أقمار الصحافةالرئيسية

حسام المصري… شهيد الكاميرا الذي جعل من عدسته نافذة على وجع غزة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

حسام المصري.. أقمار الصحافة إعداد: آمنة غنام

في مشهد يلخّص معاناة أصحاب الصورة والكلمة الحرة تحت نيران العدوان، ارتقى الصحفي حسام عطية المصري شهيدًا، بعدما شكّل بعدسته نافذةً للعالم على المأساة الإنسانية في غزة.

وُلد الشهيد حسام عطية المصري في 25 فبراير 1976، ونشأ في منطقة المعسكر بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، حيث أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية، ثم التحق بقسم الكهرباء في مدرسة صناعة الوكالة، نظرًا لاهتمامه بالتعليم التقني.

بدأ مشواره في التصوير عام 1993، موثقًا المهرجانات والاحتفالات، إلى جانب عمله الإعلامي. وكان شقيقه الأكبر، عز الدين المصري، أول من دعمه في هذا المجال، حيث عمل معه في مؤسسة أمجاد الإعلامية، وتعلّم منه التصوير والمونتاج.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

حصل حسام لاحقًا على دبلوم في الصحافة، وبدأ العمل كمستقل منذ عام 1998 مع مؤسسات فلسطينية، أبرزها هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، ثم انضم إلى وكالة “رويترز” بصفته متعاقدًا في مايو 2024.

تخصّص في البث الحي من محيط مجمّع ناصر الطبي، وغطى بعدسته المساعدات الإنسانية، وسوء التغذية، والنزوح في جنوب القطاع، ليكون شاهدًا على تفاصيل الوجع.

ينحدر حسام من عائلة فلسطينية عريقة في مجال التصوير الإعلامي والوثائقي، فإخوته سبقوه في هذا الطريق، وحتى أبناؤه ساروا على خطاه، حاملين الكاميرا كما حملها والدهم: أداةً للحقيقة، وشهادةً على ما لا يجب أن يُنسى.

رحل الشقيق والصديق

كان حسام المصري مثالًا للتفاني في العمل، كما يصفه شقيقه عز الدين، الذي قال: “رغم كل المخاطر، بقي حسام حتى اللحظة الأخيرة متمسكًا بكاميرته، لينقل للعالم ما يجري في غزة من جرائم وانتهاكات”.

يضيف عز الدين في حديثه لـ”الخامسة“: “بدأ حسام التصوير في سن مبكرة، وبحكم عملي في مؤسسة أمجاد كان ساعدي الأيمن، تعلّم المونتاج بسرعة، وأصبح عمودًا أساسيًا في عملنا الإعلامي“.

ويستحضر ذكرياته معه قائلًا: “منذ عام 1993 لم أره يومًا بدون كاميرته، حتى في المناسبات العائلية، كان عمله دائمًا على رأس أولوياته. وعندما اجتاح الاحتلال مدينة خانيونس في ديسمبر 2023، رفض الخروج، وبقي في مجمع ناصر الطبي حتى أُعلن خلو المدينة من المدنيين والصحفيين“.

تأثر حسام بشدة باستشهاد زميله محمد أبو حطب، الذي رافقه في العمل لفترة طويلة، كما تركت مشاهد وداعه المتكرر لزملائه أثرًا بالغًا في نفسه، لكنه أصرّ على مواصلة رسالته، متحديًا كل المخاطر لنقل الصورة كاملة.

ورغم انشغاله بعمله في الميدان، لم يتوانَ حسام عن أداء واجباته العائلية، فكان يسعى حتى أيامه الأخيرة لاستخراج تحويلة علاج لزوجته المصابة بالصدفية، التي تطورت إلى سرطان جلدي، وسط شح الأدوية في غزة. وكان يتنقّل بحثًا عن علاج لها، إلى جانب تأمين الدقيق والطعام لعائلته كونه أب لأربعة أبناء في ظل المجاعة التي تعصف بالقطاع.

قذائف الموت

يروي المصري لحظة استشهاد شقيقه حسام قائلًا:
كنت أستعد للخروج من خيمتنا، التي تبعد نحو 300 متر عن مجمع ناصر، حين أطلق الاحتلال القذيفة الأولى. شعرت بالقلق والتوتر، ثم تلقّيت اتصالًا من الزملاء يسألون عن مكاني، فسألتهم عن حسام، فقالوا لي: أسرع إلى المستشفى. حينها، أيقنت أن شيئًا خطيرًا قد حدث، وأن حسام إما أُصيب أو استُشهد“.

توجّه عز الدين مسرعًا إلى المستشفى، لكنه وقبل أن يصل، تعرّض المستشفى لقصف جديد، ما أدى إلى استشهاد عدد آخر من الصحفيين وطواقم الدفاع المدني.

عند وصوله، لم يجد جثمان شقيقه في ثلاجة الموتى، فبدأ البحث بين الجثث والجرحى، وحتى في أقسام العناية المكثفة. ثم صعد مجددًا إلى الطابق الذي تعرّض للقصف، ليكتشف لاحقًا أن طواقم الإسعاف كانت قد وضعت جثمان حسام في الطابق السفلي، بسبب الاكتظاظ الكبير بالشهداء والجرحى والشظايا.

الصحفي الفلسطيني… بين استهداف الاحتلال وصمت العالم

يرى المصوّر والصحفي الفلسطيني عز الدين المصري أن الاحتلال الإسرائيلي، بعد فشله في كتم الرواية الفلسطينية، لجأ إلى استهداف من ينقلها، عبر فبركة الروايات وترويج الأكاذيب.

ويضيف: “كلما ثبت تورطه في اغتيال الصحفيين، يختلق لنفسه مخرجًا، لأنه بات مطمئنًا للإفلات من العقاب، بفضل دعم دول كبرى كأميركا، التي توفر له الغطاء السياسي والإعلامي“.

ويتابع: “الجريمة الأكبر أن هناك إعلاميين إسرائيليين يقودون حملات تشويه وتحريض ضد الصحفي الفلسطيني، ويظهرون على الشاشات بأسلحتهم، متباهين بالدمار، بينما تغيب أصوات المؤسسات الحقوقية التي من المفترض أن تدافع عن الصحفيين وتحقق في استهدافهم”.

ويؤكد أن الاحتلال ضرب بالشرعية الدولية عرض الحائط، متجاوزًا كل المعايير الإنسانية والمهنية، وأن نقل الحقيقة في فلسطين لم يعد مجرد مهنة، بل إرثًا يُورَّث من جيل إلى جيل.

وفي وداع الشهيد حسام المصري، تجسد هذا الإرث حين سلّم شقيقه كاميرته لابنه الأصغر “أحمد”، ليواصل من بعده درب الكلمة والصورة والمقاومة.

رواية الاحتلال… جريمة موثقة تُعلّق دون حساب

في القصف الإسرائيلي الذي استهدف مجمع ناصر الطبي، استُشهد نحو عشرين شخصًا، بينهم خمسة صحفيين: حسام المصري، محمد سلامة، مريم أبو دقة، معاذ أبو طه، وأحمد أبو عزيز.
استُهدفوا بشكل مباشر، بكاميراتهم وأجهزة البث والصوت، فاختلطت أدواتهم بدمائهم، لتبقى شاهدة على جريمة مكتملة الأركان، وقعت على الهواء مباشرة، وأمام أعين العالم.

جيش الاحتلال زعم أنه استهدف “كاميرا مراقبة لحماس” قرب المستشفى، نافياً استهداف الصحفيين، بينما وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما حدث بأنه “خطأ مأساوي“. ورغم إعلان فتح تحقيق عسكري أولي، إلا أن مصيره كغيره من التحقيقات في جرائم استهداف الصحفيين، من شيرين أبو عاقلة إلى العشرات، يبقى معلقًا بلا نتيجة… إلى أجل غير مسمى.

لكن الصحفي الفلسطيني، حين يقف بثبات خلف الكاميرا أو أمامها، يظل ثابتًا على نقل الحقيقة، مؤمنًا برسالته، لأنه ابن الأرض والقضية.

بسلاح الكلمة والصورة، يواجه آلة الحرب الإسرائيلية، دون تراجع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى