفاضة شكلت “ذاكرة وطنية قوية يمكن تناقلها عبر الأجيال بكل افتخار، واستطاعت أن تحدث فارقا جديداً على الأرض الفلسطينية المحتلة.
نتائج الإنتفاضة
أعادت الإنتفاضة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، في جميع المحافل الدولية، وأعادت الإعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتخطيط لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
حيث أنه في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1988 عقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسة طارئة أُعلنت فيها “وثيقة الاستقلال” والبرنامج السياسي لتمكين الدولة الفلسطينية من ممارسة سلطتها الفعلية على أرضها الفلسطينية، وفق قرارات الأمم المتحدة.
ومن نتائج الإنتفاضة أيضاً، هو إعلان الأردن فك الروابط القانونية والإدارية بين المملكة الأردنية والضفة الغربية المحتلة التي أدارتها بين عامي 1948 و1967، فكانت فرصة لمنظمة التحرير لتعزز وجودها السياسي على جميع المستويات.
وشكلت وعيًا جمعيًّا لدى الفلسطينيين بأن هذا العدو جيش من غبار يجب أن يزول عبر مواجهته بما يملك من وسائل، ولم يجد حينها إلا الحجر لمواجهة جيش الاحتلال، كما أنها شكلت نقطة فارقة على مستوى الإرادة الوطنية والشعبية للشعب الفلسطيني، وأشغلت العدو في كل المناطق ضمن مرحلة نضالية شارك فيها أبناء شعبنا كلهم.
فإن وسائل الانتفاضة من حجر ومقلاع وسكين، وتطور الأمر فيما بعد إلى عمليات تفجيرية واستشهادية هزت كيانهم المزعوم.
ويُشار إلى أن هذا “التطور النوعي لم يكن لولا اندلاع انتفاضة الحجارة التي جعلت كرة الثلج تكبر حتى وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها المقاومة الفلسطينية عصية على الكسر، وتطور أداؤها إلى رشقات صاروخية تصل إلى عمق الأراضي المحتلة”.
وتأتي الذكرى الـ35 للانتفاضة مع استمرار الإنقسام الفلسطيني للعام الـ15 على التوالي، إذ تسيطر حكومة تقودها حركة فتح على الضفة، فيما تدير حركة حماس قطاع غزة.