حظر الأونروا تقرير خاص: طارق وشاح
ضمن خطواتها التصعيدية تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي حملاتها ضد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مستهدفةً دورها الحيوي في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لملايين اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية. وفي خطوة جديدة تهدد استقرار الوضع الإنساني في المنطقة، قرر الاحتلال الإسرائيلي فرض قيود صارمة على أنشطة الأونروا، مما يعوق قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية لللاجئين، ويهدد هذا التصعيد الإسرائيلي بتفاقم معاناة الفلسطينيين، ويضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ جديد في ضمان استمرار الدعم للأسر المحتاجة في ظل ظروف الحرب والتهجير القسري المستمر، بالوقت الذي وصفها مراقبون بأنها جزء من مخطط أوسع لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.
يتناول هذا التقرير انعكاسات القرار على الوضع الفلسطيني من مختلف الجوانب، بدءًا من المواقف السياسية وصولًا إلى الأبعاد الإنسانية والاجتماعية.
أسباب إسرائيل وموقف الأونروا
تعتبر إسرائيل بأن الأونروا قد أصبحت “منبرًا للتحريض” ضدها، حيث يتهم المسؤولون الإسرائيليون وكالة الغوث بأنها تدعم الأنشطة التي تعتبرها تل أبيب معادية.
حيث جاءت أبرز التصريحات في هذا السياق على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قائلاً: “إن حظر الأونروا هو خطوة ضرورية لمكافحة الأنشطة الفلسطينية التي تستهدف أمن إسرائيل، وأن الوكالة تلعب دورًا في تعزيز الهوية الفلسطينية التي تشمل حق العودة، وهو أمر ترفضه إسرائيل تمامًا. مضيفاً في تصريحات أخرى إن إسرائيل لن تسمح باستخدام الأونروا “لأغراض سياسية ضدها”.
من جهتها، رفضت الأونروا القرار الإسرائيلي، واعتبرت الحظر سيزيد من معاناة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون بشكل كبير على خدماتها.
المدير العام للأونروا، فيليب لازاريني، أشار إلى أن هذا القرار سيؤدي إلى تعطيل التعليم لمئات الآلاف من الطلاب الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين، إضافة إلى تراجع قدرة الوكالة على تقديم الرعاية الصحية والخدمات الإنسانية الأساسية في ظل الأوضاع الصعبة في قطاع غزة والضفة الغربية.
وأضاف لازيني “أن الأونروا لن تتوقف عن تقديم خدماتها إلا في حال تم تعطيل كامل عملها، ونحن نواجه اليوم تحديات كبيرة للحفاظ على قدرة عملنا”.
مواقف الأطراف الدولية والمحلية
موقف الولايات المتحدة
أبدت الولايات المتحدة التي تربطها علاقات وثيقة مع إسرائيل تحفظها على قرار الحظر، مؤكدة في ذات الوقت على ضرورة “إصلاح الأونروا” وتحسين إدارتها، فكان الموقف الأمريكي في هذا السياق محايد إلى حد ما، حيث دعا المتحدثون باسم الخارجية الأمريكية إلى إعادة النظر في أسلوب تقديم الدعم الفلسطيني، مع التركيز على تحقيق فعالية أكبر في جهود الإغاثة الإنسانية، ورغم بعض التلميحات لدعم إجراءات إسرائيل ضد الأونروا، فإن واشنطن أكدت التزامها بتقديم الدعم للاجئين الفلسطينيين.
موقف السلطة الفلسطينية والفصائل
أدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس القرار الإسرائيلي، ووصفه بأنه “جزء من سياسة إسرائيلية تهدف إلى تقويض قضية اللاجئين الفلسطينيين”، وأن قرار الحظر الإسرائيلي لأنشطة الوكالة يتناقض مع القانون الدولي والحقوق الأساسية لللاجئين.
من جانبها أعلنت الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، رفضها القاطع للقرار، وأنه يعكس سياسة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين وإلغاء حق العودة، ما يعد خرقًا لحقوق الإنسان الفلسطينية. كما دعا المتحدثون باسم الفصائل إلى مزيد من التضامن الدولي مع الأونروا ودعم استمرار أنشطتها
انعكاسات القرار على الوضع الفلسطيني
الأبعاد الإنسانية
ستتعرض حياة ملايين الفلسطينيين للخطر في حال تم تنفيذ القرار الإسرائيلي بحظر أنشطة الوكالة خاصة في قطاع غزة والمخيمات المنتشرة في لبنان والأردن وسوريا، حيث تعتمد غالبية الأسر الفلسطينية في هذه المناطق بشكل أساسي على الأونروا للحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية، ولكن في ظل الحظر ستتفاقم الأزمات الإنسانية، بما في ذلك نقص الدواء والغذاء، ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والمرض.
الأبعاد الاجتماعية والسياسية
على الصعيد السياسي، يرى محللون أن حظر الأونروا يعكس رغبة إسرائيل في شطب قضية اللاجئين من أوراق التفاوض على الطاولة، ويأتي ذلك في إطار محاولة لتغيير الحقائق على الأرض وإضعاف الدعم الدولي لفلسطين.
الكاتب والمحلل السياسي، أحمد الحاج في تصريح له قال: “إن هذا القرار يأتي في سياق خطة إسرائيلية طويلة الأمد تهدف إلى إضعاف قضية اللاجئين، وهي قضية جوهرية في أي تسوية سياسية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي”، أما من الناحية الاجتماعية، من المتوقع أن يؤدي القرار إلى توتر العلاقات بين الفلسطينيين والمجتمع الدولي، خاصة في الدول التي تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين مثل لبنان والأردن.
ويعد حظر أنشطة الأونروا خطوة مؤلمة على صعيد الوضع الفلسطيني، حيث يهدد حياة ملايين اللاجئين الذين يعتمدون على خدمات الوكالة، حيث يبرز القرار الصراع المستمر بين إسرائيل والمجتمع الدولي حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، بينما يبقى موقف القوى الدولية والمحلية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية والفصائل، غير متفق حول طريقة مواجهة هذا التحدي.
كما تبقى الأونروا في قلب الجدل السياسي، بينما تستمر في توفير خدماتها رغم الأوضاع الصعبة التي تواجهها.