تقرير إسرائيلي: تدمير ممنهج في غزة لإقامة “منطقة عازلة” بعمق كيلومتر داخل القطاع

كشف تقرير صادر عن منظمة “يكسرون الصمت” الإسرائيلية عن شهادات جنود خدموا في قطاع غزة، تؤكد تنفيذ الجيش الإسرائيلي عمليات تدمير واسعة ومنهجية في المناطق الحدودية من القطاع، بهدف إنشاء منطقة عازلة تُعرف بـ”البرميتر”، تمتد إلى عمق يتراوح بين 800 و1500 متر داخل الأراضي الفلسطينية.
ووفق الشهادات التي تضمنها التقرير، تلقّت القوات الإسرائيلية تعليمات مباشرة بتسوية المناطق الحدودية بالأرض، بما في ذلك منازل ومزارع وبنى تحتية، وتحويلها إلى “أرض مسطحة بالكامل”، على حد وصف أحد الجنود. واعتُبرت هذه الإجراءات جزءًا من خطة أوسع للسيطرة طويلة الأمد على تلك المنطقة.
تقسيم للمهام وتدمير يومي ممنهج
أشارت الشهادات إلى أن الجيش الإسرائيلي اعتمد خطة منظمة لتدمير المنطقة، قُسّمت خلالها الأراضي إلى قطاعات محددة، وكل وحدة عسكرية كُلّفت بتدمير عدد معيّن من المباني يوميًا، تراوح بين خمس وسبع مبانٍ، وقد تصل أحيانًا إلى خمسين مبنى أسبوعيًا، حسب توفّر الذخيرة والآليات.
ووصف أحد الجنود مهمته قائلاً: “كان المطلوب تدمير كل شيء: منازل، مزارع، أشجار زيتون، وحتى الحقول الزراعية”، مشيرًا إلى استخدام دبابات وآليات هندسية من طراز D9 في عمليات التجريف والتسوية.
إعادة تعريف “الحدود” كمنطقة إبادة
أبرز التقرير أن الحدود بين غزة وإسرائيل أُعيد تعريفها فعليًا من قبل الجيش كـ”منطقة إبادة”، حيث يُمنح الجنود حرية التصرف بإطلاق النار على أي شخص يقترب منها. وأكد أحد الضباط أن من يتجاوز الخط الافتراضي الذي حدده الجيش يُعتبر تهديدًا مباشرًا ويجوز استهدافه دون تردد.
وأضاف آخر أن “المنطقة العازلة تُعامل كمجال ناري مفتوح، ممنوع على المدنيين الفلسطينيين دخوله، ويُطلق النار على كل من يحاول الاقتراب منها”، مشيرًا إلى أن النساء والأطفال كانوا يُواجهون بإطلاق نار تحذيري، فيما يُستهدف البالغون بشكل مباشر.
أوامر بتدمير كل ما هو قائم
وتُظهر الإفادات أن الهدف من العمليات يتعدى الاعتبارات العسكرية الآنية، ويشمل خلق واقع ميداني جديد، يمنع أي إمكانية لإعادة استخدام المناطق الحدودية. ووفق شهادة أحد الضباط: “كان الهدف إعداد الأرض بحيث تكون خالية تمامًا من أي منشآت، لتوفير رؤية واضحة للقوات وضمان حرية الحركة”.
وقال أحد الجنود إن الأوامر كانت واضحة: “تسوية كل شيء. لم نترك سوى الركام”، مضيفًا أن العمليات شملت تدمير منازل، معامل، مدارس، مساجد، مقابر، وحقول زراعية، دون تمييز بين أهداف مدنية وأخرى مشتبه بها.
غياب الضوابط القانونية والمحاسبة
أعرب عدد من الجنود عن شكوكهم في مشروعية هذه العمليات، لافتين إلى غياب أوامر إطلاق نار واضحة أو آليات محاسبة داخلية. وأكد أحد الضباط أن المنطقة وُصفت للعسكريين بأنها “منطقة موت”، يُسمح فيها باستخدام القوة القاتلة على كل من يتجاوز حدودها.
وفي إحدى الشهادات، روى جندي حالة إطلاق نار على مدنيين كانوا يقطفون نبتة “الخبيزة”، قائلاً: “تم استهدافهم فقط لأنهم اقتربوا. بعضهم كان جائعًا، لكننا كنا نتعامل معهم كتهديد”.
خلص تقرير “يكسرون الصمت” إلى أن العمليات الجارية في غزة لا تقتصر على أهداف أمنية وقتية، بل تهدف إلى تغيير دائم للواقع الجغرافي والديمغرافي في المناطق الحدودية، في ظل صمت رسمي وتجاهل دولي للانتهاكات الممنهجة، وفق ما جاء في التقرير.