حرب الممرات التجارية
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الكاتب: رجب أبو سرية
بعد حرب تتواصل منذ ما يقرب من عامين، شنتها إسرائيل بتغطية ومشاركة أميركية، على محيطها العربي/الإسلامي، بدوافع أعلنتها سياسية وأمنية، بدأ يتكشف أن لها أهدافاً اقتصادية أيضاً، ذلك أن قوة الدول وسيطرتها لم تعد اليوم تقتصر على القوة العسكرية وحسب، هذه الأهداف التي لم تكن قد أعلنت حين شنت إسرائيل وأميركا حرب الإبادة على غزة، مترافقة مع حرب متواصلة على القدس والضفة لطي واحتواء الملف الفلسطيني دون دفع استحقاقه المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية، ثم قامت بالتدريج بتوسيع رقعة الحرب لتشمل لبنان واليمن، إيران وسورية، وتحت سورية هذه نضع خطاً أحمر، ذلك أنه بالنظر إلى أن إسرائيل تذرعت في حربها على لبنان، بأن حزب الله اللبناني انخرط في جبهة إسناد غزة، كذلك كان الحال بالنسبة للحوثي اليمني، أما إيران فإسرائيل تواصل التحريض منذ عقود، على إيران، وتدعي بأن الدولة الإسلامية ومنذ ثورتها العام 79 وهي تسعى لتدمير إسرائيل، وأن سعيها لامتلاك الطاقة النووية ما هو إلا سعي لامتلاك القنبلة النووية لمسح إسرائيل من الوجود، رغم أن إسرائيل نفسها لديها عشرات القنابل النووية !
أي أن إسرائيل ادعت في حربها ضد ست جبهات، أنها كلها أذرع لإيران التي تسعى لتدمير إسرائيل، وكانت تزج باسم سورية من بين هذه الجبهات، رغم أن سورية لم تشتبك عسكرياً مع إسرائيل منذ العام 73، ورغم احتلال إسرائيل للجولان السوري منذ العام 67، وكانت تفعل ذلك نظراً للتحالف بين نظام الأسد السوري السابق وإيران، والذي سمح بمرور السلاح الإيراني إلى حزب الله في لبنان عبر أراضيه، مقابل دفاع حزب الله وإيران عن ذلك النظام منذ العام 2011، حين تعرض للثورة المسلحة عليه، إلى أن أطيح به العام الماضي، ورغم تغيير النظام، بمعرفة وعلى الأغلب بترتيب أميركي مع تركيا، إلا أن «تطاول» إسرائيل على سورية لم يتوقف، بل لم يتوقف عند الحدود التي كان عليها أيام نظام الأسد، أي الاكتفاء بشن الغارات الجوية والقصف البحري والبري، بل إنه بعد اعتلاء الجولاني سدة الحكم، توغلت القوات الإسرائيلية براً، واحتلت أراضي سورية إضافية، بل وأكثر من ذلك «مسحت بكرامة النظام الأرض» حين فرضت عليه عدم إرسال قواته العسكرية جنوب العاصمة دمشق، ثم وبعد أن «أثمرت» أصابعها الاستخباراتية في إثارة الفتنة الطائفية في السويداء، تدخلت عسكرياً، كما لو أن لها صلة قرابة بالدروز السوريين، كل ذلك من أجل تمهيد الطريق إلى خطتها التي بدأت تتكشف باسم «ممر داوود».
وممر داوود هو مشروع قديم جديد، تكشف خرائط خطته كونه ينطلق من الجولان، ليمر عبر المحافظات السورية المتاخمة للحدود مع إسرائيل والأردن، وهي محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، ثم يتسع الممر شرقاً عبر البادية السورية، ليصل معبر النتف الإستراتيجي حيث القاعدة الأميركية على المثلث الحدودي السوري – الأردني – العراقي، ثم يتواصل إلى دير الزور، ليصل نهر الفرات، حيث المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) الكردية، شرق الفرات، والهدف هو الوصول إلى كردستان العراق عبر الحدود العراقية السورية، وكما سعت إسرائيل وعبر أميركا إلى تقسيم العراق طائفياً وعرقياً، تسعى إلى تقسيم سورية كذلك، لتتحول إلى أربع دويلات: درزية، كردية، علوية وسنية، وذلك لتسهيل تنفيذ «ممر داوود» الذي يستند لنبوءة توراتية لها علاقة بمشروع «إسرائيل الكبرى»، وهذا واضح من حديث بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الإبادة الجماعية عن تغيير الشرق الأوسط، تسعى الدولة العبرية عبر الممر المذكور إلى أن تكون مركز الإقليم (الشرق الأوسط) الاقتصادي.
وهذا الممر يتقاطع مع خطة أميركا المعلنة منذ العام 2023، والتي تهدف إلى قطع الطريق على مبادرة «الحزام والطريق» الصينية التي يسميها البعض بطريق الحرير الصينية، والتي تعمل عليها الصين منذ العام 2013، والخطة الاعتراضية الأميركية، بدأت في الظهور في قمة العشرين العام 2023، عبر لقاء الرئيس السابق جو بايدن مع رئيس وزراء الهند، وهي تهدف إلى ربط آسيا بأوروبا عبر ممر اقتصادي وذلك عبر الشرق الأوسط، وهو يعتمد على خطوط السكك الحديدية والنقل البحري، ويتألف من ممرين منفصلين، أحدهما يربط الهند بالخليج العربي بحرياً وهذا هو الخط الشرقي، أما الخط الشمالي فيربط دول الخليج العربي بالأردن وإسرائيل عبر السكك الحديدية، ثم من إسرائيل يتم الربط بحراً بالسواحل الجنوبية لأوروبا تحديداً فرنسا وإيطاليا، ومنهما إلى دول وسط وشمال وغرب أوروبا، عن طريق السكك الحديدية، ومن الواضح أن الخطة الأميركية هذه، تتطلب «تطبيع العلاقة» بين السعودية وإسرائيل، كذلك تهدف إلى «تفتيت» بريكس، لأن الهند واحدة من مؤسسي المجموعة الاقتصادية العالمية.
أما طريق الحرير الصيني أو «مبادرة الحزام والطريق» فهي خطة صينية جاءت انسجاماً مع تطور العلاقات الاقتصادية البينية بين دول العالم، بعد انتهاء الحرب الباردة، وظهور الشركات متعددة الجنسيات، كذلك انسياب التجارة العالمية، وهي خطة تهدف إلى بناء شبكة دولية من الطرق البرية والبحرية، لا تستثني أحداً، وذلك لتطوير البنية التحتية لربط الصين ببقية العالم وليس بأوروبا فقط عبر طريق برية وبحرية وتعزيز التجارة والاستثمار الاقتصادي، وبمقارنة خطة الممر الاقتصادي الأميركي الذي يهدف إلى تعزيز اقتصاد بضع دول، فإن المشروع الصيني تشارك فيه 123 دولة، أي أنه ينسجم مع التطور الطبيعي للاقتصاد العالمي، في حين أن الخطة الأميركية ليست لتعطيل المبادرة الصينية وحسب، بل تهدف إلى تحقيق التفوق الاقتصادي لعدة دول على غيرها من الدول، خاصة أن أميركا نفسها ليست طرفاً لا جغرافياً ولا اقتصادياً، فهي لا تقع لا في آسيا حيث توجد السلع (الهند) ولا في أوروبا حيث توجد القوة الشرائية، في حين أن دول الممر (الإمارات والسعودية، الأردن وإسرائيل) ستحقق دخلاً من عبور السلع عبر أراضيها.
وإذا كان طريق الحرير الصيني يجد في إيران نقطة عبور أو مفترق طرق، فإن الحرب الإسرائيلية على إيران، أو على الأقل المشاركة الأميركية في الحرب على إيران، سعت إلى إخراج إيران أيضاً من عقد الشراكة مع الصين، إن كان في بريكس أو في طريق الحرير، ولا يخفى على أحد أن إسرائيل بشنها الحرب على إيران في شهر حزيران الماضي كانت تمني النفس بإسقاط النظام، وهذا ما تمناه الرئيس ترامب أيضاً، في الوقت الذي تجد فيه إسرائيل إيران خاصة مع نووي سلمي قوة اقتصادية نامية، ستقف في طريقها كما هي الحال مع الصين التي تقف في طريق أميركا، وكذلك تركيا حالها كما هي حال روسيا – تقريباً، فيما السعودية والإمارات في موقعهما من إسرائيل، تشبهان الموقع الأوروبي بالعلاقة مع أميركا، وهكذا فإن حروب القرن الحادي والعشرين، لم تختلف عن الحروب السابقة عبر التاريخ، والتي كانت تنشب لتحقيق السيطرة على الثروات الطبيعية، فكانت بريطانيا مثلاً تحرص على التحكم بباب المندب عبر عدن وكذلك برأس الرجاء الصالح عبر جنوب أفريقيا، لكن المختلف اليوم هو أن التنافس الاقتصادي بات أكثر سفوراً من الجانب العسكري في تحقيق السيطرة، والغريب هو أن حرب الممرات الاقتصادية الدائرة الآن، تجري بين طرف ليست لديه بضائع عينية يقوم بتسويقها، حيث تعتمد أميركا على البرمجيات، كذلك إسرائيل تعتمد على صناعة الأسلحة والهاي تيك، فيما الصين والهند وآسيا عموماً تنتج السلع العينية، ولها مصلحة في تصديرها خاصة لأوروبا القارة التي ما زالت مستهلكاً جيداً للسلع نظراً لقوتها الشرائية العالية.
كذلك لا بد من الإشارة إلى أن حروب التجارة العالمية، لم تعد تقتصر كما كانت الحروب العالمية في القرن العشرين على القوى العظمى، وإذا كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية قد اندلعتا بين أكبر محورين عسكريين في العالم في ذلك الوقت، وكان الحلفاء قد اجتمعوا تحت قيادة بريطانيا أولاً ثم أميركا تالياً، فإن دول المحور اجتمعت تحت قيادة ألمانيا في الغرب واليابان في الشرق، أما الحرب التجارية، فهي لا تتطلب اصطفافاً تاماً لدول أقل أهمية وراء دول عظمى اقتصادياً، لدرجة أن تجد إسرائيل في نفسها القدرة على شن حرب إقليمية في الشرق الأوسط لتفرض مشروعها الخاص، الذي تجمع فيه ما هو اقتصادي بما هو أمني وعسكري، توسعي احتلالي استعماري، نقصد ما تطلق عليه حالياً «ممر داوود» مع أن «مملكة داوود وسليمان» لم يكن لها ممر قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، خاصة حين تجري الإشارة إلى ممر أو طريق يصل إسرائيل بنهر الفرات بين سورية والعراق.