تمارا حداد: الصين مُرشحة للقيادة العالمية
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
تسعى الصين إلى تعزيز الأبعاد الجيوسياسية في العالم العربي والمُتمثلة في تأسيس امبراطورية الصين العظمى والبدء في فرض هيمنتها الكاملة على منطقة جنوب شرق آسيا وآسيا الصغرى وتتخذ منهما منطلقاً لفرض هيمنتها الكبرى على العالم.
قد يكون أبرز الأسباب في تعزيز البُعد الجيوسياسي هو البُعد الاقتصادي الذي يُشكل حجر الزاوية في مشروع الصين الامبراطوري بعد إعلانها إحياء طرق التجارة القديمة وإنشاء طريق الحرير وهو ما ستنفق عليه مليارات الدولارات، وحتى تستثمر في هذا الطريق بشكل آمن تعمل على ضمان الاستقرار الامني والسياسي في المنطقة كضمانة أساسية لنجاح مشروعها الاقتصادي.
وفي إطار سعي الصين لتوطيد هيمنتها على المناطق ذات البُعد الاقتصادي استطاعت الصين أن تُحدد مناطق التوتر “الامريكي_ العربي” وعملت على إقامة تحالفات “صينية_ عربية” يجمعها الرؤى المشتركة لنهضة الدول ذات البرنامج المشترك بينها وبين الصين، لذا عملت الصين على تقوية الدول المتحالفة معها ضد الدول التي تتحالف مع أميركا نظرا للعداء والتنافس بين الصين واميركا.
من هذا المنطلق تحاول تعزيز وجودها في العالم من خلال الاقتصاد وتعزيز التحالفات الامنية والسياسية بين الدول ذات العداء الظاهر أو الخفي مع اميركا بالتحديد بعد صحوة الدول العربية بأن مُفجر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط وخلق التوترات المستمرة هي اميركا لإبقاءها دول فاشلة وضعيفة.
باتت الصين اليوم مرشحة للقيادة العالمية، فتُعد من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، كما تشهد الدبلوماسية الصينية تفاعلاً إيجابياً على المستويين الإقليمي والعالمي، مما يُعزز من دورها السياسي، لا سيما في العالم العربي، خصوصاً أنها ليس لها تاريخ استعماري في المنطقة العربية، مما يفتح لها آفاقاً واسعة نتيجة اعتمادها على ثنائية: الاحترام المتبادل لسيادة الدولة الوطنية ووحدة أراضيها، والتعامل على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، والصين تملك المؤهلات اللازمة كي تصبح المُنافس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية بحلول عام 2025، عدا عن أنها مرشحة للتمتع بمركز يفوق الاتحاد الأوروبي خلال الخمسين سنة القادمة.
وعلى الرغم من أن الصين دولة متعددة القوميات والأديان (الطاوية، البوذية، الإسلام والمسيحية) الا انها تتمتع بالتمايز الإيجابي في العادات والتقاليد وترابطت في ما بينها بأواصر مشتركة بسبب دروس التاريخ والاندماج والانصهار الوطني، والسعي إلى التطور والتقدم بخطى كبيرة نحو المستقبل، لا سيما على الصعيد الاقتصادي الذي دفع الصين إلى انتهاج دبلوماسية ناعمة وهادئة تجاه العالم الخارجي والمنطقة العربية.
حيث اسس “المسلمون الصينيون” هوية انبثقت من تفاعل تبادلي بين التقاليد المشتركة للإسلام مع السياقات الاجتماعية والسياسية للصين، وهي هوية متحركة يُعاد تشكيلها حسب التحوّلات في الواقع الصيني بطريقة جعلت من المسلمين الصينيين مكوِّناً رئيساً من النسيج الاجتماعي والسياسي الصيني، مع الحفاظ على هويتهم الدينية الخاصة.
يوجد في الصين عشر قوميات تدين بالإسلام وهي:
• قازاق: يتمركزون في منطقة شينغ يانغ وهم أكثر من مليون وربع المليون نسمة.
• اوزبك وطاجيك: ذوى الاصول البدوية واللغة الأوزبكية.
• تتار: متمثلين في من اجتازوا حدود تتارستان الحالية والقبائل التركية في السابق.
• هوي: الممثلة في العرب والفرس القدماء الوافدين مع الفتح الإسلامي للصين، وهم منتشرون في شينج يانغ ومقاطعات خبى وخنان وشاندونج وإقليم منغوليا ذي الحكم الذاتي.
• سالار: تستوطن محافظة شيونهوا ذاتية الحكم ولهم لغتهم الخاصة وهي السالار المنطوقة.
• دونج شيانغ: وتقطن مقاطعة قانسو، وهم من أصول منغولية ويعتبرون أول من اعتنق الإسلام من المنغول.
• باوآن: ويقطنون أيضا مقاطعة قانصو، وهم فرع من المنغول ولغتهم تنتمي إلى أرومة اللغة المغولية.
• قيرغيز: من أصول تركية جاءوا من قرقيزستان. وللقرقيز في الصين ولاية ذات حكم ذاتي في إطار منطقة كيسينيانغ.
• الاويغور اكبر قومية مسلمة في الصين.
ودخل الاسلام الى الصين عبر طريقين وهو الطريق البري ولقد عرف بطريق الحرير والذي يُعاد النظر في احياؤه، والطريق البحري.
بالرغم ان التيار الكونفوشيوسي هو السائد في المجتمع الصيني التاريخي زمنًا سحيقًا لكن تقارب مع الإسلام فى أمور كثيرة حيث أثر على الفكر الإسلامي فى الصين خلال عدة قرون، حتى كان علماء المسلمين في الصين يؤلفون كتبهم الإسلامية ويعبرون عن الفكر الإسلامي بالاصطلاحات الكونفوشيوسية.
قد يكون هناك اشكاليات بين النظام الصيني ومجموعة الآيغور بسبب التدخلات الخارجية لعمل منظمة الايغور، لذا تعامل النظام معها بطريقة مختلفة عن تعاملها مع المنظمات الاسلامية الاخرى، لكن لخصت السياسة الصينية العامة للشؤون الدينية في عدة مبادئ:
1. لجميع مواطني جمهورية الصين الشعبية الحق في التديُّن أو عدمه.
2. لجميع الأديان الشرعية مكانة متساوية، ويجب أن يكون من أغراضها تعزيز الوحدة الوطنية.
3. يجب تنظيم جميع المنظمات والأنشطة الدينية محليًّا وتحت رعاية الدولة، ويمنع منعاً باتاً أي شكل من أشكال التأثير الأجنبي على الأنشطة الدينية.
4. يجب فصل الأديان عن التعليم والسياسة، ولا يجوز تحت أي ظرف من الظروف استخدام القضايا الدينية للتأثير على التعليم والسياسة.
لذلك تسعى الصين احتواء اي حالة تسبب الارق السياسي وتُعزز علاقتها مع مناطق الدول العربية في الشرق الاوسط لاجل الاستمرار في البعد الاقتصادي بالتحديد في منطقة الشرق الاوسط ومنطقة البحر الاحمر وافريقيا نظراً لتنافس العديد من الدول عليها ووجود الصراعات الدولية والاقليمية.
فالصين تجدد علاقاتها مع الدول العربية لدفع تعزيز الاستثمارات في المشاريع الاقتصادية بالتحديد في مشاريع تيران وصنافير وهما جزيرتان تقعان شمالي البحر الأحمر قرب خليج العقبة، وتمثل الجزيرتان أهمية استراتيجية كونهما تتحكمان في حركة الملاحة في خليج العقبة، وهما جزء من المنطقة (ج) المحددة في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وتعتزم السعودية إطلاق مشاريع سياحية بالجزيرتين تتضمن بشكل خاص أنشطة بحرية وغوص.
المشروع الاخر “نيوم” وهو مشروع استثماري ضخم أعلنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يقام على أراض من السعودية والأردن ومصر، وتقع منطقة نيوم شمال غرب المملكة على مساحة 26,500 كم2، وتطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر وخليج العقبة بطول 468 كم، ويحيط بها من الشرق جبال بارتفاع 2,500 متر. وتتضمن خطط المشروع جسرا يقطع البحر الأحمر، ويربط بين المدينة الجديدة ومصر وباقي القارة الإفريقية، لذا ارادت الصين تعزيز العلاقات كون هذا الممر يتلاقى اقتصادياً مع طريق الحرير.
وهناك مشروع البحر الاحمر أطلقه ولي العهد السعودي وجهةً سياحية عالمية، ضمن “رؤية المملكة 2030”. ويتضمن إقامة منتجعات سياحية على أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه، والممتدة على ساحل يتجاوز طوله 200 كيلومتر في البحر الأحمر الامر الذي عزز شراكة الصين والسعودية في تلك المشاريع ومشاريع اخرى عديدة.
ناهيك عن قدرة الصين على الغزو الثقافي والعسكري والتكنولوجي من خلال التطورات الالكترونية والرقمية التي تقدمها الصين للدول العربية لذا هي باتت اليوم مرشحة للقيادة العالمية.