حسابات جديدة في الشرق الأوسط
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
كتب: رجب أبو سرية
لا شك بأن السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد السوري، قد أعاد خلط الأوراق في الشرق الأوسط، ليس لأنه جاء مفاجئاً فقط، ولكن نظراً لكونه كان حلقة رغم ضعفها، تتوسط عقد ما يطلق عليه بمحور المقاومة، أو المحور الذي تقوده إيران بطموحاتها الإقليمية وتحدياتها الدولية، والتي كانت واضحة خلال عام من الحرب الإقليمية الطاحنة، التي أظهرت لكل من كان يجري حساباته بناء على الظن أو التقدير أو حتى التوقعات النظرية، حجم النفوذ الإيراني الإقليمي، وكل هذا وهي ما زالت لم تعلن بعد عن تحولها الى دولة نووية، بحيث ظهرت كعقبة كأداء في طريق الطموح الإسرائيلي، الذي اعتقد بأنه آن الأوان بعد ثمانية عقود من تأسيس الدولة التي أقيمت كحل للمشكلة اليهودية، لتحولها الى الدولة التوراتية الإقليمية العظمى بحدودها الصريحة من الفرات الى النيل، أو بنفوذها الإقليمي الذي يشمل الشرق الأوسط كله.
والحقيقة أن الحرب التي أطلقت شرارتها حركة حماس في السابع من أكتوبر من العام 2023، وذلك بهدف قلب الطاولة التي بدأت إسرائيل بترتيبها منذ سنوات على طريق التطبيع، والتمدد السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، وليس صدفة أن تشمل اتفاقية أبراهام دولة البحرين في أقصى الشرق العربي والمغرب في أقصى مغربه، جاءت لتقطع الطريق على إسرائيل بعد أن بدأت التصرف مع العالم وحتى مع أميركا باعتبارها الدولة الإقليمية العظمى الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن خطوة أخيرة فقط تبقت أمامها، وتتمثل في إلحاق أو ضم السعودية لاتفاقيات أبراهام، حتى يصبح الشرق الاوسط وما بعده، أي العالم الإسلامي بمعظمه حليفاً غير ندّي، أو حتى تابعاً لإسرائيل، ولهذا فإن الإسرائيليين أجمعوا تقريباً على أن حربهم الجارية منذ أكثر من عام ونيف، هي حرب وجودية، أو حربهم التاريخية الثانية، التي لا يمكن تأجيلها.
وقد تأكد هذا الهاجس بما واجهوه من صد ومقاومة، أحبطت قدرتهم المعتادة على حسم المعارك بشكل خاطف وسريع، وبضربات جوية، لا تنتج عنها أية خسائر تذكر في جانبهم، وكانوا في انتظار المبرر، الذي جاءهم على طبق من ذهب من خلال عملية حماس المذكورة، وقد كان المستوى الأمني الإسرائيلي دائم التنبيه الى أن حرباً مع غزة لا بد منها، لكنهم ربما فوجئوا بأن حربهم لم تكن سهلة، بل لم يستطيعوا حسمها، وقد تضرروا جداً جراءها، بحيث ظهرت اسرائيل كدولة فاشية تشن حرب ابادة جماعية، نجم عنها توجيه تهمة دولية من أرفع محكمة دولية لرأس الدولة الإسرائيلية، ووزير حربه بصفتهما الرسمية، أي أن التهمة عمليا موجهة لدولة إسرائيل، والأنكى من كل ذلك أن استمرار الحرب بات أسوأ من إيقافها، بالنسبة لهم، لهذا فقد سارعوا الى تحقيق مكاسب تكتيكية ما دام تحقيق المكسب أو النصر الإستراتيجي متعذراً.
ووجدت اسرائيل في اغتيال قادة حماس وحزب الله مكاسب تكتيكية، ترفع من معنوياتها، لكنها لا تحقق لها الهدف بإزالة العقبة من طريق طموحها بالسيطرة الإقليمية، ثم فضلت وقف الحرب مع لبنان على وقفها مع غزة أولاً، حتى لا يكون ذلك نزولاً عند مطلب محور المقاومة، ورأت في وقف حربها على لبنان انتصاراً حقق لها هدف الفصل بين ساحات محور المقاومة، وذلك بعد أن عبرت من الشقوق الداخلية اللبنانية، حيث واجه حزب الله دائماً معارضة طائفية، لسياسته المرتكزة على المقاومة، وخاصة لفتحه جبهة إسناد غزة.
هكذا بدا أن الحرب الإقليمية لن تتوقف حتى لو حدث وقف لإطلاق النار، في أكثر من جبهة، وأن الصراع الإقليمي بين إيران وإسرائيل سيستمر سنوات طويلة، وأنه سيتأثر كثيراً في مآلاته بالصراع الكوني على النظام العالمي الحالي، وبدا أيضا بأن الصراع الثنائي بات محصوراً بينهما فقط، بعد أن انقسمت الدول الخليجية أولاً على ملف الربيع العربي، الا أن عدم سقوط نظام الأسد مبكراً فرض على الدول الخليجية خروجا من الملف السوري، الى أن أعادت العلاقة مع النظام دبلوماسياً، ومن ثم أعادته للجامعة العربية، وفي اليمن انسحبت قطر، فيما ذهبت الإمارات الى جغرافيا يمنية مختلفة عن الجغرافيا اليمنية التي اهتمت بها السعودية.
وبالمجمل، فقد ظهرت الدول العربية كلها، ليس محورا منافسا على زعامة الشرق الأوسط وحسب، بل كموضوع خاضع أو محل تنافس الدول الإقليمية الأخرى، بحيث أمكن القول، بأنه في السنوات الأخيرة تحديدا خرجت مصر المثقلة بالديون الخارجية، والمنهكة أمنيا في سيناء، والسعودية القوية اقتصاديا ولكن بالاعتماد على النفط فقط، والتي بدت ضعيفة عسكريا، بعد إخفاقها في اليمن، من ساحة التنافس على النفوذ والتأثير الإقليمي، وأيضا خرجت تركيا، بعد أن راهنت رهاناً خاسراً على الإخوان وغيرهم من قوى إسلامية، بعد أن فشلت تلك القوى في الحكم عبر الربيع العربي، حتى أن نجاحها العابر في مصر وتونس سرعان ما تبدد، فيما بقيت تركيا في حالة عداء مع مصر وتونس، وفي حالة تنافر مع السعودية، وهكذا ظهرت إيران فقط في وجه اسرائيل، بما تجمعه من مثلث قوة، اقتصادية نفطية_عسكرية وقد باتت على اعتاب النووي_ ولوجستية طائفية، عبر ارتباط ملايين العرب الشيعة في العراق ولبنان والبحرين واليمن بها.
وقد كان مدخل المقاومة ومواجهة اسرائيل بوابة ايران، للدخول لكل بيت في الشرق الأوسط، حيث أغلبية سكانه ودوله من العرب، وظهرت ايران وقد نجحت في تواصل حلقات سلسلة الطوق الإقليمي الحليف لها، ليحيط باسرائيل من شمالها حيث الجنوب اللبناني الشيعي، الى جنوبها في غزة، حيث الحليف المقاوم، يضاف الى ذلك الطوق الذي أحاطت به الجزيرة العربية من الشمال العراقي الى الجنوب اليمني، وفي المواجهة ظهرت اسرائيل أضعف عسكريا مما كان يظن الجميع، لهذا بدت مع مرور الوقت بأنها بحاجة الى تدخل ليس فقط أميركا والغرب، ولكن أيضا الدول الإقليمية في الشرق الأوسط.
ورغم أن معظم الدول العربية ليست منافساً إقليمياً كما أسلفنا، إلا أن لدى كل دولة أوراقاً، يمكن استخدامها، ولكل شيء مقابل. ولكن اكتفى الجميع بمواصلة إدانة الحرب الإسرائيلية دون أي فعل من شأنه التأثير على مواصلة اسرائيل حرب الإبادة.
وقد توافق التركي والإسرائيلي في الملف السوري، ضد واحدة من حلقات محور القوة الإقليمي الإيراني، وهكذا كان أن أدخلت تركيا قوات المعارضة السورية المسلحة الى سورية، وذلك باستغلال كون حزب الله يخوض حرباً طاحنة مع اسرائيل في لبنان، فقد خلالها قيادته التاريخية، بمعنى أنه غير قادر على التدخل لحماية بشار الأسد، بذلك يضمن أردوغان أن يبقى حزبه في الحكم داخل تركيا سنينَ أخرى بعد أن واجه معارضة متصاعدة لوجود المهاجرين السوريين على أرضه، وبعد أن فشل في تحقيق المكسب الإستراتيجي بوصول حلفائه الإسلاميين الى الحكم في الدول العربية.
وإذا كان هذا الترتيب قد وضع تركيا واسرائيل في موقع الحلفاء، فإن السؤال يدور حول الدور الروسي، الذي يبدو أنه هو أيضا كان يعلم بالتحضير التركي للانقضاض على النظام السوري، وغض البصر، مقابل أن يقوم «الإسلاميون» بمشاركته في حربه ضد أوكرانيا، أما إيران فيبدو بأن ضعفها البين في الجانب الأمني/الاستخباراتي لم يقتصر فقط على اختراق أجوائها وأرضها، بالاغتيالات، بل إنها كانت آخر من يعلم بما يحاك لبشار الأسد، من قبل الدولة الجارة التي ألمح لها المرشد علي خامنئي قبل أيام.