الرئيسيةحكايا في زمن الحرب

حكايا في زمن الحرب: رامي مقداد.. غواص الأحلام في مدينةٍ من ركام

"البحر ليس مجرد شاطىء ومياه مالحة، إنه وطن آخر، ملاذ من الألم. لكنه اليوم صار معركة نجاة."

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

حكايا في زمن الحرب إعداد: شيماء مقداد

بكاميرا تحت الماء، وبندقية صيد في يده، كان رامي مقداد (39 عامًا)، أب لستة أطفال، يمضي أيامه في أعماق البحر، غارقًا في شغفه وحبه الأزلي للمياه الزرقاء. كان البحر رفيقه منذ الطفولة، ملاذه الوحيد وسط صخب الحياة في قطاع غزة المحاصر.

يقول رامي: “منذ كنت صغيرًا، كان البحر طريقي للهروب، أركض على الشاطئ، أتأمل أمواجه السريعة، وأشعر أنني أملك الكون بأسره.”

بدأت رحلة رامي مع الصيد في عام 2005 حين جرب صنارة وطُعماً صغيرًا ألقى به في الماء لساعات طويلة. كانت سعادته تكمن في اصطياد سمكة صغيرة بعد انتظار. ومع مرور الوقت، تحول شغفه البسيط إلى هواية متطورة، تعلم خلالها الغوص الحر وصيد الأسماك ببندقية تحت الماء.

كاميرته وثّقت لحظات مذهلة في أعماق بحر غزة، فكان أول من نقل صور أسراب الأسماك النادرة و الشعاب المرجانية الخلابة، كان ينشر مقاطع الفيديو عبر صفحته على فيسبوك، ليشارك العالم جزءًا من الجمال المخفي وراء الحصار والتلوث.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

“البحر الذي نعشقه ملوّث. مياه الصرف الصحي تغرقه، والأسماك تهرب أو تموت. هذا ليس بحرنا الذي عرفناه.”

أسس رامي مع أصدقائه مبادرة “ستعود إليك”، لتنظيف مياه بحر غزة، على أمل أن يستعيد البحر حياته. لكن الإمكانيات كانت محدودة، والمهمة شاقة، تمامًا كالحياة في غزة.

ورغم الصعوبات، لم يتوقف طموحه عند الهواية. أنشأ مع أصدقائه أول أكاديمية لـ” الغوص الحُر free diving “، لتعليم سكان غزة رياضة جديدة أو حتى مهارة قد تساعدهم على كسب الرزق.

“الحرب تغير كل شيء، كان البحر هوايتي، اليوم أصبح مصدر رزقي الوحيد، محفوفًا بالخطر، كل غطسة قد تكون الأخيرة.”

كان رامي يعيش أيامه بين البحر وعائلته، لكنه اليوم في معركة من نوع آخر. الحرب المستمرة قلبت حياته رأسًا على عقب، وصار يواجه الموت يومياً في رحلته البحرية للبحث عن أسماك، بسبب الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للصيادين .

بعد أن دمرت الحرب أجزاءً كبيرة من حي النصر الذي يسكنه، نزح رامي مع أسرته إلى وسط قطاع غزة، ليبدأ رحلة من النزوح المتكرر. من مدرسة مكتظة بالنازحين في مخيم النصيرات، إلى خيمة على شاطئ بحر رفح، إلى أن وجد نفسه وأطفاله الستة في خيمة مهترئة، بما فيهم مولوده الجديد “نوح”، يكافحون للبقاء على قيد الحياة في مدينة دير البلح وسط القطاع.

“حين رزقت بنوح، شعرت بفرحة مؤجلة. لم أستطع حتى شراء ملابس له. أعيش كل يوم أحاول فقط توفير الأساسيات لعائلتي.”

أصبح البحر معركته اليومية، يغطس رامي في المياه الباردة دون حماية كافية، بعد أن فقد بدلة الغوص التي كانت تقيه برودة الماء عندما فر من منزله بحثاً عن الأمان. يصطاد ما يمكنه بيعه أو أكله، الحلزون البحري والمحار وحتى السلاحف أصبحت جزءًا من غذاء أسرته، وسط نقص حاد في اللحوم وغلاء السلع الأساسية.

رغم كل شيء، يرفض رامي التخلي عن البحر، يقول: “حتى ونحن نعيش في خيمة على الشاطئ، لا أستطيع الابتعاد. البحر هو حياتي. لكنه اليوم ليس صديقًا، بل خصمًا لا أملك خيارًا إلا مواجهته.”

يتمنى رامي أن تنتهي الحرب، ليعود إلى منزله المدمر يرممه، ويستعيد شغفه بالبحر كهواية وليس كضرورة ملحة.

يقول : “أريد أن أعود إلى الصيد من أجل المتعة، أن أرى أطفالي يعيشون حياة كريمة، بعيدًا عن هذا العذاب. البحر سيظل دائمًا مكاني، لكنني أريد أن أكون حرًا في الغوص، بلا خوف من الموت أو الجوع.”

رامي مقداد، الرجل الذي عاش ليحمي البحر ويحمي أسرته، يبقى اليوم شاهدًا على معاناة غزة، ومعركتها المستمرة بين الحياة والموت.

حكايا في زمن الحرب..

تغطية مستمرة.. تابعونا على قناة شبكة الخامسة للأنباء في تيلجرام

حكايا في زمن الحرب
رامي مقداد.. قبل الحرب أثناء غوصه في بحر غزة
حكايا في زمن الحرب
رامي مقداد.. قبل الحرب أثناء غوصه في بحر غزة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى