حكومة عباس المرقمة 19 قمة الاستهبال والتجرؤ في الكذب
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
بقلم / عدلي صادق
بينما حرب الإبادة ما تزال في ذروتها، والدم النازف يجري شلالاً يؤرق العالم؛ أعلن محمود عباس عن تكليف رجل من خاصته، بتشكيل حكومة جديدة. وجاء في كتاب التكليف قدرٌ يعجز اللسان عن وصفه، من التدليس والاستهبال والهذي السخيف!
في الحقيقة، أصبح من العيب كل العيب على قيادات الفصائل والمنظمات الأهلية، لا سيما أعضاء “مركزية فتح”؛ الاستمرار في الصمت على هذا الدجل في تناول المسائل العامة، لا سيما في أوقات مصيرية. فإن كان معلوماً أن معظم هذه النُخب، رسبت في اختبار الجدارة السياسية وجدارة العمل على مستوى الشأن العام؛ فإن الاختبار اليوم ليس عسيراً ولا معجزاً، فهو لا يزيد عن اختبار القدرة على الكلام، باعتبار أن أعضاء هذه النُخب مواطنين كانوا ذات يوم يحملون توصيفات قيادية!
عباس في كتاب التدليس يصطفي رجلاً من كاتمي أسراره المالية، لم يرض لسنوات طويلة الانضواء في سلم أجور العاملين في الوظائف الفلسطينية العامة، وما يزال يتلقى راتباً بعشرات الألوف من الدولارات شهرياً. عباس يطلب منه الآن أن يرتقي بـ “الإنجازات” وأن يطورها، وأن تكون أولى أولوياته “قيادة وتعظيم جهود الإغاثة، والانتقال السريع والفعال من الإغاثة الإنسانية المطلوبة إلى الانتعاش الاقتصادي” وكأن هناك جهود إغاثة بدأها عباس أو أتيحت من خلال عباس لمحمد اشتية، ويراد الآن تعظيمها وتنصيب قائد هُمام لها. أو كأن مسألة اللحظة الدامية والمتفاقمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، هي الانتقال إلى انتعاش اقتصادي، ومن ثم الذهاب إلى “تنظيم ملف إعادة إعمار ما دمرته الحرب في المحافظات الجنوبية والشمالية، على أن تكون هذه الجهود ضمن رؤية واضحة تضع معالم دولة فلسطين المستقلة مؤسساتياً وبُنى تحتية وخدمات، وتوحيد المؤسسات بين محافظات الوطن”!
كلام لا ينم عن غيبوبة بقدر ما يعكس مزاج التمادي في الاستهبال والكذب والوقاحة. لذا يستطرد كتاب التكليف في ذكر البنود التي يُستشف منها أن عباس ينتظر ما يُسمى أموال إعادة الإعمار. فبيان التكليف صيغ باللغة الركيكية التي تراوح عند عبارة “الممثل الشرعي والوحيد”؛ وفي السطور، أصبح عباس فجأة يريد “عملية إصلاح في جميع المجالات المؤسساتية (!!!) والأمنية والاقتصادي والإدارة والمالية العامة، وصولاً إلى نظام حوكمة متين وشفاف، يخضع للمساءلة، ويكافح الفساد، وبما يضمن الحكم الرشيد وكرامة وصمود المواطن من خلال رفع أداء الخدمات المقدمة في القطاعات كافة”!
نحن هنا بصدد صيغة عجيبة (منقولة بالحرف) على مستوى اللغة والمعاني، مع اختلال في وضع واوات العطف، والتكتم على شرح معنى الحوكمة. فمن أين جاء صاحب كتاب التكليف بالمتخلفين الانتهازيين، الذين يصيغون له مثل هذه السطور؟ لعله الشخص الذي يحجز له موقع نائب رئيس الحكومة.. بل من أين جاء بمن يشيرون عليه بتكليف حكومات وتغيير حكومات؟ ومن الذين كذبوا عليه وقالوا إن كتب التكليف تُقرأ على المستوى الشعبي وأن هناك مخلوق فلسطيني يصدق وعودها وفقراتها؟
ثم من هم الذين منعوا عباس من القيام بعملية إصلاح؟ ومن هو غير عباس الذي أفسد “المجالات” التي يطالب الآن بإصلاحها، ويُضمر في الوقت نفسه عدم إصلاحها؟ وما هو شكل الحكم الرشيد الذي يريده ولماذا لم يسع اليه؟!
فإن كان الرجل هو الذي شطب المؤسسات الدستورية للسلطة فكيف يطالب بوحدة المؤسسات وكيف يزعم في كتاب التكليف أنه يستند إلى القانون الأساسي بينما هذه الوثيقة معطلة، والنظام المقرر لعمل منظمة التحرير الفلسطينية معطل، وبات حكمه غير الرشيد، موصوفاً على مستوى العالم بالفساد والتخلف، ما أفقد الشعب الفلسطيني سمعة الكيان الذي بُذلت المهج والأرواح لكي يتشكل ويقوم.
أسوأ ما في التكليف الفاجر، هو التغاضي عن واقع المحنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وتحويل الاهتمام عن الجرائم والمجازر، وكأن الوقت هو البدء بإعادة إعمار يلزم أن يسبقها إنعاش اقتصادي يضمنه محمد مصطفى. إنها ذروة التجرؤ في الكذب والاستهبال والتمادي في إهدار مال الفقراء بالحكومات والمصروفات والانعزال عن الواقع الشعبي.