شبكة الخامسة للأنباء - غزة
الخامسة للأنباء- تقرير خاص محمد وشاح:
تعتبر حارة الياسمينة الأكثر شهرة في نابلس، وكثيراً ما توصف بأنها دمشق أو الشام الصغرى لسحرها وطابعها المعماري الخاص والموروث من الحضارات القديمة التي تعاقبت على المدينة.
وتقع حارة الياسمينة في المنطقة الجنوبية الغربية من البلدة القديمة في نابلس، وهي واحدة من أكثر حارات البلدة القديمة عراقة حيث يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد.
ما سبب تسميتها ؟
اكتسبت حارة الياسمينة اسمها من زهر الياسمين الذي يتدلى على طرقاتها و أحواشها، فلا يوجد بيت في الحارة الصامدة إلا و تزينه شجرة ياسمين.
والياسمين الذي ينتشر فيها هو عبق الزمان الذي يعطر المكان أينما كان، كل ذلك أكسبها سمة مميزة، وخاصية متفردة، ومكانة لا تجدها مدينة أخرى.
عدد سكانها و مساحتها ؟
تتكون البلدة القديمة من ست حارات رئيسية، أكبرها مساحة حارة الياسمينة حيث تمتد مبانيها القديمة إلى أطراف جبل جرزيم الذي يسمى أيضا جبل الطور أو جبل البركة.
يبلغ عدد سكانها نحو 10 آلاف نسمة، غالبيتهم هجروا أحياءها، ومنها حارة الياسمينة، بفعل الأحداث الأمنية.
اشتهر أهل الحارة بالبناء و اقتلاع الحجارة من الجبال المجاورة وقد قام عدد من أهلها من آل الصروان ببناء ساعة المنارة بالعهد العثماني إضافة إلى مبنى المقاطعه التي تم تدميره خلال الانتفاضة …
عرف عن شباب الياسمينة شدة البأس والقوة وكانوا دائما وعلى مر تاريخ الصراع في الطليعة حيث قدمت حارة الياسمينة العشرات بل المئات من خيرة أبناؤها دفاعا عن ثرى الوطن.
جذور ممتدة و تاريخ لا يندثر
اكتسبت الياسمينة أهميتها من المعالم الدينية والتاريخية التي تعج بها، وأبرزها جامع الساطون الذي يعتبر أول مسجد بني في نابلس مع بداية العصر الإسلامي، ومسجد الخضراء الذي ُيعتقد أن النبي يعقوب “عليه السلام” اعتكف به حزناً على النبي يوسف “عليه السلام”.
وتركت الطوائف والحضارات التي توالت على فلسطين بصمتها في حارة الياسمينة، بدءًا بالكنعانيين وتباعًا، السُمرا والآشوريين والرومان والصليبيين، ليأتي الفتح الإسلامي ومن ثم العثمانيين، و أثبتت كل حضارة منهن ملكيتها بالأرض بفرض ثقافتها كعلامة.
حيث عرفت الياسمينة بقصورها العثمانية، ومنها قصر عبد الهادي وقصر الخماش وقصر أبو شلبك وقصر الكيلاني، كما ويوجد بها حمامين عامين هما حمام السمرا الذي يعتقد أنه أنشئَ عام ١٥٠ قبل الميلاد وحمام القاضي الخماش، كما يوجد بها 5 مصانع للصابون النابلسي. وأيضًا، يوجد في الياسمينة خمسة عيون مائية من أصل 53 عين في مدينة نابلس، لكنها استحدثت وتحولت إلى أحواز تضح المياه إلى البيوت.
حُضن المقاومة الدافئ
ومع انتفاضة الحجارة (الانتفاضة الأولى) عام 1987، وانطلاق مجموعات الفهد الأسود (الجناح المسلح لحركة التحرير الوطني- فتح)، واتخاذها من قصر حسين عبد الهادي (أحد المعالم التاريخية في الياسمينة) مركزا عُرف باسم “المحكمة” لمحاكمة العملاء المتخابرين مع الاحتلال الإسرائيلي؛ شكلت “المحكمة” فصلا مهما في مقاومة حارة الياسمينة حينئذ.
ولتتجلى هذه الروح الثورية لاحقا لدى شبانها من الحارات الأخرى في انتفاضة الأقصى عام 2000، واحتضانها للمقاومين من كل مكان .
حالة فرسان الليل العسكرية
واحتضنت حارة الياسمينة العديد من المجموعات المسلحة أشهرها “فرسان الليل”، التي أسست عقب اجتياح المدينة عام 2002 على أيدي مقاتلي كتائب شهداء الأقصى في نابلس، بقيادة الشهيدين نايف أبو شرخ وباسم أبو سرية (القذافي) اللذين وضعتهما إسرائيل على رأس المطلوبين واعتبرتهما من أخطر المطاردين.
وعملت “الفرسان” في التصدي للاجتياحات الإسرائيلية المتكررة لنابلس، وتعرضت في عام 2007 لضربات قوية بفقدانها أحد أبرز قياداتها، وعددا من مقاتليها في الاشتباكات مع جيش الاحتلال، كما تعرضت للتضييق من قبل السلطة الفلسطينية التي دفعت في مطلع عام 2008 جزءا مهما من أعضائها إلى إلقاء السلاح وتسليم أنفسهم مقابل العفو ووقف ملاحقتهم.
وخلال سنوات “الانتفاضة الثانية” عرفت المدينة ثقافة “الاشتباك مع المحتل حتى آخر طلقة”.
وهكذا ظلت البلدة القديمة بنابلس وحارة الياسمينة تشكل حصناً منيعاً للمقاومين، ولأسباب كثيرة – أبرزها جغرافيتها واتصالاها بالأحياء الأخرى وبناءها المعماري – اتخذوها درعاً لهم.
ومن هذا الحصن المنيع استمد المقاومون خبرتهم، فنصبوا الشوادر لمنع تعقّبهم عبر الطائرات الإسرائيلية المسيرة، وفي الأرض نشروا كاميرات إلكترونية لرصد أي تحرك مشبوه.
إبراهيم النابلسي الأيقونة «لا تتركوا البارودة»
أنا بحبك أمي، حافظوا على الوطن من بعدي، بوصيكم ما حد يترك البارودة، هيني محاصر، ورايح أستشهد!” تلك كلماتٌ بثوان معدودة، أرسلها المقاتل العنيد إبراهيم النابلسي إلى أصدقائه، لكن مستقرها كان في قلوب كُل فلسطيني.
و عندما أيقن أن جيشًا مدججًا بالسلاح يحيط به من كل الجهات، وأن نسائم الشهادة قد اقتربت لم ينس الابن البار أن يختص أمه بكلمة “أحبك”، لحظة استشهاده، ليغلق بذلك فصل المطاردة الأخير، و يلحق بأصدقائه الشهداء، محمد الدخيل، وأدهم مبروكة، وأشرف مبسلط الذين استشهدوا في محاولة الاغتيال في فبراير/ شباط الماضي.
تعرض النابلسي لعدة محاولات اغتيال، نجا منها بأعجوبة ما جعل الصحافة العبرية تطلق عليه لقب “صاحب الأرواح الـ9″، حيث كان المطلوب الأول لدى جيش الاحتلال في مدينة نابلس التي كان يقطنها، فقد شارك منذ نعومة أظفاره في العمل المقاوم ضدد قوات الاحتلال ليرتقي بعدها شهيداً.
وحُمل على أكتاف الرجال شهيدًا، ليسلمُ الراية لغيره، وليؤكد أنه في كل مرة يقتلُ فيها الاحتلال مقاومًا، هو في الحقيقة لا ينهي حياته بل يعلن ولادته في قلوب أبناء شعبه، فيأتي بطلٌ آخر يستلم راية الثورة التي لا تنطفئ نارها.
«عرين الأسود» فصلٌ جديد من الكفاح المسلح
ثمة فصل جديد من الكفاح المسلح الفلسطيني، تشكل عبر مجموعة “عرين الأسود” خلال عام 2022، التي اتخذت من البلدة القديمة بنابلس “حارة الياسمينة” حاضنة لها، وضمت مقاومين من كل حاراتها وحتى القرى والمخيمات المجاورة.
وبدأت بوادر عمليات هذه المجموعة منذ فبراير/شباط عام 2022، عندما لاحظ جهاز أمن الاحتلال ارتفاعا ملحوظا في عمليات إطلاق النار على أهداف عسكرية إسرائيلية في محيط نابلس
ليؤكد تاريخ المقاومة قولاً وفعلاً وعنفواناً في نابلس، ويُعيد لعام 1936 مشاركتها في أحداث الثورة الفلسطينية، ثم عام 1967 واتخاذ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) من أحد أحواشها “حوش العطعوط” مقرا له وللمقاومة الفلسطينية.
وبهذا الحوش أيضا كانت معركة العرين الأخيرة قبل مدة ليست ببيعدة، والتي لم تقل عنفا عن سابقاتها، حيث استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي وديع الحوح أحد أبرز قادة العرين، واغتالته بطائرة مسيّرة انفجرت بمنزله الذي لم تجرؤ القوات الصهيونية على اقتحامه.
يُذكر أن نابلس”جبل النار” وحارة الياسمينة فيها تخوض أعنف مواجهة مُسلحة منذ سنوات، وتُقدم الشهداء يومياً وترتوي الأرض بدمائهم الزكية، وتبقي جبل النار حصناً منيعاً يُهان بين أزقتها بني صهيون وجيشهم المهزوم وللحديث بقية يَخطها المقاومين الأبطال بعنفوانهم.