حكايا في زمن الحرب.. حكاية وحضن كبير من فاطمة لأطفال غزة
"حين يحتضن الأطفال أحلامي المبعثرة بين الركام، أجد نفسي أُبعث من جديد، وأبني أحلاماً من جديد"
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
حكايا في زمن الحرب إعداد: شيماء مقداد
تحت ظل شجرة زيتون عجوز في أطراف مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يجتمع الأطفال حول فاطمة الزهراء سحويل/الشرقاوي، امرأة فلسطينية في الثامنة والثلاثين من عمرها، أم لأربعة أطفال، وصحافية ثقافية تسعى لتحويل الألم إلى بذرة أمل تنمو في أرواح أطفال غزة.
ككل أبناء شعبها الذين كتب عليهم الشقاء، نزحت فاطمة مع بداية الحرب، تركت منزلها وفرت بزوجها وأبنائها بحثا عن الأمان، بدأت محطات نزوحها من مخيم الشاطئ، ثم إلى مستشفى الشفاء اعتقادا منها أنه سيكون أكثر أمانًا، لكن صوت القصف العنيف حولها دفعها لمواصلة النزوح، متنقلة بين خانيونس ودير البلح ورفح. في كل محطة، كانت تعيد ترتيب حياتها، تحاول توفير مأوى لأطفالها بينما تحمل عبء ذكريات المدينة التي سحقتها الحرب.
“في النزوح، تترك جزءًا منك خلفك، تترك جدرانًا احتضنت أحلامك، ومكتبة ملأتها قصصًا، وحقيبة ذكريات لا تُعوَّض”
تحول منزل فاطمة إلى كومة من الركام، سحقت تحتها كل أحلامها وذكرياتها، تراكم خبراتها وتجاربها في صنع واقع مختلف لأبنائها، مكتبة ضخمة ضمتها لسنوات، وحقيبة مليئة بالذكريات الجميلة.
وفي رحلة النزوح الثالثة، أثناء تواجدها في مخيم “صناعة الوكالة” بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، كانت التوترات تُثقل قلوب الجميع، أطفالًا وكبارًا. قررت فاطمة أن تتحدى هذا الواقع المؤلم بحكاياتها، و بدأت بمشاركة أطفالها حكايات وأغاني بسيطة لتهدئة أرواحهم الصغيرة، لكن ما بدأ كوسيلة للتعامل مع الضغط النفسي تطور سريعًا إلى مبادرة أكبر.
بمساعدة إدارة المكان الذي لجأت إليه، كوّنت فاطمة فريقًا من المتطوعين لتنفيذ أنشطة يومية مع الأطفال. عبر الحكايات، استطاعت أن تفتح نافذة للأطفال إلى عوالم أخرى بعيدة عن صوت القنابل ورائحة الدخان.
” ليست مجرد كلمات، الحكاية هي الحضن الذي يملأ الفراغ العاطفي في قلوب الأطفال بعد أن فقدوا كل شيء”
لم تتوقف المبادرة عند الحكايات فقط؛ بل تطورت لتشمل أساليب تعليمية مبتكرة تعيد للأطفال شغفهم بالقراءة والتعلم. باستخدام الحكايات والأغاني، وظفت فاطمة المنهاج الفلسطيني بطريقة مشوقة ساعدت الأطفال على تحسين مهاراتهم اللغوية.
أطفالها الأربعة كانوا جزءًا لا يتجزأ من المبادرة، يشاركون في الأنشطة ويفتحون مكتبة صغيرة يوميًا لاستعارة القصص. تقول فاطمة: “من خلال هذه المكتبة، نحاول أن نمنح الأطفال نافذة صغيرة للأمل وسط ظلام الحرب.”
لم تكن رحلة فاطمة خالية من التحديات. إلى جانب نزوحها المستمر، عانت من وعكة صحية شديدة تطلبت عملية جراحية معقدة. ومع ذلك، لم تستسلم. استمرت في المبادرة، توازن بين دورها كأم ونازحة وصحافية، وبين حلمها بإكمال دراساتها العليا.
تحلم اليوم بتوسيع مبادرتها تحت عنوان “خيمة الحكايات”، لتكون مكانًا دافئًا وآمنًا للأطفال في الشتاء القاسي. تقول: “أكبر أمل لي أن أرى الأطفال يبتسمون، وأن يشعروا بالأمان وسط هذا الدمار. أريد أن أُذكرهم بأنهم أطفال لهم الحق في اللعب والحب والتعليم.”
ترسل فاطمة من خلال مبادرتها رسالة إلى كل الأمهات بأن الحضن هو أعظم هدية يمكن أن نقدمها لأطفالنا الآن. إنه يمنحهم الأمان، ويمنح الأهل القوة على الاستمرار وسط ظروف قاسية وحرب مُهلكة، تدعوهم لزرع الحب والذكريات الجميلة في أطفالهم لتغطية بشاعة الحرب.
عندما تنتهي الحرب، ستكمل خططها في رحلة الدكتوراه خارج البلاد، لتتمكن من دراسة “الإعلام الثقافي” وتبحث عن مستقبل أفضل لأولادها، وبين أملها في أن تنتهي الحرب قريبًا، وسعيها لبناء حياة جديدة، تظل فاطمة رمزًا للصمود. من تحت شجرة الزيتون، تُثبت أن الحكايات يمكن أن تكون حضنًا كبيرًا يحتضن أطفال غزة وسط عالم يفيض بالموت والوجع.