بطانة الرئيس وإشكالية إصلاح النظام السياسي الفلسطيني
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

إبراهيم ابراش
سنواصل الكتابة عن أزمة النظام السياسي الفلسطيني وأوضاعنا الداخلية، ليس تجاهلاً للخطر الوجودي الذي يمثله الاحتلال وممارساته الإرهابية وما يعانيه شعبنا في القطاع من دمار وموت وجوع وخطر التهجير ووضع أهلنا في الضفة ليس بالأفضل، أيضاً ما تمثله مبادرة ترامب من مخاطر على مشروعنا الوطني لا تقل عن خطر حرب الإبادة الإسرائيلية بل مكملة لها بالرغم من تضمنها كلمات مبهمة عن دولة فلسطينية، كما لا نتجاهل المتغيرات الدولية الشعبية لصالح عدالة قضيتنا.
ولكن كل ذلك يجب ألا ينسينا الاهتمام بأوضاعنا الداخلية لأنه ومهما تطورت الأوضاع ،سلباً أو إيجاباً، فسيبقى هناك الرقم الصعب الذي لن يحدث سلام في المنطقة والعالم بدونه ، وهو الشعب الفلسطيني الذي يجب أن يكون له عنوان محل توافق الجميع ، وغياب هذا العنوان واستمرار الانقسام يسهل على العدو تمرير مخططاته ويتيح للأطراف الخارجية التدخل في شؤوننا الداخلية سواء بمبررات أيديولوجية قومية أو اسلاموية أو إنسانية الخ، كما أن عدم الاهتمام بأوضاعنا السياسية الداخلية سيترك القضية بيد طبقة سياسة عاجزة ومتهمة بالفساد وتتحدث زوراً باسم الشعب الفلسطيني.
يبدو أن الرئيس أبو مازن بسبب كثرة انشغالاته وتقدمه في السن لم يعد يستطيع متابعة كل ما يجري على الساحة الوطنية والدولية أو التغيرات في توجهات الرأي العام الوطني كما كان سابقاً، لذا يعتمد كثيراً على بطانته، ومن هؤلاء وطنيون صادقون يقيمون الأمور حسب المصلحة الوطنية، ولكن فيها من يقيمون الأمور ويتصرفون حسب مصالحهم الخاصة وارتباطاتهم الخارجية، أيضاً في تقييمهم ورؤيتهم لأبناء الشعب من مثقفين ومفكرين وأصحاب رأي.
هذه الفئة الأخيرة من بطانة الرئيس وهي متغلغلة ومتنفذة في اللجنتين التنفيذية والمركزية والسلطة تحبب الرئيس بأحبائها من الأقارب والخلان ومن ترضى عنهم من المنافقين والانتهازيين، وتُكرهه أو تتجاهل كلياً نقل أخبار من لا ينافقونهم أو يداهنونهم أو ينتقدونهم على سلوكياتهم، حتى وإن كانوا مع الرئيس ونهجه.
لذا هناك فجوة بين الرئيس والشعب وخصوصاً فئة أصحاب الرأي والمفكرين والمثقفين الوطنيين والصادقين في وطنيتهم من أبناء حركة فتح وعموم الشعب.
مشكلة النظام السياسي تكمن في هذه الطبقة السياسية والبطانة الذين لا يتغيرون ولا يتبدلون، لا يمرضون ولا يتقاعدون ولا يتزهمرون ولا يموتون إلا وهم على مقاعد السلطة، طبقة سياسية لا تخطئ أو تخونها حساباتها وكيف يكون ذلك وهم حراس وكهنة المعبد والثابتون على الثوابت التي باتت ملتبسة عند الجمهور!، والبقرة المقدسة التي فقدت قدسيتها، هذه الطبقة تستمر في ضرب طوق حول الرئيس حتى لا يرى إلا ما يرونه ولا يسمع إلا بما يهمسون له.
قد يقول قائل إن التقدم في السن ليس عائقاً أمام القيام بالمهام الوطنية الكبرى والإشراف على تدبير أمور البلاد، فكثير من قادة العالم بلغوا من العمر عتياً وما زالوا على رأس عملهم والأمور تسير في بلدانهم بسلاسة، وهذا صحيح ولكن في دولة المؤسسات حيث تكون الأمور مستقرة وهناك مؤسسات ثابتة ودولة عميقة تساند الرئيس حتى وإن غاب عن المشهد كما يوجد تداول على السلطة، فأين مؤسسات دولة فلسطين؟ وما هي؟ وهل توجد دولة عميقة في الحالة الفلسطينية؟ وممن تتكون؟
عندما انتقدنا طريقة ممارسة حركة حماس للمقاومة تم اتهامنا بأننا ضد مقاومة الاحتلال، وتم الخلط عن قصد بين حركة حماس والمقاومة وحتى بينها وبين الإسلام وأصبح كل من ينتقد حركة حماس وكأنه معادي لحق مقاومة الاحتلال وحتى للإسلام، ولا يجوز انتقاد المقاومة وهي في حالة اشتباكها مع العدو الخ! وقد رأينا ما آلت اليه الأمور بسبب ممارسات حماس ورهاناتها الفاشلة، وسنسمع من يقول لا يجوز انتقاد النظام السياسي الرسمي وهم يتعرضون لتهديد نتنياهو وحكومته اليمينية وحتى من الإدارة الأمريكية، وسيتم اتهام كل من ينتقد القيادة الفلسطينية وكأنه ضد المشروع الوطني وضد الرئيس.
ولكن هل الصمت على ما يجري وبقاء المنظمة والسلطة وبطانة الرئيس وحتى حركة فتح على ما هم عليه سيُخرِج القضية الوطنية من مأزقها؟ وهل يمكن تعريف حركة فتح ومنظمة التحرير الآن بعيداً عن سردية تاريخهم من حيث مبادئهم ومنطلقاتهم وبرنامجهم السياسي الأول؟ وما هو برنامجهم السياسي ودورهم الآن في مواجهة الاحتلال سواء في الضفة أو قطاع غزة؟ ولماذا مواقفهم مترددة وملتبسة تجاه حركة حماس؟ ولماذا يخفون فسادهم وعجزهم بتأييد طوفان الأقصى ومقاومة حركة حماس متجاهلين معاناة أهل قطاع غزة وكأنهم يتفقون مع حماس بأن كل سكان القطاع مشاريع شهادة!؟
ولماذا استنهاض وإصلاح حركة فتح مرهون بعودة المفصولين منها؟ ولماذا إصلاح واستنهاض منظمة التحرير مرهون بانضواء ودخول حماس والجهاد إليها؟ ولماذا هذا الترهل وشبه الموات لهاتين المؤسستين وترك أمرهما لبعض الأشخاص للتلاعب بهما والتحدث باسمهما ويخفون فسادهم وعجزهم بتخوين كل من يعارضهم أو ينتقدهم؟
وإلى متى سيتم الاعتماد والخضوع للرؤية والمطالب الأمريكية لإصلاح السلطة دون مشروع وطني ديمقراطي للوحدة الوطنية وإصلاح واستنهاض مؤسسات السلطة والمنظمة وحركة فتح؟
ننتقد قيادة الدولة والسلطة الفلسطينية وحتى الرئيس لأنهم العنوان الوحيد للشعب في هذه المرحلة بعد فشل كل المراهنات على البدائل سواء كانت حركة حماس وحلفائها أو الهياكل والكيانات البديلة التي جرت محاولة تأسيسها في الخارج.





