تقاريرثابتطوفان الأقصى

تسعة أشهر من الإبادة.. غزة فريسة لموتٍ تصنعه نازية الألفية الثالثة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

شيماء مقداد

مَرت تسعة أشهر على اليوم الذي انقلبت فيه الحياة في قطاع غزة رأساً على عقب، فمنذ السابع من أكتوبر يعيش سكان القطاع معاناةً مُركبة كشفت عن وجه العالم القبيح و مُدعِي الإنسانية، و رفعت الستار عن نازية إسرائيل وجيشها.

حولت الحرب قطاع غزة إلى كومةٍ من الركام يرقدُ تحتها آلاف الجثث، وعشرات الآلاف من قصص الموت الخفية التي تَكشّف بعضها، فيما دُفنت العديد من القصص الأخرى مع أصحابها في أكثر من 3.376 مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال.

سَجل المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكثر من 48.000 شهيداً ومفقوداً منذ بداية العدوان على غزة، وأكثر من 87.000 جريحا ومصاباً، 70% منهم من الأطفال والنساء، منهم 500 شهيدا من الطواقم الطبية، و75 شهيداً من الدفاع المدني، بالإضافة إلى 158 شهيدا من الصحافيين، وغيرهم المئات من الكتاب والمفكرين والمبدعين الذين تعمدت إسرائيل قتلهم بهدف اغتيال الأمل بإعادة الحياة لغزة من جديد.

تعتبر كل الأرقام المرصودة سابقاً قابلة للزيادة مع كل يوم تستمر فيه الحرب، ويستمر الاحتلال في محاولة تنفيذ مخططات للقضاء على سكان قطاع غزة أو تهجيرهم بزعم تحقيق الأمن.

دوامة من البؤس الإنساني
تتكرر في غزة مشاهدُ النزوح المؤلمة كل يوم، كان آخرها نزوح العائلات من البلدة القديمة في مدينة غزة وأحياء التفاح والدرج، تحت القصف المدفعي العنيف ووابل من الرصاص العشوائي، حيث يشهد قطاع غزة أكبر نسبة نزوح في تاريخ الصراع  الفلسطيني الإسرائيلي، وصل فيها عدد النازحين الذين فروا من الموت إلى ما يقارب 2.000.000 نسمة، من أصل 2.300.000 نسمة كانوا يسكنون القطاع.

وفي إحاطة  لـ كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، سيخريد كاخ، أمام اجتماع مجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط، قالت: “إن : 9 بين كل 10 أشخاص في غزة نزحوا مرة واحدة على الأقل، وأن الحرب لم تخلق أزمة إنسانية فحسب، بل أطلقت العنان أيضا لدوامة من البؤس الإنساني، حيث انهار نظام الصحة العامة، ودُمِرت المدارس، ويهدد تعطل نظام التعليم أجيالا قادمة.”

نصف مليون جائع
يسعى الاحتلال من خلال تقسميه لقطاع غزة لـ (شمال الوادي، وجنوب الوادي) إلى تسهيل عملية السيطرة عليه، لتحقيق أهداف حربه المعلنة والخفية، فيما يواصل قصفه وقتله وتدميره لمدن الجنوب والشمال، ويستمر في اتباعه سياسة التجويع والإذلال لأكثر من 700.000 نسمة في شمال القطاع ممن رفضوا النزوح جنوباً، عبر إغلاقه للمعابر ومنعه إدخال المساعدات الغذائية والطبية والوقود للشهر الثالث على التوالي.

يعتمد النازحون والسكان في قطاع غزة على المساعدات الغذائية غير الكافية أصلا، فيما يتكون طعامهم الأساسي من الخبز والأطعمة المعلبة عند توفرها، ويسهم النقص الحاد في الخضار والفواكه الطازجة ومصادر البروتين، كاللحوم والحليب، في انتشار المشكلات الصحية، بما فيها فقر الدم وسوء التغذية بين الأطفال، كما أن أسعار المنتجات القليلة المتاحة في السوق المحلي مرتفعة ارتفاعًا باهظًا، يفوق قدرة الأهالي على الشراء.

يواجه 96% من سكان قطاع غزة والنازحين داخلياً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعتبر الأطفال من الفئات الأكثر هشاشةً و تأثراً بظروف المجاعة، حيث فقد أكثر من 34 طفلاً حياتهم بسبب الجوع و سوء التغذية، وفقاً لإحصائية المكتب الاعلام الحكومي في غزة، فيما يعاني 3500 طفل دون سن الخامسة من خطر الموت الوشيك بسبب سوء التغذية الحاد و توقف توزيع المكملات الغذائية.

يحتاج قطاع غزة يوميا لـ 7 ملايين وجبة طعام على الأقل لسد احتياجات السكان، و وفق تصريحٍ لبرنامج الأغذية العالمي قال : ” نصف مليون مواطن في غزة يواجهون مستويات كارثية من الجوع، في حين لا تحصل العائلات في أغلب الأحيان على الحصص الغذائية الكاملة بشكل مستمر” .

أوضاع بيئية وصحية كارثية
يعاني النازحون المتكدسون في مناطق ضيقة من أوضاع بيئية وصحية كارثية، سببتها أكوام القمامة الصلبة المتكدسة في كل مكان، ومياه الصرف الصحي التي تحيط بالخيام والمنازل المدمرة، وتتسبب في مكرهة صحية، انتشر على إثرها العديد من الأمراض المعدية مثل الأمراض المعوية، والطفح الجلدي، والتهاب الكبد الوبائي، عدا عن المخاوف المتكررة من انتشار وباء الكوليرا بسبب توافر الشروط .

ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة “أوتشا” في تقريره الأسبوعي، أن نفاذ الوقود يؤثر تأثيرًا شديدًا على البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والظروف المعيشية في شتّى أرجاء غزة، عدا أن الكميات المستلمة لا تلبي سوى 10% تقريبًا من الاحتياجات اليومية لقطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.

أضاف التقرير أن: “قطاع غزة يعاني من نقص حاد في مياه الشرب المأمونة،  فقد أثر الاجتياح العسكري للمدن تأثيرًا حادًا على إمدادات المياه، ولا يزال سوى عدد ضئيل من آبار المياه يزاول عمله، كما أن ظروف الصرف الصحي متردية، حيث تفيض مياه الصرف الصحي وتتسرب على مقربة من أماكن النوم، وتتراكم النفايات الصلبة، ولا تتوفر أي مواد للتنظيف”.

ومن جهته، سجل المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في آخر إحصائية له ارتفاع عدد المصابين بالأمراض المعدية نتيجة النزوح إلى 1.737.524 ، من بينهم أكثر من 71.383 حالة عدوى بمرض التهاب الكبد الوبائي، في ظل عدم توافر الأدوية المناسبة، وتهالك المنظومة الصحية، وتدمير الاحتلال لـ 34 مستشفى و 64 مركزا صحياً.

مدن من ركام
لقد نجح الاحتلال الإسرائيلي بتحويل مدن القطاع إلى مدن أشباح، و بقايا منازل من ركام، وقضى حتى على الذكريات، ونَفذ وعده بإعادة قطاع غزة إلى الوراء مائة عام، وهو المعروف دوماً بنقضه للوعود!

لقد تعمد الاحتلال في حربه الشرسة تدمير كل مقدرات الشعب الفلسطيني وعاث في الأرض فسادًا، فنسف أحياءً سكنية كاملة في لحظة، وقصف المساجد والمدارس والجامعات والكنائس، واقتحم المستشفيات ودمرها وأخرجها تماما عن الخدمة، و خرب الأراضي الزراعية، وأحرق المصانع و الشركات والأسواق.

وألقت طائرات الاحتلال على القطاع حتى يومنا هذا أكثر من 80.000 طن من المتفجرات، دمر فيها أكثر من 150.000 وحدة سكنية دمارا كاملاً، و200.000 وحدة سكنية دمارًا جزئيا، والمئات من المدراس والجامعات، والمساجد والمقار الحكومية والمؤسسات المدنية.

لقد كشفت الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ أكتوبر الماضي أن موضوعات حقوق الإنسان مجرد دعاية غربية فارغة من أي محتوى حقوقي، وأن كل محاولات تمكين الشعوب من تقرير مصيرها بما فيها إقامة الدولة الفلسطينية على جزء صغير من أرضها التاريخية، شعارات كاذبة، حين ترك العالم غزة وحيدة، تنزف بين فكيّ الدكتاتور الأكبر وابنه المدلل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى