حميد قرمان: تيارات حماس.. وحتمية الصراع بعد انتهاء الحرب
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
عانت حركة حماس قبل السابع من أكتوبر الماضي، كأي تنظيم قائم على تباين المصالح بين أفراده، من انقسامات داخلية تجلت في “صراع المناصب” الذي نشب بين مثلث قياداتها؛ إسماعيل هنية وخالد مشعل ويحيى السنوار، فأصبح للحركة رئيس للمكتب السياسي، ورئيس لما يسمى حماس الخارج، ورئيس لمكتب حماس في قطاع غزة، ولعلي تناولت بإسهاب هذا الصراع وما نتج عنه من تحالفات أفضت إلى ما كانوا عليه قبل السابع من أكتوبر، بمقال تفصيلي تحت عنوان “مملكة حماس المنقسمة”، والمنشور في شهر أبريل من هذا العام في صحيفة “العرب”.
اليوم الصورة مختلفة تماما.. الحرب الدائرة هي إعادة خلط للاصطفاف داخل الحركة، لنرى تيار هنية – مشعل في قطر، وتيار العاروري – حمدان في لبنان، وتيار السنوار في غزة.
القصة بدأت صباح السابع من أكتوبر عندما تفاجأت قيادات حركة حماس في الخارج بقيام حماس غزة بهجوم عسكري خارج القطاع على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية له، فقتلت وأسرت إسرائيليين، لترد إسرائيل بحرب شعواء على الشعب الفلسطيني الأعزل في القطاع.
حالة تخبط ومشهد معقد، لكن سريعا ما تعاملت معه حماس الخارج، فخرجت قياداتها في الدوحة وبيروت لتبارك العملية وتشرح بتلاعب المفردات الفضفاضة سردية الهجوم الغامض بالنسبة إليها بناءً على ما أذيع على وسائل الإعلام من صور ومقاطع فيديو، ليظهر في اليوم الأول إسماعيل هنية من الدوحة بخطاب يبشر بالنصر المحتوم، ويركب موجة الأحداث الساخنة والمتلاحقة بتسارع كونه رئيس المكتب السياسي للحركة. لكن الواقع أن لا أحد من قيادات حماس الخارج كان يعلم مسبقا بخطط السنوار وحليفه محمد الضيف “متلون اللواء”، فتبنت الحركة حصيلة القتلى المعلنة من الجانب الإسرائيلي بكامل عددها، ليكون في ما بعد حقيقة أن جزءًا كبيرا من القتلى كان بنيران الجيش الإسرائيلي حسب التحقيقات الأولية الإسرائيلية، والتي نُشرت في الإعلام.
بالرجوع قليلا إلى الوراء.. سعت قيادات حماس في قطر لترتيب أوراقها في لبنان أولا، وأكدت على تحالف “وحدة تيارات حماس الخارج” مع صالح العاروري وأسامة حمدان اللذين قدما تصورات مستندة على الاستعانة بعناصر وسلاح من حزب الله، والانخراط في جبهة جنوب لبنان تحت مسمى “كتائب القسام – فرع لبنان”، بعد مباركة من المرشد الإيراني وحرسه الثوري الذين يرتابون من السنوار بسبب جهلهم به وتمرده عليهم، فكان ما قدمته حماس الخارج من تصور مصلحة سياسية وعسكرية لإيران مبنية على قاعدة تبادل الأدوار بين أدواتها، ضاربة بذلك عصفورين بحجر واحد، الأول: يعفي حزب الله من الانخراط بالحرب بصورة موسعة تؤثر على مكانته السياسية والشعبية داخل لبنان، والثاني: يمنح حماس الخارج دورا في الحرب لاقتسام واقع ما ستفضي إليه الحرب التي سينتصر بها المحور الإيراني في المنطقة بصرف النظر عن نتائجها.
مجددا، قيادات حماس الخارج قررت ركوب موجة الحرب الدائرة بكل تفاصيلها، حتى لا تستأثر حماس غزة بقيادة السنوار وأتباعه بالمكاسب وحدها فقط، ولا يؤثر “النصر الحتمي” الذي تسوق له الحركة قبل أن تضع الحرب أوزارها في خارطة تشكيل المكتب السياسي المقبل لحماس، ومصير قياداتها التقليدية، خاصة بعد أن استطاعت إسرائيل اغتيال عدد لا يستهان به من قيادات المكتب السياسي والعسكري في غزة.
شواهد كثيرة تدعم ما نحن بصدده من مقاربة تحليلية عن واقع الحركة المنقسم حاليا، لعل أبرز هذه الشواهد الخطاب الإعلامي لحماس الخارج وحماس غزة؛ ففي يوم واحد خرج إسماعيل هنية من الدوحة بخطاب متلفز، وأسامة حمدان من بيروت بمؤتمر صحفي، والناطق العسكري المدعو أبوعبيدة بشريط مصور، وتكرر هذا الأمر عدة مرات في دلالة واضحة على أنه لا تنسيق في الخطاب الإعلامي داخل حماس بل هناك تسابق وتنافس واضح بين قياداتها للخروج على وسائل الإعلام، لننتقل إلى ما هو أخطر، وهو عدم اطّلاع حماس الخارج على المعلومات التفصيلية عن مجموع الأسرى وجنسهم وخلفيتهم المدنية أو العسكرية، وهو ما يدلل على نية حماس غزة حصر قرار التفاوض النهائي من خلالها فقط في رسالة واضحة بأن قرار الحرب والسلم والتفاوض بيدها هي.
مجددا، عدم اطّلاع قيادات حماس في الدوحة على أعداد الأسرى وتقسيماتهم العمرية والمدنية والعسكرية، وتكرار أسطوانة من قيادات حماس في الدوحة، أن حصر الأسرى يحتاج إلى وقت من قبل عسكر حماس، أصبحت مشروخة بعد أن قطعت مفاوضات الهدنة مراحل متقدمة، بمشاركة رؤساء أجهزة الاستخبارات الأميركية والمصرية والإسرائيلية ومسؤولين قطريين، وهو ما يؤكد أن عدم اطّلاع قيادات حماس في الدوحة ليس له علاقة لا من قريب أو بعيد بالتكتيك التفاوضي ومساره، وهو ما لمسه الجانب القطري الذي سارع باستخدام نفوذه وضغطه على كافة الأطراف داخل حماس للحفاظ على شكل الحركة الجامع لإبقاء دور قطر المركزي في الوساطة أمام الجهات الدولية خاصة الأميركية والأوروبية، فقطر تهدف إلى تقديم نفسها كقوة إقليمية تمتلك أوراق نفوذ ووساطة في بعض الملفات الشائكة في المنطقة، لذلك هي معنية أن تبقى حماس موحدة في الوقت الراهن تمهيدا لمخطط يناقش حاليا مع أجهزة استخبارات دولية، لتحويل حماس من قوة عسكرية إلى قوة سياسية كحزب يمارس لعبة الحكم داخل الأراضي الفلسطينية، حيث تسخر قطر كل منظومتها الإعلامية لتثبيت تماسك أركان الحركة وانعكاسه على تفوقها السياسي أمام إسرائيل والغرب، فالدور القطري في الوساطة تقدم لأول مرة في تاريخ الحروب الإسرائيلية على غزة على الدور المصري الذي مازال يحمل بعض التأثير بحكم الجغرافيا مع القطاع.
حماس غزة وقائدها السنوار وأتباعه الجدد في الحركة يدركون ضرورة حتمية الانقضاض على مقاليد السيطرة الكاملة داخل الحركة، وإن كان قد جرى نوع من التماهي مع الرغبة القطرية بتحييد الصراع بين التيارات مؤقتا، إدراكا من السنوار بأنه لا استمرار لعسكرة حماس في الوضع الدولي الحالي، فالطرح السياسي الدائر في الغرف المغلقة بخروج مسلحي حماس إلى دول في المنطقة، كان قد صرح به عضو قيادي قريب من تيار هنية – مشعل لوكالة أنباء روسية، وهو يصب لصالح التخلص من القوة العسكرية لتيار السنوار، الثقل الحقيقي الذي سيرجح كفته في أي صراع قادم بينه وبين تيار حماس الخارج.
ليس هذا فقط.. فملامح الصراع مستمرة حيث سارعت حماس (هنية – مشعل – العاروري) بعرض تفاهمات سياسية في الدوحة مع التيار الإصلاحي المنشق عن حركة فتح (دحلان – المشهراوي) لتوجيه الدعم القادم عبر التيار لأهالي القطاع لأنصار موالين لقيادات حماس الخارج وعائلاتهم، مقابل بحث مشاركة محدودة للتيار في آليات حكم القطاع، وبذلك تُضيق الخناق أكثر على تيار السنوار بتجفيف الموارد المالية المحتملة بعد انتهاء الحرب.
ذروة الصراع ستبدأ في اليوم التالي لانتهاء الحرب.. عندما يقرر السنوار إعلان شعار تحت عنوان: أن قيادة حماس قبل الحرب لن تكون كما بعدها.. معتمدا على شعبيته الجارفة، وهو ما سينعكس بالتأكيد على شكل قيادة الحركة السياسي والتحكم بمواردها المالية، فالمؤكد إن صمد السنوار وتياره في الحرب الحالية، وأدار مفاوضات تبادل الأسرى، سيمارس انقلابا أبيض داخل الحركة يسعى من خلاله للتخلص من كل القيادات التقليدية والمتواجدين جلهم الآن خارج القطاع، ليتولى منصب الرئيس القادم لمكتب حماس السياسي دون منافس أو منازع أو حالم بالعودة إلى المنصب الأول في الحركة.
ما سبق سينقلنا إلى قبلة الصراع في ما بعد بين تيارات الحركة، الذي سيكون في ساحة الضفة الغربية الخارجة خاليا من معادلة التأثير داخل الحركة بعد أن أوغلت إسرائيل قتلا واعتقالا بقيادات الحركة بل وضربت معظم الخلايا النائمة في مدن الضفة التي سعى لتنشيطها صالح العاروري، حيث فقد أنصار الحركة بالضفة بوصلتهم القيادية من الصف الأول والثاني، وهو ما سيجعل ساحة الضفة قبلة الصراع القادم بين حماس الخارج وحماس غزة حول لمن سيكون ولاؤها.
هذا السيناريو المرجح.. والذي يواكب حقيقة الطموحات السياسية الإقصائية للسنوار وأتباعه داخل الحركة، سيؤجج صراع الديوك داخل الحركة وسيشقها بالتأكيد إلى حماسين؛ حماس الخارج التي ستبقى في الحاضنة الإيرانية وضمن محورها في المنطقة تمارس دورا على الساحة اللبنانية ومخيماتها الفلسطينية، وحماس غزة بحاضنتها القطرية التي ستتحالف مع الحصان الرابح، مع الاحتفاظ -أي حماس غزة- بعلاقاتها مع أجهزة الأمن المصرية، حيث يعول تيار السنوار على ملف إعمار غزة والمال الذي سيساعده على مخططاته للاستقلال بالقرار المالي والسياسي عن حماس الخارج.
الخلافات بين حماس لم تعد تحتمل أن تبقى داخل أورقة النظامين القطري والإيراني، فعاصفة الصراع قادمة لا محالة.. والانشقاق الحتمي بين تيارات حماس أصبح أقرب من أي وقت مضى، والذي قد يأخذ نوعا من الصدام العسكري في غزة تحديدا.. فالحالة الفصائلية الفلسطينية زاخرة بتجارب الانشقاقات خاصة بعد كل معركة أو تصعيد عسكري مع المحتل أو الأنظمة العربية.